قبل أن نُكمّل في موضوع مصاص الطاقة ، أردت أن أتطرق الى نقطة مهمة جدّا ، و هو الفرق بين الأسلوب الذي يستعمله هذا الأخير و الانسان المتلاعب ، فكل انسان يمكن أن يستخدم و لو أسلوب من أساليب التلاعب بطريقة أو بأخرى ، لكن السؤال هو :
لأي درجة أنت واعي لهذا التلاعب ؟ و ماهي الطرق التي تضمن من خلالها ردّة الفعل لدى الآخرين ، بدل سؤالهم مباشرة ؟ …
كل هذه الأسئلة تساعدك في امساكك لنفسك ، لكل مرة تقع فيها عندما تتلاعب على شخص ما ، و محاولة الاجابة عن هذه الأسئلة بصدق ، سيساعد في كسر البرمجة السابقة و تجنب كل هذه الأساليب التي تستخدمها بدون وعي …
هنا يقع الفرق بين المتلاعب و مصاص الطاقة ، و الوعي هو الفاصل بينهما ، حيث أن هذا الأخير هو واعي و مُدرك لكل ما يفعله ،بل و يخطط له أيضا بنية خبيثة ، يخدم بها مصالحه و يستمتع بتعذيب الضحية …
أسلوب مصاص الطاقة هو عميق و خفي ، لا يدركه الا من تأثر أو تأذى منه ، و من أشهر الأساليب التي بحثت عنها و أردت تقديمها في هذا المقال : أسلوب اكتشفه أحد الباحثين من خلال عمل تجربة حول هذا الموضوع ، فوضع فأر في قفص و الذي يحتوي على آلة صغيرة بها مكبس ، و كلما ضغط هذا الفأر عليها ، يجد قطعة أكلة شهية ( من طعامه المفضل ) ، و بعد مرور أيام من التعوّد …. تساءل هذا الباحث :
ماذا سيفعل هذا الفأر لو اختفى الأكل فجأة ؟ ..
أولا توقع أنّه سيمل و يبحث عن شيء آخر ..فقام بالهائه بأمور أخرى ، الا أنه بقي على نفس الحالة ..
ثم فكر بفرضية أخرى : لو أنه خلق جوّ متضارب و متناقض له ، بمعنى أنه يتم انزال الأكل بطريقة عشوائية و غير منظمة ..ماذا سيحدث ؟
توقع هذا الباحث أن الفأر سيُحبط و يفقد اهتمامه بالمكبس ، لكن صار العكس تماما : أصبح مهووسا به ، و ظل يكبس و يكبس ووو…لحدّ الادمان …
تعرض هذا الفأر مع مرور الزمن لمشاعر تعزيز الاستمرارية المُتتالية ، و هذا ما يكشف لنا كيفية نشأة السلوك و ارتباطه بأسلوب المكافآت ، حيث وُضع في جو ّ متناقض النمط مع تعزيز الاستمرارية ، و هذا ما يسمى بأسلوب تعزيز لاستمرارية النمط و يُعرف بأسلوب تأمن .
يعتبر هذا النوع خطيرا و معقدا و يستعمل في العلاقات بكثرة ، لتصبح الضحية في توتر و ارتباك دائم ، تُصاب بالقلق و التشتت ، تجهل عن ماهية و كيفية التفاعل أو التعامل مع الطرف الآخر الذي يضع القوانين و الحدود لهذه العلاقة ، يتم فيها الضغط عليها في شكل تصل فيه الى أبعد الحدود ، ليُعطى من خلاله المكافئة بطريقة عشوائية و غير متوقعة ، و هذا ما يخلق نوع من الادمان النفسي …و الأمثلة كثيرة على ذلك :
نفس عمل الكازينوهات ، ألعاب القمار ، تُجّار المخدرات و الكحول أيضا ، الذين يعتمدون بشكل كبير على مدى فعالية هذا الأسلوب لاستدراج الضحية و الاحتيال عليها .
رجل يقضي مع شريكته أوقات جميلة و رائعة ، فجأة يختفي و ينسحب ، ثم يرجع يتواصل معها فقط عندما يحس بانسحابها ، و اذا واجهته تكون ردة فعله بالتجاهل ، و يتهمها بالجنون و التخيل ، فتسكت و تكبت آلامها و خوفها حتى لا تخسره .
امرأة ما في علاقة مع رجل متزوج ، يتعاطف معها من وقت لآخر و يُحدثها عن مدى جمالها و اختلافها عن زوجته ، لتعيش على أمل مفارقته لها و تحلم باليوم الذي يطلق زوجته من أجلها …
شخص يضرب زوجته و يُهينها ، و بين الوقت و الآخر يهديها شيء ثمين أو فُسحة حلوة …و خلاص انتهى الموضوع .
زوجة لا تسمح لزوجها من الاقتراب منها ، الا اذا نفذ لها مطالبها ، فيلجأ الرجل الى كل شيء حتى يحصل على هذا القرب ، و بالتالي هو غير واعي بأنها تُدربه على طريقتها ، يحس بالراحة بمجرد ما تسمح له بذلك و تُشبع رغباته …هذا الرجل اختبر هذا الحب اللحظي بدرجة من الشغف و أعلى من المعتاد فيقول لها : كم أنا مشتاق لك ، أحبك و أموت فيك …و السبب الحقيقي هو شعور بالراحة و النشوة عند القرب ، لكنه لا يعلم بأنه برمج نفسه على هذه المشاعر حتى يتحاشى العقاب و الحرمان ، و بالتالي حافظ على استمرارية العلاقة على نفس هذا النمط حتى يضمن أمان هذه المشاعر التي يحتاجها .
هذا الادمان أو التفاعل الكيميائي الذي ينتجه الجسم عند القرب أو الحصول على الحاجة بطريقة هذا الأسلوب بالذات ، يصعب التحرر منه ، حيث يكون المُضطهَد مُبرمج على ما تلقى من مصاص الطاقة من حاجات ، و هذا ما يخلق هوسا عند الانسان ، فلا يتنبأ بنمط أو كيفية أو متى سيأخذ مكافأته ، يُترك مُعلقا بحالة من اليأس و التجويع العاطفي ، لدرجة أنّه لما يحصل على لُقيمة صغيرة من تلك المشاعر يُحسّ بنشوة كبيرة و بأنه ملك الدنيا ، يظل يُلاحقه و يحاول خلق ظروف للاقتراب من مصاصه للحصول على جرعته و الاستمتاع بها أخيرا …هذا الأسلوب يُمركز السلطة الكاملة لمصاص الطاقة ، و السبب أنه لا داعي للتعب ، فهو المسيطر الآن .
و بالرغم من ذلك تبقى الضحية هي المُشترك الأول في جلد نفسها ، لأنها لم تحافظ على حدودها أو تلتزم بقوانينها بشكل دائم ، لحوح ، واضح ، و بطريقة مباشرة تتمسك من خلالها بالأشياء التي تحبها و التي لا تحبها .
في العلاقة حتى تعتبر الطرف الآخر فعلا شريك ، يجب أن تكون حدودكما واضحة و محترمة من الطرفين بكل تفهم و احتواء ، يحترم كل طرف شخصية الآخر و يسانده في مطبات الحياة ، فكلنا نمر عبر ذلك ، أحيانا نضعف ، نغلط ، نتجاوز …لكن تبقى جذور العلاقة صحية و سليمة .
اذا كنت في النوع الأول من العلاقات : العالم الذي يعذب الفأر ، أم الفأر نفسه المُدمن و المهووس بالمكبس ، اسأل نفسك بصدق ، تقبل خسائرك و اتخذ قرار حاسم بالتوقف عند هذا الحدّ للبدئ من جديد ، لكن احذر مجددا ، لأنه اذا حس مصاص الطاقة بهذا التغيير ، سيتحول الى كل شيء جميل يمكنك أن تراه ، يستعمل كل الطرق للتمثيل و جذب شفقتك نحوه ، لكنك اذا ظليت صامدا و عملت على رفع وعيك و استحقاقك رغم هذه الفترة المؤلمة ، تكون قد دفعت أغلى ثمن لاسترداد حريتك النفسة و الروحية و الجسدية ، و اشتريت نفسك بثمن غال ، ثمن شفاؤك و تحررك من كل هذه التجارب التي تعيق تطورك و نموك …
أما عن مصاصي الطاقة ، فيجب عزلهم و حرمانهم من طاقة الكائن البشري ، اذا لم تكن لهم نية فعلية على التغيير ، حتى يتمكنوا من التركيز على شفاء أنفسهم و العودة اليها …
كل هذا يُظهر لنا المكان الصحيح في العلاقات ، الاختيار السليم للشريك ، و احترام رغبة الانسان بقبوله أو رفضه لتلبية احتياجات الطرف الآخر بطريقة سوّية و سليمة ترضي و تناسب الطرفين …. فقبول بمعروف أو تسريح باحسان .
ما رأيك في الموضوع؟
التعليق والحوار