هناك إتجاه بدأ ينتشر مؤخرا حول مسؤولية الإنسان عن الأحداث التي يتعرض لها أو يجذبها إلى عالمه وقد تم تضخيم الأمر بدرجة كبيرة حدا يجعل الإنسان مسؤولا عن كل ما يدور حوله من أحداث مهما كانت فضيعة حتى لو لم تكن له يد فيها. كثير من الأشخاص إقتنع بهذة الفرضية وصار يلوم نفسه على كل ما يحدث في حياته من إخفاقات وتعثر، وصار يهاجم الآخرين بها.
تبدو هذة الفكرة منطقية فعلا فأنت مسؤول عما يحدث في حياتك وفعلا كل ما يحدث لك هو نتيجة طبيعية لأفكارك ومعتقداتك ومشاعرك حول الأحداث المختلفة. هذة الفكرة صحيحة وخاطئة في نفس الوقت لأن الأمور لا تؤخذ بظاهرها ولا يجوز إطلاق مسميات وتعريفات عامة بدون البحث العميق في الفكرة وفهم ما تعنيه بالضبط وتداعيات الأخذ بها كما هي. لذلك على المبتدئ الإنتباه إلى من يأخذ العلم منه لأنه ليس كل من تحدث في الوعي أو في أي أمر آخر هو فعلا متمكن منه. البعض مجرد ناقل غير عاقل.
أنت لست مسؤولا عن أي شيئ. أنت لم تخلق البشر ولم تزرع فيهم غرائهم ولم تخلق الجبال ولا الأنهار ولا تستطيع التحكم في الرياح أو الفيضانات أو الزلازل ولا لماذا تلد المرأة بعد تسعة أشهر. هذا إن تحدثنا عن الخلق والطبيعة وأما عن ظروف الحياة فأنت لم تخترع العملات ولم تصنع الأسواق ولم تصنع الآلات الموسيقية ولا آلات المصانع ولم تبتكر فكرة الشرطة والدولة ونظام الحكم ولم تأتي بالأديان والقوانين وليس لك يد في الأمراض النفسية التي يصاب بها البشر ولا تستطيع منعهم من التفكير ولا جعل الأغبياء يفكرون ولم تصنع للناس مشاعر ولا أي شيئ. تقريبا ليس لك دور في كل ذلك وإنما ولدت فوجدت كل شيئ معد سلفا وكل ما تعلمته هو ما فرضته عليك الحكومة أو ما فرضه عليك والديك وما إكتسبته رغما عنك من المجتمع الثقافة التي ولدت فيها فكيف تصبح مسؤولا عن كل ذلك عندما يؤثر عليك سلبا أو حتى إيجابا. أنت غير مسؤل عن أي شيئ، لكنك مسؤول عن شيئ اخر مهم.
حدود مسؤوليتك تكمن في السيطرة على مشاعرك. هذا هو كل شيئ. كل ما في الحياة ليس مسؤوليتك ولكن مشاعرك تجاه الأحداث أنت مسؤول عنه لأنك بكل بساطة لا تستطيع أن تصبح مسؤلا عن أحداث الحياة حتى لو كانت لك يد فيها. لقد أفسدوا عليك الفكرة من حدود المسؤولية. أنت لست مسؤولا عن الأحداث والظروف لأنها نتيجة لعوامل بشرية وطبيعية خارج قدرتك وحدود إدراكك. مسؤوليتك تتمحور حول مشاعرك تجاه تلك الأحداث وكيف تتعامل معها بحيث لا تصبح واقعا في حياتك.
لنفرض أنك قمت بعمل خاطئ فهنا مسؤوليتك هي تصحيح الخطأ فقط. أخطأت في حق إنسان فكل ما عليك القيام به هو الإعتذار وإن تطلب الأمر تعويض أو مراضاة فأنت مسؤول أن تقوم بها لكنك لست مسؤولا عن الظروف التي جعلتك ترتكب الخطأ لأنك لست من صنعها. أنت لم تصنع بيئة عمل غير مناسبة حيث يفقد الناس أعصابهم على سبيل المثال فإن كنت قد فقدت أعصابك وأخطئت في حق زميل لك فهذا ليس لأنك تريد ذلك وإنما نتيجة لظروف خارج إرادتك أو لمعتقد قد تمت برمجتك عليه، فلربما أنت تعاني من عقدة نفسية. هذة ليست من صنعك أنت وإنما من صنع الظروف. نحن لا نبرر الخطأ ولا نقبل به ولكن إفهم أن الحياة أكبر منك ومن أخطائك ولا يمكنك تحمل مسؤلية كل شيئ وحدك وكأنك فعلا صانع كل ما يحيط بك. أنت مجرد قطعة صغيرة في لوحة أكبر منك مكونة من الطبيعة والظروف والقوانين والأشخاص الآخرين وحتى الجغرافيا والتاريخ والموروث الثقافي. العملية أكبر منك ومن أي فرد آخر. واصل القراءة لتفهم أكثر.
أنت غير مسؤول وهذا يسقط عنك الشعور بالذنب تجاه الظروف التي وضعتك في مثل هذة المواجهات وإضطرتك لإتخاذ قرارات وسلوكيات خاطئة. عندما تسعى لعمل ما فإن هناك من قد يتضرر طبيعيا حتى بدون تعمدك إيقاع الأذي. لنفرض أنك قمت بمسح الأرض من أجل تنظيفها وجاء أحدهم وتزحلق ثم إرتطم رأسه بالأرض الصلبة وفارق الحياة، فهل أنت من تسبب في ذلك؟ لا طبعا. ما كنت تقوم به يعتبر عمل صالح فلماذا لا يطير البشر عندما يتزحلقون؟ أنت لم تخلق آلية التزحلق ولا آلية الموت فكيف تتحمل مسؤولية ما ليس لك عليه سلطان؟
مسؤوليتك الوحيدة هي مشاعرك دائما. أن تحافظ عليها في وضع إيجابي معظم الوقت أو كل الوقت إن أمكن. أحداث الحياة ستحدث، والأخطاء مهما حرصت وإتخذت الإجراءآت الكفيلة بمنعها فإنها ستحدث. الحياة لن تتوقف عن رمي الأشياء في طريقك والنتائج لن تأتي دائما على مزاجك والناس لن تتعاطى مع أفكارك معظم الوقت والظروف ستتبدل صعودا وهبوطا دون أخذ إذنك وكل ما تملكه فعلا وتحت سيطرتك الكاملة هو مشاعرك تجاه ما يحدث. عليك أن تحافظ على مشاعر إيجابية نحو كل أحداث الحياة لتتمكن من صنع واقع جديد. هذا هو معنى أنك مسؤول عن كل شيئ. أنت مسؤول عن مشاعرك وأفكارك التي تنتج تلك المشاعر لأنها تحت تحكمك الكامل. الأحداث المؤلمة والأحداث السعيدة ستحدث دائما لكن يبقى موقفك منها ثابتا وهو أن لا تسمح لها بجرك إلى إنتاج مشاعر سلبية تجلب لك المزيد من الأحداث السلبية. عملك ومسؤوليتك هو خلق مستقبل أفضل عن طريق إنتاج مشاعر أفضل.
كيف تقوم بهذا؟ هذة قصة أخرى يطول شرحها لكن إليك لمحة. لا تقبل بأي مشاعر سلبية تشعر بها. يجب أن تطردها في الحال. فقط لا تقبل أن تشعر شعور سلبي.