كفرد تعيش حياتك وتتفاعل مع أحداثها يوميا ويبدو أن الأشياء أحيانا تعمل وأحيانا أخرى لا تعمل أو تأتي بمردود عكسي. تبقى تدور في دوائر لمعرفة ما الذي يجري حولك؟ بعد أن تيأس من المحاولات قد تتجه إلى صديق تثق في رأيه فتكتشف أنه لا يضيف لك شيئا جديدا، فهو إنما يردد ما تعرفه وقد تربيت عليه من أساليب التعامل مع المواقف المختلفة سواء في البيت أو الشارع أو العمل.
هذا حال الكثيرين الذين لم يدركوا بعد سبب شعورهم السيئ تجاه الحياة وأحداثها المتباينة صعودا وهبوطا ومهما حاولوا الإنطلاق في الحياة وإستحضار مشاعر البهجة يبقى الواحد منهم مكتئبا دون سبب واضح. عندما نمعن النظر نكتشف بأن هذة حالة عامة منتشرة في كل مكان من الوطن العربي وليست حكرا على شعب دون الآخر. يا ترى ما السبب الذي يجعل الناس تشعر بكل تلك الكآبة على الوجه المصحوبة بشعور عدم الرغبة في القيام بأي عمل مهما كان بسيطا؟ لماذا يشعرون بذلك الثقل على الصدر لمجرد التوجه لشراء بعض الخضار؟
صحيح، كما توقعت تماما، إنها التربية. يتربى العربي على فكرة الطهارة والتطهر ونحن نعلم كم هي كاذبة هذة الفكرة. في الحقيقة لا توجد فكرة أكذب من فكرة الطهارة لكنها منتشرة في كل مكان. عموما ليست الطهارة موضوعنا ولكن ما إنبثق عنها من نفسيات مختلة. فالطهارة والملائكية الكاذبة أوجدت وضعا جديدا على وجه الأحداث الا وهو تجنب الوقوع في المشاكل من الأساس عبر تجنب الأشخاص الذين تم تصنيفهم كعصاه أو كفار أو منحرفين أو غير مطهرين أو مجرمين. هنا التسميات لا قيمة لها لأن ما يأتي بعدها هو بيت القصيد.
يتعلم العربي أن عليه تجنب المشاكل وأسبابها ثم يكتشف أن كل شيئ وكل إنسان يقابله قد يصبح سببا للوقوع في مشكلة من نوع أو آخر لذلك يتخذ القرار الحاسم وبتوجيه ومباركة من الأهل، بأن يبتعد عن كل شيئ ويصنع درعا حصينا حول نفسه ومشاعره وحتى نظراته. هذا أدى إلى عزلة الناس عن الناس وإكتفائهم بتجنب كل ما قد يثير المشاكل.
العربي يعتزل كل شيئ يظن أنه سيسبب له مشاكل لأنه ضعيف. أي مصدر للمشاكل يجب تجنبه بأي ثمن حتى لو أدى جلوس الإنسان في البيت وعدم الخروج منه إلا للحاجة. بلغ الأمر بهم إلى حد سجن نسائهم في البيوت وإذا خرجن فعليهن تغطية أنفسهن من الرأس إلى أخمص القدمين وأن لا تتكلم المرأة ولا تصدر صوتا أو تتطيب بعطر. كل هذا نتيجة طبيعية لضعف الرجال وخوفهم من التعامل مع المشكلة الأساسية وهي أنهم شعوب وقحة بلا أخلاق، فعوضا عن نشر ثقافة الأدب والإحترام قرروا في زمن من الأزمان الإنكفاء على الذات. وبما أن المرأة هي شغلهم الشاغل، غلفوها وأجلسوها في البيت.
قد تقول عزيزي القارئ أن هذا قد حل المشكلة، لكن ما حدث هو النقيض تماما إذ سائت الأخلاق أكثر وزادت المشاكل المتعلقة بالمرأة فضاق الرجال ذرعا بأنفسهم فإعتزلوا كل شيئ. تحولت هذة إلى ثقافة عامة وصارت الناس تتجنب كل شيئ وهذا ضد الفطرة وضد كل قوانين الحياة ففقد العرب القدرة على التعامل مع الأحداث.
السر يكمن في التعامل لا تجنب المواقف أو الأحداث. دورك كإنسان هو التعامل مع كل المواقف وأنت منفتح الذهن حاضر الحواس متوازن المشاعر. عندما تتعرض لموقف معين فعليك أن تتعامل معه لا أن تضعه في خانة المغضوب عليهم وتسرع مبتعدا. تتعامل مع الطيب ومع المخبيث ومع السهل ومع الصعب ومع المرأة ومع الرجل. كل موقف يمر عليك يجب أن تتعامل معه لا أن تتجنبه.
تعامل مع الحشاش والمجرم والمحتال والنذل ومن هو في طبقة أعلى منك ومن هو في مستوى أقل منك. مع الفقير ومع الغني ومع السقيم والسليم ومع المواقف المزعجة وتبك المحببة إلى النفس. أنت هنا لتتعامل لا أن تتجنب وتبتعد وتذم وتنتقد. عندما تتعامل مع الموقف تكتسب القوة والخبرة وبالتالي تتجنب الوثوع في المشاكل فعلا. لا تتجنب النظر إلى الناس في الشارع وإلقاء التحية عليهم. لا تتجنب الإبتسام للغرباء ولا تتجنب الدخول في حديث مع شخص لا تعرفه.
ثم وهذة أكبرها لا تتجنب التعامل مع مشاكلك. لا تؤجلها ولا تتجاهلها أو تتغافل عنها أو تشغل نفسك بأمور أخرى. واجه المشكلة بقوة، أي تعامل معها. لا تهرب من مشاكلك ولا تهرب من مقابلة شخص لا ترغب في مقابلته مادامت حاجتك عنده. توقف عن الهروب من الحياة. دورك هو التعامل مع أحداث الحياة لا إتخاذ قرارات لتجنبها أو منعها. لا تربي أولادك وبناتك على الممنوع والمكروه والذي لا يجوز بل إمنحهم المعرفة والثقة ليكتسبوا القدرة على التعامل مع أحداث حياتهم. هذا أكبر ميراث يمكن أن تتركه لهم.
لا تكوّن مشاعر سلبية تجاه الأحداث وإنما إهدأ وإستقر وتوازن ثم أنظر كيف ستتعامل مع الموقف كموقف وليس كمصيبة أو الم. لا تتألم على الأحداث أو على نفسك. لا يوجد شيئ أسوأ من أن يتألم الإنسان على نفسه. تدرب على التعامل مع الأحداث. توقف قليلا وتخيل أن المشكلة وقعت لصديق ومطلوب منه أن يتعامل معها وليس هناك مخرج من تلك المشكلة إلا بالتعامل معها. بماذا ستنصحه؟ كيف ستوجهه بحيث يخرج بأقل الأضرار أو يحول الموقف لصالحه بحيث يكسب أكثر مما كان يتوقع؟
أنت ورثت نظام تربية فاشل وليس عليك حرج إن تنازلت عنه وبدأت بإعادة بناء شخصيتك من جديد. فكر في الموضوع جيدا وراقب مشاعرك عندما تتعرض لموقف لا يعجبك ولاحظ كيف تنزع للهروب منه حتى لو كانت مقابلة صديق أنت غير مستعد لمقابلته الآن. لا تهرب، أخرج وأخبره أنك لا تستطيع مقابلته الآن لأمر خاص بك. ماذا؟ لا تريد مشاكل معه؟