عقلية العرب في التعامل مع الحقائق

»  عقلية العرب في التعامل مع الحقائق
مدة القراءة: 4 دقائق

العرب أمة لا يمكن فهمها بسهولة لأنها أمة ضبابية بطبعها تعتمد الغموض والتمويه والتجاهل وتمييع القضايا مهما كانت مهمة. ما سأكتبه هنا ليس بالضرورة ينطبق على الجميع ولكن بشكل عام هو يمثل سمات الشخصية العربية التقليدية والتي يمكن أن تصادفها في أي مكان حتى في الدول العربية التي لا يكاد العرب يمثلون فيها أكثر من ٥ إلى ١٥ في المئة كما هو الحال في دول شمال أفريقيا. يبدو أن اللعنة العربية تصيب كل من يتحدث هذة اللغة.

حاولت أن أفهم كيف يفكر العربي وكيف يتعامل مع أحداث يومه وكلما تعمقت أكثر كلما أيقنت بأنني أمام مجموعة من منكري الحقائق بشكل فطري. فالعربي ينكر أي شيء بلا سبب مقنع ودون تثبت ليس لأنه يعرف العكس أو لأنه يرجح نظرية أخرى أكثر تماسكا. هو ينكر كل ما لا يروق له أو لا يجد له مثيل في عاداته وتقاليده مهما كانت بائسة أو متخلفة أو حتى متطورة. مادامت الفكرة مختلفة عما عهده في صباه أو تلقاء من كبراءه فإنها حتما فكرة خاطئة ولا تمثله وبالتالي إنكارها هو الأمر الأمثل. هل تحدثت يوما إلى شخص لا يكرهك ولا يعاديك، هو فقط لا يريد أن يفهمك؟ هذا هو تماما العربي عندما تحدثه عن أمر لم يجد له مقابل في تراثه.

لا تستطيع أن تدخل في حوار مع العربي لأنه لا يملك مقومات الحوار العقلاني الجاد. كيف ستحاور شخصا كل همه في الدنيا هو أن يدافع عن نفسه ويثبت بأنه على حق، ولذلك يعيش العربي صراع مرير مع الذات ومع بقية الشعوب وكل الأفكار المختلفة حتى وإن كانت من أخيه الشقيق. ستجد هجوم كاسح بلا عقل ولا مبرر على شخصك لا على فكرك ولا تستغرب إن إستشهد عليك العربي من فكره هو ومن كتبه هو ومن مصادره هو. فهو لا يستطيع التفريق بين أهمية مصادره له وبين عدم أهميتها لك. مادام هو يصدقها فهي حجة عليك.

الأمر يذهب إلى أبعد من ذلك وهذا ما أذهلني حقا. يعتقد العربي أنه إذا قال شيئا صار حقيقة. لا يهتم لا بمنطق ولا فطرة ولا أي شيء أبدا، فقط ما يقوله يصبح حقيقة بالنسبة له. مثلا لو قلت له أن هناك جيش جرار سيقتحم بلادكم ويستعبدكم، ستراه يتفاخر بأمجاده ويحلف الف يمين أن هذة ستكون مقبرة ذلك الجيش. بما أنه قال فإنه سينام مطمئن البال لأن هذة حقيقة بالنسبة له. تحدث له عن المرأة وحقوقها وستجده بكل بساطة يخلق كذبة ويصدقها، على سبيل المثال « لا، لا يوجد لدينا نساء يطالبن بحقوق. كل نسائنا بنات أصل وبنات الأصل لا يفعلن ذلك » هكذا بكل بساطة وسيعيش الكذبة التي كذبها بينه وبين نفسه حتى تثور النساء ضده وتهين كرامته. وحينها سيخلق كذبة أخرى مثل « هؤلاء ليسوا منا، هم غير أصيلات » وبناء على الكذبة الجديدة سيعيش فترة حتى يضطر إلى خلق وهم جديد وكذبة أحدث وقصة أكثر حماقة.

هكذا يتعامل العربي مع الحقائق التي لا تروق له. يختلق قصص وهمية ويعيشها في عالمه حالما بأن تتبدد المشكلة من تلقاء نفسها. إختلاق القصص يكاد يكون فن وأسلوب حياة بالنسبة للكثيرين. يخلقون قصة حول الآخرة وقصة حول قيمة إعمالهم الهامشية وقصة حول بطولاتهم الوهمية وقصة حول أعدائهم وقصة حول مصير من يخالفهم وقصة حول صلاح أبنائهم وبناتهم وقصة حول تاريخهم وقصة حول أي قصة لا تطرب لها آذانهم ويعيشون فيها وكأنها الحقيقة المطلقة.

تحدث القرآن الكريم كثيرا عن الكفر والكفار وظن العرب المسلمون أنه يتحدث عن أعدائهم بينما هو تحدث عنهم هم أنفسهم. لقد نطق القرآن بما في أنفسهم من كفر والكفر هو تغطية الحقيقة. حذرهم رب العالمين من الكفر وهو تغطية الحقيقة وأخبرهم أن لهم في اليهود موعظة لأنهم كفروا الحقيقة قبلهم ولكن العرب خلقوا قصة أن الكفر هو عدم الدخول في الإسلام وتجاهلوا تماما معنى الكلمة الحقيقي.

لقد كشفهم الله وعراهم أمام أنفسهم وهذا ما لم يرق لهم عندما ظهر الإسلام. قال لهم أيها الكافرون، أي أيها الكاذبون، مخفون الحقيقة، فنسبوها إلى من لم يؤمن بدعوة محمد (ص) ثم مددوها لتشمل كل الشعوب الأخرى مع أن الله ذكر تلك الشعوب حسب أديانها بصريح الآيات ولم يقل أنهم كفار.

لا تذهب بعيدا، إن لم تصدقني وهذا حقك أنظر لأصدقائك ومعارفك وستدرك المعنى. أنظر كيف يختلقون القصص إختلاقا من لا شيء. أنظر للأعذار الكثيرة لعدم القيام بشيء أو التفاخر بالأشياء حتى التي لا يملكونها وكيف يسبغون على أنفسهم القاب الصلاح والطهارة ويحدثونك عن الجنة والنار ومصير كل إنسان حسب مزاجهم. ربما تعتقد أنهم يتحدثون عن علم راسخ بينما في الواقع هي مجرد أماني يتمنون حدوثها ولكنهم يصدقونها وكأنها حقيقة.

لذلك لا تندهش عندما يتهمك العربي بشيء ليس فيك، فهو مجبول على هذة الطبيعة.  يعتقد أنه بمجرد إتهامك ستصبح ذلك الشيء وسيبدأ بالتعامل معك على ذلك الأساس. أول سلاح في يد العربي هو البهتان، فهو سيبهتك وأنت واقف تنظر في عينيه وبكل وقاحة سيقول عنك ما ليس فيك خصوصا إن كان هناك من يوافقه الرأي ولن يمضي وقت طويل حتى يعرف الجميع أنك ما إدعاه الكاذب الأول.

شعوب تحمل مثل هذة العقلية لا تستطيع أن تأخذ كلامها على محمل الجد وإن أنت صدقت ما يقولون لن تفلح أبدا. وعليه أنصحك بعدم الإكتراث لإتهامات العرب لك لأنها مجرد قصص مختلقة. في الحقيقة ولنكن منصفين، القصص تعمل في صالحك أيضا. لأن العربي لا يضاهي خوفه شيء غير خوف الله إلا الخوف من توجيه الإتهامات. تستطيع أن تتهم العربي بأي شيء مهما كان لا معقول وستراه يهب يدافع عن نفسه وكأنه حقيقة واقعة. فقط إستمر في كيل المزيد من الإتهامات وهذا قد يلقنه درسا.

ربما هذا هو سبب إنتشار الأساطير في التراث العربي ومن أشهرها أسطورة الف ليلة وليلة لأن الخيال لا يختلف عن الحقيقة وهذا ما جعل القرآن ينزل على شكل قصص وأخبار عن السابقين، فالذين يعيشون في عالم الأساطير لا يمكن أن يدركون المعنى دون أن يغلف على شكل أسطورة تفهمها عقولهم.

نحن شعوب تعيش الخرافة ولا يمكن أن تواجه الواقع، لأن الواقع يعتمد على الحقائق ونحن نمجد الكفر أو إخفاء الحقائق.

  • Weight loss product
  • مقالاتي المفضلة

    • لم يعثر على أي تفضيلات
  • تعلّم الإنجليزية بسرعة

    تعلّم الإنجليزية بسرعة

  • شبكة أبرك للسلام - جميع الحقوق محفوظة
    Developed by WiderSite

    عقلية العرب في التعامل مع الحقائق

    مدة القراءة: 4 دقائق

    العرب أمة لا يمكن فهمها بسهولة لأنها أمة ضبابية بطبعها تعتمد الغموض والتمويه والتجاهل وتمييع القضايا مهما كانت مهمة. ما سأكتبه هنا ليس بالضرورة ينطبق على الجميع ولكن بشكل عام هو يمثل سمات الشخصية العربية التقليدية والتي يمكن أن تصادفها في أي مكان حتى في الدول العربية التي لا يكاد العرب يمثلون فيها أكثر من ٥ إلى ١٥ في المئة كما هو الحال في دول شمال أفريقيا. يبدو أن اللعنة العربية تصيب كل من يتحدث هذة اللغة.

    حاولت أن أفهم كيف يفكر العربي وكيف يتعامل مع أحداث يومه وكلما تعمقت أكثر كلما أيقنت بأنني أمام مجموعة من منكري الحقائق بشكل فطري. فالعربي ينكر أي شيء بلا سبب مقنع ودون تثبت ليس لأنه يعرف العكس أو لأنه يرجح نظرية أخرى أكثر تماسكا. هو ينكر كل ما لا يروق له أو لا يجد له مثيل في عاداته وتقاليده مهما كانت بائسة أو متخلفة أو حتى متطورة. مادامت الفكرة مختلفة عما عهده في صباه أو تلقاء من كبراءه فإنها حتما فكرة خاطئة ولا تمثله وبالتالي إنكارها هو الأمر الأمثل. هل تحدثت يوما إلى شخص لا يكرهك ولا يعاديك، هو فقط لا يريد أن يفهمك؟ هذا هو تماما العربي عندما تحدثه عن أمر لم يجد له مقابل في تراثه.

    لا تستطيع أن تدخل في حوار مع العربي لأنه لا يملك مقومات الحوار العقلاني الجاد. كيف ستحاور شخصا كل همه في الدنيا هو أن يدافع عن نفسه ويثبت بأنه على حق، ولذلك يعيش العربي صراع مرير مع الذات ومع بقية الشعوب وكل الأفكار المختلفة حتى وإن كانت من أخيه الشقيق. ستجد هجوم كاسح بلا عقل ولا مبرر على شخصك لا على فكرك ولا تستغرب إن إستشهد عليك العربي من فكره هو ومن كتبه هو ومن مصادره هو. فهو لا يستطيع التفريق بين أهمية مصادره له وبين عدم أهميتها لك. مادام هو يصدقها فهي حجة عليك.

    الأمر يذهب إلى أبعد من ذلك وهذا ما أذهلني حقا. يعتقد العربي أنه إذا قال شيئا صار حقيقة. لا يهتم لا بمنطق ولا فطرة ولا أي شيء أبدا، فقط ما يقوله يصبح حقيقة بالنسبة له. مثلا لو قلت له أن هناك جيش جرار سيقتحم بلادكم ويستعبدكم، ستراه يتفاخر بأمجاده ويحلف الف يمين أن هذة ستكون مقبرة ذلك الجيش. بما أنه قال فإنه سينام مطمئن البال لأن هذة حقيقة بالنسبة له. تحدث له عن المرأة وحقوقها وستجده بكل بساطة يخلق كذبة ويصدقها، على سبيل المثال « لا، لا يوجد لدينا نساء يطالبن بحقوق. كل نسائنا بنات أصل وبنات الأصل لا يفعلن ذلك » هكذا بكل بساطة وسيعيش الكذبة التي كذبها بينه وبين نفسه حتى تثور النساء ضده وتهين كرامته. وحينها سيخلق كذبة أخرى مثل « هؤلاء ليسوا منا، هم غير أصيلات » وبناء على الكذبة الجديدة سيعيش فترة حتى يضطر إلى خلق وهم جديد وكذبة أحدث وقصة أكثر حماقة.

    هكذا يتعامل العربي مع الحقائق التي لا تروق له. يختلق قصص وهمية ويعيشها في عالمه حالما بأن تتبدد المشكلة من تلقاء نفسها. إختلاق القصص يكاد يكون فن وأسلوب حياة بالنسبة للكثيرين. يخلقون قصة حول الآخرة وقصة حول قيمة إعمالهم الهامشية وقصة حول بطولاتهم الوهمية وقصة حول أعدائهم وقصة حول مصير من يخالفهم وقصة حول صلاح أبنائهم وبناتهم وقصة حول تاريخهم وقصة حول أي قصة لا تطرب لها آذانهم ويعيشون فيها وكأنها الحقيقة المطلقة.

    تحدث القرآن الكريم كثيرا عن الكفر والكفار وظن العرب المسلمون أنه يتحدث عن أعدائهم بينما هو تحدث عنهم هم أنفسهم. لقد نطق القرآن بما في أنفسهم من كفر والكفر هو تغطية الحقيقة. حذرهم رب العالمين من الكفر وهو تغطية الحقيقة وأخبرهم أن لهم في اليهود موعظة لأنهم كفروا الحقيقة قبلهم ولكن العرب خلقوا قصة أن الكفر هو عدم الدخول في الإسلام وتجاهلوا تماما معنى الكلمة الحقيقي.

    لقد كشفهم الله وعراهم أمام أنفسهم وهذا ما لم يرق لهم عندما ظهر الإسلام. قال لهم أيها الكافرون، أي أيها الكاذبون، مخفون الحقيقة، فنسبوها إلى من لم يؤمن بدعوة محمد (ص) ثم مددوها لتشمل كل الشعوب الأخرى مع أن الله ذكر تلك الشعوب حسب أديانها بصريح الآيات ولم يقل أنهم كفار.

    لا تذهب بعيدا، إن لم تصدقني وهذا حقك أنظر لأصدقائك ومعارفك وستدرك المعنى. أنظر كيف يختلقون القصص إختلاقا من لا شيء. أنظر للأعذار الكثيرة لعدم القيام بشيء أو التفاخر بالأشياء حتى التي لا يملكونها وكيف يسبغون على أنفسهم القاب الصلاح والطهارة ويحدثونك عن الجنة والنار ومصير كل إنسان حسب مزاجهم. ربما تعتقد أنهم يتحدثون عن علم راسخ بينما في الواقع هي مجرد أماني يتمنون حدوثها ولكنهم يصدقونها وكأنها حقيقة.

    لذلك لا تندهش عندما يتهمك العربي بشيء ليس فيك، فهو مجبول على هذة الطبيعة.  يعتقد أنه بمجرد إتهامك ستصبح ذلك الشيء وسيبدأ بالتعامل معك على ذلك الأساس. أول سلاح في يد العربي هو البهتان، فهو سيبهتك وأنت واقف تنظر في عينيه وبكل وقاحة سيقول عنك ما ليس فيك خصوصا إن كان هناك من يوافقه الرأي ولن يمضي وقت طويل حتى يعرف الجميع أنك ما إدعاه الكاذب الأول.

    شعوب تحمل مثل هذة العقلية لا تستطيع أن تأخذ كلامها على محمل الجد وإن أنت صدقت ما يقولون لن تفلح أبدا. وعليه أنصحك بعدم الإكتراث لإتهامات العرب لك لأنها مجرد قصص مختلقة. في الحقيقة ولنكن منصفين، القصص تعمل في صالحك أيضا. لأن العربي لا يضاهي خوفه شيء غير خوف الله إلا الخوف من توجيه الإتهامات. تستطيع أن تتهم العربي بأي شيء مهما كان لا معقول وستراه يهب يدافع عن نفسه وكأنه حقيقة واقعة. فقط إستمر في كيل المزيد من الإتهامات وهذا قد يلقنه درسا.

    ربما هذا هو سبب إنتشار الأساطير في التراث العربي ومن أشهرها أسطورة الف ليلة وليلة لأن الخيال لا يختلف عن الحقيقة وهذا ما جعل القرآن ينزل على شكل قصص وأخبار عن السابقين، فالذين يعيشون في عالم الأساطير لا يمكن أن يدركون المعنى دون أن يغلف على شكل أسطورة تفهمها عقولهم.

    نحن شعوب تعيش الخرافة ولا يمكن أن تواجه الواقع، لأن الواقع يعتمد على الحقائق ونحن نمجد الكفر أو إخفاء الحقائق.

    رأيك مهم، شارك بفكرة تثري تجربة الآخرين