الرهبانية أقل ما يقال عنها أنها جريمة وذلك أنها تقوم بتعطيل خواص الإنسان وتحوله إلى مخلوق مختلف تماما عن القصد من خلقه. عندما نتحدث عن الرهبانية فإننا نتحدث عن الرهبانية في جميع الأديان بلا إستثناء فهي ليست مقتصرة على دين دون الآخر، وأيضا نعني بها كل سلوك يشبهها وإن كان غير تابع لدين معين. إذا نحن نتحدث عن التحول في السلوك وليس الدين. السلوك الذي يبدل الغرض من وجود الإنسان على كوكب الأرض، فيحوله إلى بطارية قابلة للشحن دون أن يكون هناك تفريغ موازٍ للتخلص من الطاقة الزائدة بشكل سليم.
عندما خلق الله الإنسان، صممه بحيث يعمل ويتحرك بإستمرار وأن يمارس الحياة بشكل طبيعي جدا. ولذلك جعل فيه غرائز فطرية تساعده على القيام بالأعمال المختلفة بطريقة فيها متعة وتسلية حتى لا يسأم العمل. ومن تلك الغرائز أن الإنسان لا يعمل ولا يتقن إلا ما يحب. هذا بدوره يجعله يشعر بالسعادة وهذة السعادة تتجرم على شكل حركات جسدية واضحة كسرعة الحركة، التمايل طربا، الرقص، الضحك، النشاط العام والشعور بالإنطلاق ورغبة في بذل المزيد من الجهد. هذا هو الطبيعي وهذا ما يجده كل إنسان في نفسه حتى دون تعليم. نحن نولد بتلك الصفات ولا نحتاج لأي كان أن يخبرنا كيف نطرب أو كيف نعبر عن فرحتنا بالنجاح في الأعمال.
ما تفعله الرهبانية هو عكس ذلك تماما، إذ يقلل الإنسان من حركته ويمثل الوقار الزائف ويمتنع عن الفرح والطرب والرقص والغناء، فيكبت الطاقة التي كان من المفروض أن يستهلكها طبيعيا في الحركة والرقص والفرح بشكل عام. هذة الطاقة المكبوتة، لاحقا تتحول إلى تكتل طاقي في جسد الإنسان فتعكر عليه مزاجه وتجعله قابلا للإنفجار في أي لحظة. الإنسان إكتشف هذة الميزة منذ آلاف السنين وحولها إلى طاقة للهدم. قام كبار الرهبان على مر العصور وبإختلاف الأديان بالترويج لفكرة الرهبانية والوقار من أجل حجز طاقة الرجال ومن ثم توجيهها نحو الحروب وإحتلال البلاد المجاورة والقبائل القريبة. فلا عجب أن نرى كل الأديان تقريبا تحرم على أتباعها الرقص والغناء والإحتفال والتعبير عن الفرح، وإستبدالها بطقوس رهبانية قائمة على الهدوء والتبتل والسكون. هذة العملية كفيلة بتكوين فائض طاقة متزايد مع مرور الوقت ولا يمكن تفرغ الطاقة إلا من خلال خوض الحروب.
لو أخذنا مثالا واضحا كيف تعمل الرهبانية فسنلاحظ أن أكثر الفلسفات الدينية إنغماسا في هذا الأمر هي البوذية. فالراهب البوذي يدخل في عملية تطهر روحي وتهذيب للنفس تشحنه بالطاقة بشكل عجيب ومتفوق على أي فكر ديني آخر ومن ثم يتم تحويل ذلك التهذيب النفسي إلى حركات قتالية عنيفة جدا ومتقنة بشكل لا يصدّق. ليس أمام الراهب البوذي إلا تعلم تلك الحركات القاتلة وإلا فلن يجد طريقة أخرى لتفريغ الطاقة المجتمعة في جسده إن لم يعمل ويتصرف بعفوية كبقية البشر.
هذا الأمر أيضا يفسر لنا لماذا يميل المتشددون الإسلامييون إلى القتال ولماذا يحملون رغبة قوية لقتل الآخر. إنها الطاقة الزائدة عن الحد المتوفرة عن الأنشطة التي لم يمارسها المتشدد. فهو في الظروف العادية لا يستهلك طاقته لا في الغناء ولا الطرب والفرح ولا الرقص ولا أي حركات أخرى. يتحرك في هدوء، يصلي، يصمت، يعتزل الناس. فهو يشحن ولا يفرغ لأن كل شيء من المفروض أن يفرغ طاقته فيه محرم عليه. عندما تسنح له الفرصة لتفريغ تلك الطاقة بطريقة مشروعة، يتحول إلى مقاتل شرس ليس نصرة للحق كما يزعم ولكن تعويضا عن الكبت وتفريغا للطاقة الزائدة.
ماذا لو لم يكن هناك قتال؟ هذة ليست مشكلة كبيرة إذ يتحول المتشدد إلى النفاق الإجتماعي، ولذلك نراه يعمل في السر ما لا يعمله في العلن. يمشي بوقار بين الناس ويغض بصره ويفرغ شحنته في بيته غضبا وعنفا على أولاده وزوجته، أو يصاب بجنون تعدد الزوجات، أو الخيانة الزوجية، أو يصاب بأمراض نفسية تجعله ناقما على البشرية. الطاقة يجب أن يتم تفريغها بطريقة أو أخرى.
لذلك على الإنسان أن ينتبه لسلوكه. فقد لا يكون راهبا ولا متشددا ولكنه يميل إلى نفس السلوكيات، كأن يتظاهر بالوقار طوال الوقت ويعتزل الناس، ويرفض أن يشارك الناس الفرح والإحتفال والضحك والحركة. هو في النهاية سيصل إلى نفس النتيجة التي يصل إليها الراهب أو المتشدد وهي إحتباس الطاقة وهذا ما قد يسبب له الكثير من المعاناة والضغط النفسي فيتحول إلى إنسان ناقم على المجتمع أو عنيف مع المحيطين به أو قد يلجأ إلى تفريغ الطاقة الزائدة بطريقة سرية. أي سيتحول إلى منافق، يظهر شيء ويبطن شيء آخر.
عش كإنسان طبيعي ومارس أعمالك التي تحبها وحين تنتهي وتستريح إستمتع بالحياة ولا تمنع نفسك من الإمتزاج بالناس والتعبير عن فرحك أمام الجميع. هكذا أفضل من النفاق. وإن عاب عليك أحدهم تصرفاتك فإعلم أنه منافق يعيب عليك في العلن ما يقوم به هو في السر.