إليك آخر قطعة في أحجية النجاح والتي يجب أن تكون أول قطعة تتعرف عليها قبل أن تفكر في النجاح في الحياة وهي الرحمة. فالرحمة ما هي إلا الوهم الذي يبرر به الإنسان تنازله عن نفسه وعن حقوقه ويؤدي لاحقا إلى تدني قيمة الإنسان في عيني نفسه. لو نظرنا إلى الحياة وقوانينها كيف تعمل فلن نجد فيها ما يفيد الرحمة عندما يخترق البشر القوانين، بل على العكس هي صارمة جدا ولا تسمح بما يعارض تلك القوانين. فمثلا قانون الجاذبية، يعمل على الجميع بلا إستثناء. عندما يرمي طفل فقير معاق تم تعذيبه بقسوة نفسه من مبنى شاهق فإن القوانين الكونية لن تكون رحيمة به. سوف يسقط ويتحطم ويموت.
الدنيا لن تقول هذا طفل مسكين يجب أن أتركه يعيش هذة المرة فقط. نفس الأمر ينطبق على أي إنسان بغض النظر عن أصله أو ذكائه أو جنسه أو حالته المادية. القانون ثابت بالنسبة له. كذلك القوانين البشرية لم تستثني إنسان يتعدى حدود القانون وبغض النظر عن مدى إلتزام السلطات أو تهاونها في تطبيق القانون إلا أن القانون بشكل عام يسري على الجميع وربما سبب تخلف الأمم هو عدم إلتزامها بقوانينها على الجميع إما بسبب الواسطة أو المحسوبية أو الفساد وهي في ذلك تقع تحت طائلة القانون الإلهي الذي لا يرحم ففي النهاية تزول تلك الأم وتتلاشى وكأنها لم تكن.
إن كانت الرحمة بهذا السوء فلماذا الله رحيم؟ هذا سؤال لطالما حير الناس على مر العصور. هل الله رحيم أم أنه غير رحيم؟ الجواب على هذا السؤال يكمن في القوانين التي وضعها الله في الكون. فكل قوانين الله لا يمكن إختراقها وهي يوميا تودي بحياة أشخاص عاديين لم يرتكبوا أي جرم إلا أنهم تواجدوا في المكان الخطأ في الوقت الخطأ أو لم ينصاعوا للقوانين كقانون الجاذبية أو الكهرباء أو الضغط الجوي على سبيل المثال. في الواقع أن رحمة الله تكمن في خلق تلك القوانين لتنظيم حياة الناس فإتباعها رحمة وتركها عذاب. إذا فرحمة الله تكمن في تطبيقه لقوانينه العادلة على الجميع بلا إستثناء.
أين المشكلة؟ المشكلة هي عندما نقوم نحن بإختراق القوانين التي وضعها الله لنا أو وضعناها نحن كأسس للتعامل مع الآخرين بدواعي الرحمة والتراحم. هنا يبدأ الإنسان بالخسارة. يخسر وقت ومال وجهد وصحة وأعصاب. هذة المشكلة يعاني منها كل من يدعي أنه رحيم فيقوم بإختراق وكسر قوانينه الشخصية من أجل الآخرين. عندما يجعل حاجاتهم قبل حاجاته، عندما يتنازل عن حقوقه طوعا من أجل مساعدة الآخرين الذين يعتقد هو بينه وبين نفسه أنهم بحاجة للدعم والمساعدة لأنهم ضعفاء. يغيب عنه أنهم ضعفاء لأنهم لا يريدون الإلتزام بالقوانين الكونية التي خلقها الله ولذلك كل من يحاول تحطيم قوانين الله بدافع الرحمة عن طريق مساعدة من لم يساعدوا أنفسهم يخسر ويخسر كثيرا.
حاول أن تتذكر، كم عدد الأشخاص الذين تنازلت عن حقوقك لهم بدافع الرحمة. ماذا جنيت؟ لا شيء. هل تغير وضعهم؟ لا طبعا.
إذا ما هي الرحمة؟ الرحمة هي أن تسمح للآخر أن يشق طريقه بوقوده الذاتي دون أن تعترض طريقه. أن تتفهمه وتتفهم مرحلته دون أن تحكم عليه حكما قاسيا. أن تسانده في إختياراته حتى يتعلم كيف يعتمد على نفسه وأن تبلغ بك الرحمة درجة تجعلك تعرف أن مصلحته الكبرى في أن يشق طريقه بنفسه. عندما تقوم أنت بعمله بالنيابة عنه فأنت لا ترحمه وإنما تعوده على الكسل ونتيجة هذا الفعل سيئة جدا عليه. إذا أردت أن ترحم إنسان فإسمح له أن يتعلم الطريقة الصحيحة للحصول على الأشياء وإلا فأنت تضره أكثر مما تنفعه وفي النهاية تضر نفسك أكثر.