تعسا للمثقفين العرب

»  تعسا للمثقفين العرب
مدة القراءة: 3 دقائق

إلى حد الآن لا أعرف ما يقوم به من يطلقون على أنفسهم وصف «مثقفين» وهل هم فعلا مثقفين أم أنها القاب تعطى لكل من قرأ عشرة كتب أو كتب قصيدة؟ من آثارهم تعرفهم ولسنا بحاجة للكثير من البحث لنعرف أنهم ليسوا أكثر من مجموعة من الفاشلين الذين يجيدون اللغة العربية ربما أو يعرفون شيئا من الكلام الإنشائي الذي يقال في المحافل الأدبية من نوع «بوتقة، وإنصهار، ورحم» وما إلى ذلك من كلمات ممجوجة لا نراها في واقعهم ولا في حياتهم اليومية.

يتهمون رجال الدين بالغباء أحيانا وبالسذاجة أو التشدد والتخلف أو الرجعية، لكننا لم نجد أثرا للمثقفين المزعومين. أين إختفوا؟ كيف هي حياتهم؟ لماذا تركوا الساحة مفتوحة لمن ينعتونهم بالتخلف والرجعية؟ للأسف، الذين يدعون الثقافة والأدب، لم ينتجوا لنا إلا قصائد التخلف، وأدب الواقع المرير ولم تنعكس ثقافتهم على بيوتهم التي يسكنونها وهي تحت سيطرتهم الكاملة. ما قيمة المثقف إن كان في النهاية سينتج لنا أدبا لا يختلف في فكره عما يردده بائع الخضار؟ ما فائدة أن يتحدث المثقف المزعوم عن تولستوي وشكسبير وهو يعيش في بيته حياة لا تختلف عن حياة أي ميكانيكي غير متعلم؟ هذة حياة المثقفين لدينا والمؤلفين والأدباء الكبار. كبار بالإسم وواقعهم تعيس.

أعرف الكثير وسمعت بقصص الكثير ممن يمكننا إعتبارهم مثقفين وأدباء وصحافيين وممثلين ومخرجين وفنانين وعندما أرى حياتهم أو تصلني بعض الشكاوى من داخل بيوتهم، أستغرب من وجه الشبه بينهم وبين الطبقة متدنية الثقافة والتعليم في المجتمع. لا تختلف مشاكلهم عن مشاكل الشخص الأمي أو حتى المنحرف. هي نفس مشاكل الزواج ونفس مشاكل الشك والتخوين والغيرة والحسد والإعتداء على شركاء الحياة ونفس الصراع مع الإخوة والأخوات، والتحرش الجنسي، وسفاح المحارم، ونفس الآلية في حل المشاكل ونفس الهموم التافهة ونفس الشعور بالعجز.

تبًا لك أيها المثقف العاجز. كل ما تستطيعه هو أن تصحح للناس الإملاء وقواعد النحو والصرف أو تتباهى بأعمالك الدرامية التي تنشرها الفضائيات البائسة. أعمال أقل ما يقال عنها أنها إعادة تدوير لنفس المعاناة التي يعيشها المواطن يوميا بلا تقديم فكر أو حلول مبتكرة أو حتى نظرة جديدة للحياة. نقرأ كتبكم، نشاهد مسلسلاتكم، نسمع قصائدكم، ندرس مقرراتكم وفي النهاية نكتشف أنكم تؤصلون لنا ما نعاني منه من مشكلات فإذا عجزتم إدعيتم أن رجال الدين يفسدون الناس. لو وجد الناس البديل لما إتجهوا نحو التدين الأبله الذي يقدمه متواضعوا القدرات وخريجي الثانوية العامة. للأسف، هؤلاء هم أيضا ضحيتكم وضحية خوفكم منهم وإذعانكم لهم. تعلمنا على أيديكم ثقافة الألم والصراع مع الذات وإحتقار الشعوب والتفاخر بالأمجاد وسياسة الأمر الواقع ولعن الظروف وسب الحكومات ونظريات المؤامرة. تعلمنا منكم الرومانسية المبتذلة والطيبة الحمقاء والتسامح المذل والصبر القبيح.

ما تشاهدونه الآن على المشهد العربي هو النتيجة الطبيعية لوجود أشباه المثقفين بيننا. يعتقدون أنهم مثقفين لأنهم يحتسون الخمر ويدخنون السيجار ويتناولون الطعام بالشوكة والسكين ويلبسون بدلات أنيقة وفساتين سهرة مرصعة بالكريستال الرخيص. لو كان هناك ما يكفي من المثقفين المناضلين الذين تشربوا العلم والثقافة والحكمة لكان وضعنا أفضل الآن. مثقفينا الذين طافوا البلدان أخيرا جاؤنا بكلمات رنانة كالثيوقراطية والتكنوقراط وشرحوا لنا الفرق بين الفيدرالية والكونفيدرالية والحكم الذاتي لكنهم لم يحكّموا عقولهم فيما يبثونه من ترهات.

الثقافة التي لا تصنع شعبا جبارا لا خير فيها. الثقافة التي تلوك نفس المفاهيم البالية التي يعرفها الجميع نحن في غنى عنها، المثقف الذي يعاني من نفس المشاكل الإجتماعية التي يعاني منها الجميع ولا يستطيع التصرف بحكمة فيها، يجب أن يشجب من لائحة المثقفين وتعسا له ولأمثاله من المتكلمين. الثقافة قوة وحنكة وإبداع وإنتاج وشعوب حرة، صغيرها كبير وكبيرها مهاب، وقويها شامخ وضعيفها لا ينقص من حقه مثقال حبة من خردل. هذة هي الثقافة الحقيقية التي تغير حياة الناس وتفرج كربهم وتضع عنهم إصرهم وتسعد قلوبهم وتفتح أبواب الدنيا على مصراعيها لهم.

أيها الأصدقاء الواعون، كونوا أنتم مثقفي هذا العصر وقودوا الناس نحو الحياة، فأنتم قدمتم في عشر سنوات ما عجز عنه المثقفون المزعومون لآلاف السنوات. من زمن الجاهلية وهم يرددون نفس الأفكار البالية التي تجدونها في مجتمعاتكم الآن. كانوا أموات قبل الثقافة وأموات بعدها وسيبقون أموات إلى يوم يبعثون فإدفنوهم في قبور النسيان ولا تضعوا عليها شواهد فهذا أستر لهم وأرحم. قودوا أنتم الثقافة في بلادكم أينما كانت وأخبروا الناس أن الحياة أكبر من رواية بائسة أو مسلسل كئيب أو رقصة مبتذلة أو موسيقى لا تطرب حتى الشياطين. أنتم المثقفون الحقيقيون لأنكم تعملون في تطوير مجتمعاتكم بأدواتكم البسيطة وبكتاباتكم المتواضعة التي غلفتموها بوهج الحب النابع من أنقى بقعة في قلوبكم الطاهرة.

خذوا الراية وإنطلقوا بقوة فهذا هو زمنكم.

ما رأيك في الموضوع؟

التعليق والحوار

@peepso_user_3931(Arezki Benchater)
من الواقع المرير ، و إن تطرقت بتفاصيل اكثر لبعض الكتاب و المخرجين فهم يروجون لأغبى سلع لأنها مطلوبة و ربحها سريع ، فلا فرق بينهم و بين تاجر لا يهمه ما يبيع اﻻ الربح .
  • Weight loss product
  • مقالاتي المفضلة

    • لم يعثر على أي تفضيلات
  • تعلّم الإنجليزية بسرعة

    تعلّم الإنجليزية بسرعة

  • شبكة أبرك للسلام - جميع الحقوق محفوظة
    Developed by WiderSite

    تعسا للمثقفين العرب

    مدة القراءة: 3 دقائق

    إلى حد الآن لا أعرف ما يقوم به من يطلقون على أنفسهم وصف «مثقفين» وهل هم فعلا مثقفين أم أنها القاب تعطى لكل من قرأ عشرة كتب أو كتب قصيدة؟ من آثارهم تعرفهم ولسنا بحاجة للكثير من البحث لنعرف أنهم ليسوا أكثر من مجموعة من الفاشلين الذين يجيدون اللغة العربية ربما أو يعرفون شيئا من الكلام الإنشائي الذي يقال في المحافل الأدبية من نوع «بوتقة، وإنصهار، ورحم» وما إلى ذلك من كلمات ممجوجة لا نراها في واقعهم ولا في حياتهم اليومية.

    يتهمون رجال الدين بالغباء أحيانا وبالسذاجة أو التشدد والتخلف أو الرجعية، لكننا لم نجد أثرا للمثقفين المزعومين. أين إختفوا؟ كيف هي حياتهم؟ لماذا تركوا الساحة مفتوحة لمن ينعتونهم بالتخلف والرجعية؟ للأسف، الذين يدعون الثقافة والأدب، لم ينتجوا لنا إلا قصائد التخلف، وأدب الواقع المرير ولم تنعكس ثقافتهم على بيوتهم التي يسكنونها وهي تحت سيطرتهم الكاملة. ما قيمة المثقف إن كان في النهاية سينتج لنا أدبا لا يختلف في فكره عما يردده بائع الخضار؟ ما فائدة أن يتحدث المثقف المزعوم عن تولستوي وشكسبير وهو يعيش في بيته حياة لا تختلف عن حياة أي ميكانيكي غير متعلم؟ هذة حياة المثقفين لدينا والمؤلفين والأدباء الكبار. كبار بالإسم وواقعهم تعيس.

    أعرف الكثير وسمعت بقصص الكثير ممن يمكننا إعتبارهم مثقفين وأدباء وصحافيين وممثلين ومخرجين وفنانين وعندما أرى حياتهم أو تصلني بعض الشكاوى من داخل بيوتهم، أستغرب من وجه الشبه بينهم وبين الطبقة متدنية الثقافة والتعليم في المجتمع. لا تختلف مشاكلهم عن مشاكل الشخص الأمي أو حتى المنحرف. هي نفس مشاكل الزواج ونفس مشاكل الشك والتخوين والغيرة والحسد والإعتداء على شركاء الحياة ونفس الصراع مع الإخوة والأخوات، والتحرش الجنسي، وسفاح المحارم، ونفس الآلية في حل المشاكل ونفس الهموم التافهة ونفس الشعور بالعجز.

    تبًا لك أيها المثقف العاجز. كل ما تستطيعه هو أن تصحح للناس الإملاء وقواعد النحو والصرف أو تتباهى بأعمالك الدرامية التي تنشرها الفضائيات البائسة. أعمال أقل ما يقال عنها أنها إعادة تدوير لنفس المعاناة التي يعيشها المواطن يوميا بلا تقديم فكر أو حلول مبتكرة أو حتى نظرة جديدة للحياة. نقرأ كتبكم، نشاهد مسلسلاتكم، نسمع قصائدكم، ندرس مقرراتكم وفي النهاية نكتشف أنكم تؤصلون لنا ما نعاني منه من مشكلات فإذا عجزتم إدعيتم أن رجال الدين يفسدون الناس. لو وجد الناس البديل لما إتجهوا نحو التدين الأبله الذي يقدمه متواضعوا القدرات وخريجي الثانوية العامة. للأسف، هؤلاء هم أيضا ضحيتكم وضحية خوفكم منهم وإذعانكم لهم. تعلمنا على أيديكم ثقافة الألم والصراع مع الذات وإحتقار الشعوب والتفاخر بالأمجاد وسياسة الأمر الواقع ولعن الظروف وسب الحكومات ونظريات المؤامرة. تعلمنا منكم الرومانسية المبتذلة والطيبة الحمقاء والتسامح المذل والصبر القبيح.

    ما تشاهدونه الآن على المشهد العربي هو النتيجة الطبيعية لوجود أشباه المثقفين بيننا. يعتقدون أنهم مثقفين لأنهم يحتسون الخمر ويدخنون السيجار ويتناولون الطعام بالشوكة والسكين ويلبسون بدلات أنيقة وفساتين سهرة مرصعة بالكريستال الرخيص. لو كان هناك ما يكفي من المثقفين المناضلين الذين تشربوا العلم والثقافة والحكمة لكان وضعنا أفضل الآن. مثقفينا الذين طافوا البلدان أخيرا جاؤنا بكلمات رنانة كالثيوقراطية والتكنوقراط وشرحوا لنا الفرق بين الفيدرالية والكونفيدرالية والحكم الذاتي لكنهم لم يحكّموا عقولهم فيما يبثونه من ترهات.

    الثقافة التي لا تصنع شعبا جبارا لا خير فيها. الثقافة التي تلوك نفس المفاهيم البالية التي يعرفها الجميع نحن في غنى عنها، المثقف الذي يعاني من نفس المشاكل الإجتماعية التي يعاني منها الجميع ولا يستطيع التصرف بحكمة فيها، يجب أن يشجب من لائحة المثقفين وتعسا له ولأمثاله من المتكلمين. الثقافة قوة وحنكة وإبداع وإنتاج وشعوب حرة، صغيرها كبير وكبيرها مهاب، وقويها شامخ وضعيفها لا ينقص من حقه مثقال حبة من خردل. هذة هي الثقافة الحقيقية التي تغير حياة الناس وتفرج كربهم وتضع عنهم إصرهم وتسعد قلوبهم وتفتح أبواب الدنيا على مصراعيها لهم.

    أيها الأصدقاء الواعون، كونوا أنتم مثقفي هذا العصر وقودوا الناس نحو الحياة، فأنتم قدمتم في عشر سنوات ما عجز عنه المثقفون المزعومون لآلاف السنوات. من زمن الجاهلية وهم يرددون نفس الأفكار البالية التي تجدونها في مجتمعاتكم الآن. كانوا أموات قبل الثقافة وأموات بعدها وسيبقون أموات إلى يوم يبعثون فإدفنوهم في قبور النسيان ولا تضعوا عليها شواهد فهذا أستر لهم وأرحم. قودوا أنتم الثقافة في بلادكم أينما كانت وأخبروا الناس أن الحياة أكبر من رواية بائسة أو مسلسل كئيب أو رقصة مبتذلة أو موسيقى لا تطرب حتى الشياطين. أنتم المثقفون الحقيقيون لأنكم تعملون في تطوير مجتمعاتكم بأدواتكم البسيطة وبكتاباتكم المتواضعة التي غلفتموها بوهج الحب النابع من أنقى بقعة في قلوبكم الطاهرة.

    خذوا الراية وإنطلقوا بقوة فهذا هو زمنكم.

    رأيك مهم، شارك بفكرة تثري تجربة الآخرين