الحياة هي إدارة المتناقضات

»  الحياة هي إدارة المتناقضات
مدة القراءة: 4 دقائق

يعيش الإنسان حياة مليئة بالمتناقضات. هناك الشيء وضده، هناك الخير والشر، النور والظلام، ولا يعرف بالضبط كيف يتصرف أمام هذا الكم الهائل من التناقضات. هي قوى متعاكسة تعصف بالإنسان في إتجاهات متعارضة مع كل ما يؤمن به أو يعرفه أو يتوقعه. الذي يريد عمل الخير يصادفه الأشرار، والذي يريد البناء يصادفه من يستمتع بالهدم، والذي يريد أن يترك وشأنه يأتيه من يتدخل في حياته، والذي يعتقد أنه يستطيع الإعتماد على شخص يكتشف أنه لا يعتمد عليه، والذي يعتمد على المال يكتشف أن ماله لا ينفع في كثير من المواقف.

ما هذة الحياة؟ ما الذي يجري فعلا؟
حسنًا، هذة هي الحياة كما هي وكما كانت قبل مليارات السنين وستبقى كذلك لمليارات السنين في المستقبل. ما يعنينا الآن هو أنت الآن. كيف ستتصرف مع هذة القوى المتصارعة في أعماقك؟ أولا يجب أن تعلم أن التناقض هو ما يحرك الحياة وهو ما يحافظ على الحركة، فبدون وجود التناقض والصراع بين القوى لا توجد حياة. ثانيا يجب أن تعرف أنك لن تستطيع الهروب من صراع القوى، وهذا يأخذنا إلى النقطة التي نريد أن نصل إليها، وهي إدارة المتناقضات. المتناقضات التي تراها في الخارج ولكن الأهم هو المتناقضات التي تشعر بها في الداخل.

باي نتورك

إليك بعض الأمثلة التي ستوضح لك المعنى حتى لا تضيع في دوامة المتناقضات.

١- تحتاج الحب، لكن بلا تعلق
٢- تحتاج أن تتقبل المخالفين، لكن دون أن تتنازل عن طريقتك
٣- تحتاج الأصدقاء، لكن بلا خوف على فقدانهم
٤- تفضّل السلام، لكنك مستعد للحرب
٥- تسامح، لكن لا تتنازل عن حقوقك
٦- تلبس الملابس الجميلة، لكن لا تأخذ قيمتك منها
٧- تحترم خصوصية الآخرين، لكن هذا لا يمنع من معرفة أخبارهم
٨- تخاصم، لكن دون أن تفجر
٩- تسعى للتفوق، لكن دون تحطيم المنافسين
١٠- تجلس في النور، لكن لا يزعجك وجود الظلام
١١- تمارس العدل، لكن لا تفقد الرحمة

هذة مجرد أمثلة بسيطة وإلا فإن هناك الكثير من التناقضات في حياة الإنسان التي يجب عليه إدارتها بحكمة وحنكة. الأمر يعود للمشاعر ودائما المشاعر. ما تريده أنت تعرفه وما لا تريده أيضا تعرفه لأنه يزعجك، وعملك الذي يجب أن لا تنساه أبدا هو أن تحافظ على مشاعر محايدة تجاه الأشياء التي تزعجك بينما في نفس الوقت تمضي في إنجاز ما تريده أنت. هذا يعني أن شعورك جيد تجاه الأشياء التي تريدها أو تتمنى حدوثها في حياتك، دون أن يزعجك وجود أشخاص مزعجين أو ظروف غير مواتية أو مواقف معاكسة. دورك هو المحافظة على شعورك الطيب تجاه ما تريد وتحييد الشعور السيىء تجاه ما لا تريد. أن تسمح له أن يكون.

إكتساب هذة المهارة يجعلك قادرا على مناورة الحياة بسهولة. حينها ستستطيع التواجد في إماكن كنت تكرهها، وتتعامل مع أشخاص لا ترتاح للتعامل معهم، وتنجز مهمات كنت في السابق تتهرب منها. في هذة الحالة فقط تستطيع أن تحتفل بنفسك لأنك بت قادرا على مناورة الحياة بمهارة. حينها لن يوقفك شيء ولن يكون للمجتمع تأثير على تقدمك وهذة من الخصال التي يجب أن يتحلى بها كل من يسعى للنجاح والتقدم في الحياة. إنه القبول بالمتناقضات ليس للسلام الداخلي وحسب، وإنما القبول أو التقبل المقرون بالحركة والعمل، إذ لا يكفي أن تتقبل ثم تعتزل الحياة وإنما تتقبل وتمارس الحياة.

أحد أهم أسباب بؤس الثقافة العربية دائما كان ومازال، عدم تقبل وجود المتناقضات في الحياة. إعتقد العرب أنهم قادرون على الحياة بلون واحد هو اللون الأبيض. قالوا سنصبح من الطاهرين وسنمنع كل أسباب الظلام والسواد. وهنا حيث بدأت الثقافة العربية والنفس العربية بالضلال والعقد والقيود. إعتقد الناس أنهم سيصنعون نظاما إجتماعيا رائعا لو تمكنوا من التخلص من كل الشرور فكان لهم ما أرادوا. نظام إجتماعي صارم، يحرّم ويجرّم الخطأ والمخطىء ويحتقر كل ما لا يناسب العرف والتقاليد. قالوا نحن أخيار فقط، لكن النفس البشرية مبرمجة على المتناقضات وبهذا برع العرب في النفاق. النفاق وخداع الذات.

هذة الأنفس التي تمت برمجتها على اللون الواحد عاشت مكسورة وستبقى كذلك إن هي لم تدرك حقيقة المتناقضات وتكتسب مهارة التعامل معها. تبدأ قصة الخلل في النفس العربية بالوالدين المبرمجين على اللون الأبيض، إذ يبدأون بتلقين أولادهم اللون الأبيض ويربونهم على أنه لا يوجد إلا هذا اللون، وفي سبيل ذلك هم على إستعداد لإستخدام القوة والقمع الفكري والنفسي والجسدي، فينشأ عن ذلك أولاد بنفسيات ضعيفة وشخصيات مشوشة وفكر مذبذب. هذة الشخصيات الهشة لا تستطيع تقبل التناقضات في الحياة ولا تجيد إدارتها ولم تسمح لها أن تكون. يدخل الأولاد في صراع مرير مع أنفسهم ومع والديهم والمحيطين بهم ومع كل من يقابلهم.

ثم تستمر سلسلة المعاناة من جيل إلى الآخر. الكل ينكر المتناقضات وهذا يؤدي إلى صراع الأجيال وإنتشار النفاق الإجتماعي لأن الكل مبرمج على عدم الإعتراف بالمتناقضات أو التعامل معها. هذة الثقافة تنتقل لأماكن العمل التي تشكل العصب الرئيسي للدولة وبهذا تبنى دول هشة ثقافيا وغير قادرة على إدارة أزماتها بنجاح لأن القائمين عليها من موظفين وكوادر عمل لا يتمتعون بنفسيات متوازنة وهذا ينعكس على القوانين والإجراءآت والتخطيط الإستراتيجي المستقبلي، فقوة الدولة أو المجتمع من القوة النفسية لأفراده. قدرتك على إدارة المتناقضات في الحياة والإعتراف بوجودها لن يجعلك تعيش حياة متوازنة وحسب وإنما سيجعلك مواطنا صالحا وقادرا على خدمة وطنك ومجتمعك بشكل أفضل.

إن كنت جادًا في تغيير هذا الواقع أن تبدأ بتحسين قدرتك على التقبل وتصحيح مشاعرك نحو الآخرين وكل الإشياء التي تزعجك، وتتعلم كيف تصبح مطيعا دون أن تفقد شخصيتك وأن تدافع عن نفسك دون أن تعتدي على حقوق الآخرين، وأن تعيش قيمك ومبادئك دون أن تمنع الآخرين من أن يعيشون حياتهم كما يريدونها. عليك أن تصحح مشاعرك نحو كل الأشياء والأشخاص والمواقف التي تثير إستيائك، وفي نفس الوقت تستمر على تحقيق ما تريده أنت. هكذا أنت تناور متناقضات الحياة لتحقق أسطورتك.

  • أفضل منصة تداول
  • مقالاتي المفضلة

    • لم يعثر على أي تفضيلات
  • تعلّم الإنجليزية بسرعة

    تعلّم الإنجليزية بسرعة

  • شبكة أبرك للسلام - جميع الحقوق محفوظة
    Developed by WiderSite

    الحياة هي إدارة المتناقضات

    مدة القراءة: 4 دقائق

    يعيش الإنسان حياة مليئة بالمتناقضات. هناك الشيء وضده، هناك الخير والشر، النور والظلام، ولا يعرف بالضبط كيف يتصرف أمام هذا الكم الهائل من التناقضات. هي قوى متعاكسة تعصف بالإنسان في إتجاهات متعارضة مع كل ما يؤمن به أو يعرفه أو يتوقعه. الذي يريد عمل الخير يصادفه الأشرار، والذي يريد البناء يصادفه من يستمتع بالهدم، والذي يريد أن يترك وشأنه يأتيه من يتدخل في حياته، والذي يعتقد أنه يستطيع الإعتماد على شخص يكتشف أنه لا يعتمد عليه، والذي يعتمد على المال يكتشف أن ماله لا ينفع في كثير من المواقف.

    ما هذة الحياة؟ ما الذي يجري فعلا؟
    حسنًا، هذة هي الحياة كما هي وكما كانت قبل مليارات السنين وستبقى كذلك لمليارات السنين في المستقبل. ما يعنينا الآن هو أنت الآن. كيف ستتصرف مع هذة القوى المتصارعة في أعماقك؟ أولا يجب أن تعلم أن التناقض هو ما يحرك الحياة وهو ما يحافظ على الحركة، فبدون وجود التناقض والصراع بين القوى لا توجد حياة. ثانيا يجب أن تعرف أنك لن تستطيع الهروب من صراع القوى، وهذا يأخذنا إلى النقطة التي نريد أن نصل إليها، وهي إدارة المتناقضات. المتناقضات التي تراها في الخارج ولكن الأهم هو المتناقضات التي تشعر بها في الداخل.

    إليك بعض الأمثلة التي ستوضح لك المعنى حتى لا تضيع في دوامة المتناقضات.

    ١- تحتاج الحب، لكن بلا تعلق
    ٢- تحتاج أن تتقبل المخالفين، لكن دون أن تتنازل عن طريقتك
    ٣- تحتاج الأصدقاء، لكن بلا خوف على فقدانهم
    ٤- تفضّل السلام، لكنك مستعد للحرب
    ٥- تسامح، لكن لا تتنازل عن حقوقك
    ٦- تلبس الملابس الجميلة، لكن لا تأخذ قيمتك منها
    ٧- تحترم خصوصية الآخرين، لكن هذا لا يمنع من معرفة أخبارهم
    ٨- تخاصم، لكن دون أن تفجر
    ٩- تسعى للتفوق، لكن دون تحطيم المنافسين
    ١٠- تجلس في النور، لكن لا يزعجك وجود الظلام
    ١١- تمارس العدل، لكن لا تفقد الرحمة

    هذة مجرد أمثلة بسيطة وإلا فإن هناك الكثير من التناقضات في حياة الإنسان التي يجب عليه إدارتها بحكمة وحنكة. الأمر يعود للمشاعر ودائما المشاعر. ما تريده أنت تعرفه وما لا تريده أيضا تعرفه لأنه يزعجك، وعملك الذي يجب أن لا تنساه أبدا هو أن تحافظ على مشاعر محايدة تجاه الأشياء التي تزعجك بينما في نفس الوقت تمضي في إنجاز ما تريده أنت. هذا يعني أن شعورك جيد تجاه الأشياء التي تريدها أو تتمنى حدوثها في حياتك، دون أن يزعجك وجود أشخاص مزعجين أو ظروف غير مواتية أو مواقف معاكسة. دورك هو المحافظة على شعورك الطيب تجاه ما تريد وتحييد الشعور السيىء تجاه ما لا تريد. أن تسمح له أن يكون.

    إكتساب هذة المهارة يجعلك قادرا على مناورة الحياة بسهولة. حينها ستستطيع التواجد في إماكن كنت تكرهها، وتتعامل مع أشخاص لا ترتاح للتعامل معهم، وتنجز مهمات كنت في السابق تتهرب منها. في هذة الحالة فقط تستطيع أن تحتفل بنفسك لأنك بت قادرا على مناورة الحياة بمهارة. حينها لن يوقفك شيء ولن يكون للمجتمع تأثير على تقدمك وهذة من الخصال التي يجب أن يتحلى بها كل من يسعى للنجاح والتقدم في الحياة. إنه القبول بالمتناقضات ليس للسلام الداخلي وحسب، وإنما القبول أو التقبل المقرون بالحركة والعمل، إذ لا يكفي أن تتقبل ثم تعتزل الحياة وإنما تتقبل وتمارس الحياة.

    أحد أهم أسباب بؤس الثقافة العربية دائما كان ومازال، عدم تقبل وجود المتناقضات في الحياة. إعتقد العرب أنهم قادرون على الحياة بلون واحد هو اللون الأبيض. قالوا سنصبح من الطاهرين وسنمنع كل أسباب الظلام والسواد. وهنا حيث بدأت الثقافة العربية والنفس العربية بالضلال والعقد والقيود. إعتقد الناس أنهم سيصنعون نظاما إجتماعيا رائعا لو تمكنوا من التخلص من كل الشرور فكان لهم ما أرادوا. نظام إجتماعي صارم، يحرّم ويجرّم الخطأ والمخطىء ويحتقر كل ما لا يناسب العرف والتقاليد. قالوا نحن أخيار فقط، لكن النفس البشرية مبرمجة على المتناقضات وبهذا برع العرب في النفاق. النفاق وخداع الذات.

    هذة الأنفس التي تمت برمجتها على اللون الواحد عاشت مكسورة وستبقى كذلك إن هي لم تدرك حقيقة المتناقضات وتكتسب مهارة التعامل معها. تبدأ قصة الخلل في النفس العربية بالوالدين المبرمجين على اللون الأبيض، إذ يبدأون بتلقين أولادهم اللون الأبيض ويربونهم على أنه لا يوجد إلا هذا اللون، وفي سبيل ذلك هم على إستعداد لإستخدام القوة والقمع الفكري والنفسي والجسدي، فينشأ عن ذلك أولاد بنفسيات ضعيفة وشخصيات مشوشة وفكر مذبذب. هذة الشخصيات الهشة لا تستطيع تقبل التناقضات في الحياة ولا تجيد إدارتها ولم تسمح لها أن تكون. يدخل الأولاد في صراع مرير مع أنفسهم ومع والديهم والمحيطين بهم ومع كل من يقابلهم.

    ثم تستمر سلسلة المعاناة من جيل إلى الآخر. الكل ينكر المتناقضات وهذا يؤدي إلى صراع الأجيال وإنتشار النفاق الإجتماعي لأن الكل مبرمج على عدم الإعتراف بالمتناقضات أو التعامل معها. هذة الثقافة تنتقل لأماكن العمل التي تشكل العصب الرئيسي للدولة وبهذا تبنى دول هشة ثقافيا وغير قادرة على إدارة أزماتها بنجاح لأن القائمين عليها من موظفين وكوادر عمل لا يتمتعون بنفسيات متوازنة وهذا ينعكس على القوانين والإجراءآت والتخطيط الإستراتيجي المستقبلي، فقوة الدولة أو المجتمع من القوة النفسية لأفراده. قدرتك على إدارة المتناقضات في الحياة والإعتراف بوجودها لن يجعلك تعيش حياة متوازنة وحسب وإنما سيجعلك مواطنا صالحا وقادرا على خدمة وطنك ومجتمعك بشكل أفضل.

    إن كنت جادًا في تغيير هذا الواقع أن تبدأ بتحسين قدرتك على التقبل وتصحيح مشاعرك نحو الآخرين وكل الإشياء التي تزعجك، وتتعلم كيف تصبح مطيعا دون أن تفقد شخصيتك وأن تدافع عن نفسك دون أن تعتدي على حقوق الآخرين، وأن تعيش قيمك ومبادئك دون أن تمنع الآخرين من أن يعيشون حياتهم كما يريدونها. عليك أن تصحح مشاعرك نحو كل الأشياء والأشخاص والمواقف التي تثير إستيائك، وفي نفس الوقت تستمر على تحقيق ما تريده أنت. هكذا أنت تناور متناقضات الحياة لتحقق أسطورتك.

    رأيك مهم، شارك بفكرة تثري تجربة الآخرين