عندما نقول أن العرب أو أهل هذا البلد يعانون من هذة المشكلة أو تلك، يخرج علينا ألف ألف أحمق ليقول لا تعمم، لكن لو قلنا أن العرب أو أهل هذا البلد أذكياء ومميزون فستخرس ألسنتهم ويسكتون وكأن على رؤسهم الطير. لا يعجبهم التعميم الذي يكشف الخلل في مجتمعاتهم، لكن التعميم الذي يمنحهم مجدًا لا يستحقونه، يجعل قلوبهم ترقص في صدورهم. هذا هو النفاق بعينه وهو منتشر وتستطيع أن تعتبر هذا تعميم. لكن هذة ليست مشكلتنا الحقيقية.
المشكلة الأكبر والأدهى والأمر هو التعميم القاتل الذي يمارسه الناس بلا عقل. نشروا في كل مكان أن البنت عزوتها ( عزها وسندها ) أبوها وإخوانها، وهذا كذب بواح بل وهو مجاهرة بالحماقة. هذا غير موجود إلا في المجتمعات العربية فقط. يربون البنت على معلومات وتعميمات غير صحيحة. يوهمونها أن أمها وأبوها جاهها وسندها وإخوتها تلقاهم عند الحاجة، وهذا ما لا ينطبق على أكثر العائلات. الأب الذي يتخلص من إبنته بتزويجها من أول أحمق يطرق الباب، هل هذا رجل؟ الأب الذي يقول لها لا خروج لك من بيت زوجك إلا إلى القبر هل هذا من البشر؟ لماذا لم يساندها؟ لماذا يتركها تتعذب تحت سطوة رجل ظالم أو مريض نفسيا؟ هل هذا يستحق الأبوة؟
في المدارس والمساجد وحتى عند الكثير من الحمقى ممن يدعون أنهم أخصائيين إجتماعيين أو تربويين، يروجون إلى فكرة الأب العطوف والأم الرحيمة والأخ العضيد ثم تكتشف البنت بعد فوات الأوان أنها وقعت ضحية إستغلال أب سرق مهرها أو إستولى على ممتلكاتها وممتلكات بقية أبناءه، وإخوتها لم ينصروها عندما مسح بكرامتها الأرض زوجها المعتوه. الأمر لا يتوقف عند هذا الحد. التحرش الجنسي، هذا المرض الخبيث المنتشر بدرجة لا يستهان بها. أب يتحرش بإبنته، أخ يحاول إقناع أخته بمطارحته الغرام، العم الذي يتحسس جسد إبنه أخيه، والخال الطيب الذي ينال من بنت أخته. كل هؤلاء يصورهم المجتمع على أنهم أقرب المقربين للبنت أو حتى الولد وأنهم سيذودون عنهم عندما تلم بهم مصيبة ويجور عليهم الزمان. هم هؤلاء أنفسهم أول من يعتدي ويسرق ويهين ويتحرش ويفسد الحياة، ثم يأتي الحمقى الذين يؤمنون بالملائكية يروجون بين الناس أن هذة روابط عائلية آمنة.
قد تتسائل عزيزي القارىء المخدوع، ما السبب إلى مثل ذلك التعميم؟
حسناً، العرب أمة قائمة على فكرة الإطار العام للأشياء، وحسب النظرة العربية للحياة وبكل تأكيد حياة العربي بائسة، فإن صلح الإطار، صلح المحتوى. أعطيك أمثلة لتتضح لك الصورة.
- مادام يصلي فهو صالح
- مادام هو أبوها فهو حريص على مصلحتها
- مادامت هي أم فهي رحيمة
- مادامت العائلة تربطها صلات رحم فهي سند
- مادام هو يحمل شهادات عليا فهو مؤهل
- مادام من عائلة ثرية فهو لن ينصب عليك
- مادامت هي محجبة فهي عفيفة
- مادامت مطلقة فهي جاهزة لمضاجعة أي رجل تراه
- مادام هو من عائلة محترمة فهو محترم
هذة الأطر الإجتماعية تخبرنا عن مدى ضحالة الفكر العربي ومدى هزالته بشكل عام، لأنه يضع القيمة في الإطار أو الشكل ويتغاضى عن العمل، لأن العمل لا قيمة له بين من لا عقول لهم. لا يستطيعون التفكير ولا إدراك معاني الحياة ولذلك يتم تكويمهم في أطر إجتماعية يستطيعون فهمها. تلك الأطر تحدد الشكل الخارجي للشيء ولا تستطيع التعامل مع العمل، لأن العمل متغير ومتجدد ومتحرك بإستمرار. هناك الكثير من الإحتمالات التي لا يستطيع العقل العربي حسابها بسرعة كافية. لا يستطيع العقل العربي حساب أن الرجل قد يكون أب وفي نفس الوقت طيب وحنون ولكنه أيضا مريض نفسيا. فهذا بالنسبة للعقل العربي يشبه علوم الفضاء أو تكنولوجيا النانو.
ولأننا لا نضع قيمة للفعل فإننا نكتفي بالإطار وهذا بدوره يخلق مشاكل كثيرة يحتار فيها الناس بين البرمجة السفيهة التي تبرمجوا عليها وبين الفعل. ترى الأم تنصح إبنتها بالعودة إلى زوجها دون إعتبار لمقدار الألم والإهانات التي سببها لها. وينصحها المرشد الأسري بالصبر وتوقع الأجر بعد الموت. لم نتعلم يوما في مدارسنا الهزيلة أن القيمة في الفعل وأن على الإنسان أن يدافع عن نفسه ولا يقبل بالخطأ حتى من أقرب المقربين. فحسب مناهجهم البالية لا يمكن إلا أن يكون البيت واحة أمن وأمان وإستقرار.
الأب الحقير، الذي يتهم إبنته في شرفها وعفتها بطريقة غير مباشرة، يغلق عليها الأبواب، ويحرمها من رؤية الناس وقضاء حوائجها، مثل هذا يطلب من البنت أن تخضع له فهو أبوها. الزوج الذي يقذف زوجته بأشنع الأوصاف، عليها أن تسكت وتحتسب. الأخ الذي يتحرش بأخته أو أخيه لا يطرد من البيت حتى لا تتشوه صورة العائلة الحقيرة. هكذا ضاعت الحقوق وزاد في المجتمع الخوف والقلق والتوتر والأمراض النفسية. لأن العقلية العربية لا تعرف إلا الإطار. القيمة الكبرى في الشكل لا المضمون.
نصيحة لكل أب وأم. إبدأوا بتعليم أبنائكم وبناتكم أن القيمة في الفعل وأن عليهم أن لا يقبلون بالخطأ من أي إنسان مهما كان قريب. لا قيمة لصلة القرابة أو الصداقة أو سن الإنسان. الميزان هو الفعل فقط. ونصيحة كذلك للأبناء من ذكور وإناث. لا تسمحوا بالإعتداء عليكم بإسم القرابة. إذا شعرت أن هناك من يعتدي عليك وهو من المقربين أو أن أهلك لا يساندونك فتوجه إلى أقرب مركز شرطة في الحال وقدم بلاغ ضد المعتدي بلا خوف أو تردد. وعلى الدولة أن تثقف رجال الأمن على عدم إدخال آرائهم الشخصية ( المتخلفة في كثير من الأحيان ) في القضية وأن عليهم تطبيق القانون بنزاهة. لأن الذي يحدث أن الإنسان يتجه إلى الشرطة ليكتشف أن الأحمق الذي يلبس بدلة الحكومة لا يقل حقارة عن المعتدي. وعلى من يتجه للقانون أن يسأل عن الموقف القانوني المكتوب. فقط القانون المنصوص عليه في أحكام القضاء وليس الرأي الشخصي لهذا الضابط أو ذاك الشرطي.
دائما إعرفوا حقوقكم الدستورية أو القانونية فهي أفضل بكثير من الإعتماد على الأطر الإجتماعية التافهة. فقط بالقانون.