كنت جالسة مع رفيقة لي في المنزل لا نفعل شيئا يذكر، كانت تقلب قنوات التلفاز بلا هدف! مرورا بالأغاني الصاخبة إلى فيلم رعب ملئ بالدماء والصراخ، ثم كرتون وشيء من الأخبار وحين لم تجد شيئا يثير الاهتمام جعلتنا نبكي ونتوجع على فيلم قديم بالأبيض والأسود…
كنت أراقب الوضع آملة أن تختار لنا شيئا ممتعا أو مفيدا نغني به أمسيتنا لكن دون جدوى، فهواية الصعود والنزول في قنوات المستقبل الرقمي كانت تسيطر على ضيفتي وتخضعها أكثر من طلباتي المتكررة بالتوقف.
حياتنا تشبه كثيرا جهاز التلفاز المليء بالمثيرات والمغريات والألوان والأشكال من كل بقاع العالم وبكل اللغات، يجذبنا جذبا ونلتصق به التصاقا، يأخذنا من عرض ساحر إلى آخر، من بلد إلى بلد من فيلم إلى مسلسل إلى برنامج إلى أخبار إلى كرتون ويمضي بنا الوقت في شبه إغماء دون أن ندري…
ربما نكون مدركين للأمر في البداية لكننا ما ننفك ننساق لجمالية الصورة وتخدير الموسيقى ومشاهدة ما يشاهده جليسنا، قد يكون الأمر ممتعا في بعض من الأحيان، أن يشاهد أفراد العائلة مجتمعين نفس الفيلم أو البرنامج، هذا إن كانوا متفقين على المحتوى، وإلا فإن الأمسية تتحول إلى استكشاف لعدد قنوات المستقبل أو إلى نسخة من برنامج ما يطلبه المشاهدون…
من منا لم يتعرض لهذا الموقف؟ حين كان يرغب بشيء ما ومن حوله يفرضون عليه شيئا آخر، كم مرة تركنا جهاز التحكم عن بعد في يد من حولنا يوجهوننا يمنة ويسرة، إلى الخلف أو إلى الأمام، ظانين أننا لن نعرف استعماله، مؤمنين بحاجتنا لمن يوجهنا أو بالأحرى يتحكم فينا، يختار لنا ما نشاهد نلبس أو نأكل، الاختصاص الذي ندرس، العمل الذي نمارس، الشخص الذي نتزوج إلى آخر اللائحة الطويلة…
يكون الأمر مريحا في البداية، ألا نتعب أنفسنا في التفكير والاختيار، لكن ما ننفك نحس بالانزعاج وعدم الانتماء للمكان الذي اختير لنا، عدم ارتياحنا في ملابسنا لأنها لا تناسب ذوقنا، ولا ندري حينها ما نفعل فنحن أصلا لم نتعرف على ذوقنا، أنترك العمل أم نغير الاختصاص؟ نشتري ملابس أخرى، نتعلم شيئا عن اتخاذ القرار؟!…
قد تكون مشاهدة الأفلام والمسلسلات أسهل بكثير من تمثيلها وإخراجها، وهذا ما يصنع الفرق في حياة كل واحد منا، أن يختار أن يكون جزء من الحدث أو يكتفي بالجلوس على كراسي المتفرجين، ولا ننسى أن أكبر المخرجين وأبرع الممثلين بدأوا بأفلام وأدوار صغيرة، تدرجوا منها صعودا عبر سلم النجاح.
ربما تكون حياتنا جهاز تلفاز كبير، لكل واحد منا برنامجه المفضل، لكن هذا لا يعني أن نتخلى عن برامجنا من أجل مشاهدة برامج الآخرين ولا أن نترك لهم جهاز التحكم في أيديهم وإلا حطمونا وحطموا حياتنا.
وهنا يطرح السؤال المهم نفسه، هل نملك الشجاعة الكافية للامساك بزمام أمورنا وتحريك أحداث حياتنا في الاتجاه الذي نريد،؟أم أن دور المتفرج المسكين المتحكم فيه عن بعد يستهوينا ويناسبنا أكثر؟
جهاز التحطم عن بعد
13 أبريل, 2017
نشر بواسطة Abbrak User
مدة القراءة: 2 دقائق
إنظم إلى عائلة أبرك للسلام. توجد أشياء كثيرة غير المقالات - أنقر هنا للتسجيل ستكون تجربة رائعة • أو سجل دخول للتعليق والمشاركة
ما رأيك في الموضوع؟
التعليق والحوار