كانت واقفة تبحلق في احدى اللوحات .. قريبة جدا منها .. شده اليها قوامها الممشوق وشعرها الكالح السواد ... ذكره بليل بغداد.. على وجهها كل التناقضات .. لم يدري كيف اتته الجرأة ليقترب منها ويوشش في اذنها..
- ابتعدي قليلا لتري الصورة اوضح ..
فزعت من صوته الذي سحبها من افكارها ..
- عفو ا!! هل اعرفك؟
- ليس مهما ... المهم ان تبتعدي قليلا .. انها لوحة جميلة .. لن تري هذا لجمال ان كنت قريبة الى هذا الحد ..
اجابته باقتضاب .
- ليش شانك..
- دائما القرب يغرقنا في التفاصيل الصغيرة ... تربكنا كثرة التفاصيل .. كثرة الاوان والاشكال .. المواقف .. كثرة النوايا وتحليل النوايا .. ما اشقانا .. ابتعدي قليلا ستري انه مجرد خلاف صغير مع احدهم لا يستحق كل هذا السخط .. مجرد اخفاقة في امر ما .. مجرد ثقة في غير محلها .. مجرد يوم غائم من ايام مزاجك كل ما يطلبه منك ان تقبليه وتجعليه يمر بسلام ..
- ما ادراك انت بيومي الغائم ؟
- وجهك يفضح اكثر من هذا بكثير..
اطرقت خجلا من انها واضحة كالمراه حتى للغريب ...
- انظري الى كل مشاكلك والتفتي الى ملكوت الله في كونه.. ستستصغرين مشاكلك .. ربما تضحكين .. وتغرقين في الضحك .. ما اشقانا بمشاعرنا .. هذا العالم الجميل الذي لا نكاد ندرك منه الا الزبد من البحر .. الملئ بكل التناقضات .. بكل القبح وكل الجمال في آن.. ماض في رحلته ... لن يقف عند هذه المشكلة او تلك .. امتني لهذه الحياه .. لوجودك فيها .. كما هي..
ركضت نحو الباب هاربة من كلامه الذي لامس روحها ..لكن قررت ان تبتعد .. تبتعد قليلا .. ربما كثيرا ..
سرى البدري