عندما نتحدث عن التقبل في دروس الوعي فإن الأمر يختلط على الكثيرين. يعتقدون أن التقبل هو القبول بكل شيء، والأمر ليس كذلك. نحن لسنا مطالبين بقبول كل شيء وليس من المنطقي أن نقبل بالأشياء والأشخاص والأحداث على عواهنها وكأن لا يد لنا فيها. القبول بالظلم والإهانة وسلب الحقوق سيجعل الوضع أسوأ لمن يقبل على نفسه بتلك الأمور وقد تؤدي إلى تحطيم نفسيته تماما وتفقده القدرة على الرد أو التجاوب مع الأحداث. كأشخاص واعين نحن قطعنا شوطا كبيرا في تهذيب طباعنا وتدربنا جيدا على التحكم في سلوكنا، فلا نفعل إلا ما يعجبنا ولا نتحدث إلا لمن نرتاح له ولا نستمر في موقف لا يخدم مصالحنا، فكيف ينادي كل مدربي الوعي بالقبول والتقبل؟
يجب أن نعلم أن القبول والتقبل هما من سمات القوة ولا يقوم بهما إلا الأقوياء المتمكنون من حياتهم. لكن ماذا عن الضعفاء؟ حسناً الضعفاء أيضا يستطيعون ممارسة القبول والتقبل ليصبحوا أقوياء. أعلم أن الأمر محير ويبدو غير منطقي ولكن إمنحني فرصة لأشرح لك الفرق بين الحالين. القبول والتقبل والقوة والضعف.
سأتحدث عن التقبل لأنه المحور الأساسي. نحن كبشر سواء كنا أقوياء أو ضعفاء لا بد أن تمر بنا مواقف غير مواتية وظروف خارج إرادتنا ونضطر للتعامل مع أشخاص قد لا يكونون ودودين. هنا يأتي دور التقبل ليحل المعضلة. نحن نتقبل كل ذلك كحقيقة واقعة بدون تذمر وذلك لنتمكن من التعامل مع الموقف. لا يمكنك التعامل مع شخص وإكتشاف حقيقته وأفضل طريقة لمناورة المواقف معه وأنت لم تفهم تماما دوافعه أو الخلفية التي ينطلق منها. عندما نتقبل وجوده في عالمنا فهذا يخفف الضغط علينا ويمنحنا فرصة جيدة لفهمه تماما ومن ثم إختيار أفضل أسلوب للرد عليه إما بتحسين الموقف أو التجاهل أو حتى إستخدام الشدة. فالتقبل هو فهم الموقف فهما عميقا لا يترك مجالا للشك أو التخمين. بإختصار نحن نتقبل أن نكون في ذلك الموقف الغير مواتي من أجل أن نتعلم ونستنبط أفضل طريقة للتعامل.
القبول على الجانب الآخر يمثل القرار الناتج عن التقبل. بعد أن تقبلنا الموقف أو الشخص إكتشفنا حقيقته فإن كان الموقف ضمن قدراتنا فإننا حينها نقرر هل نستمر أو لا نستمر، نوافق أو لا نوافق. أما إن كنا في حالة ضعف فإننا لا نستطيع أن نعترض ولكن نستطيع أن نقرر التعامل بأسلم طريقة حتى يتبدل الوضع. إذا بالنسبة للضعيف القبول هو شراء وقت مع عقد النية للتغيير أو التفوق في أقرب فرصة أما بالنسبة للقوي فهي المهلة التي يمنحها للطرف الآخر للتراجع أو للموقف أن يتحسن من تلقاء نفسه.
الحياة تتقدم ليس بالذين يقبلون بالأوضاع كما هي ولكن بالغير راضين عنها. في حالة القبول والتقبل على سبيل المثال، نحن نقبل ونتقبل الأوضاع الصعبة ولكن هذا لا يعني بأننا راضون عنها. هي لا تعجبنا ولا تمثلنا ولا نريدها أن تستمر ولكن الحكمة التي إكتسبناها من الوعي تخبرنا أن نمنح أنفسنا فرصة للفهم دون تلويث المواقف المختلفة بمشاعر الإعتراض. إذا القبول والتقبل يشبه خلق بيئة نظيفة في أنفسنا لرؤية الحقيقة كما هي لنتمكن من الحكم عليها بتجرد تام. ليس مطلوبا منك أن تقبل بكل شيء ولكن المطلوب فعلا هو أن تفهم فهما عميقا ما يحدث قبل أن تتخذ القرار النهائي بالإستمرار أو التغيير.