المجتمعات العربية تختلف اختلافا كبيرا في مكوناتها وظروفها والتحديات التي تواجهها وليس من المنطقي أو المجدي تعريف المجتمع بأنه عربي ليتم تحميله فوق ما يحتمل من أفكار ومعتقدات تتبعها احكام في الغالب مجحفة ولا تعكس الحقيقة ابدا.
على هذا الأساس لا يجب ان نتعامل مع المجتمعات العربية الأخرى وكأنها مجتمعات تابعة لقيمنا ثقافيا أو حتى تاريخيا لأنها في الواقع مجتمعات مختلفة كل الإختلاف ولا يوجد رابط سوى رابط اللغة العربية وإن كانت بلهجات ولكنات مختلفة وربما شيئا بسيطا من الأحكام الدينية التي يفسرها كل على هواء بدرجة او أخرى. هذا خطأ كبير يقع فيه أكثر الناس ثم يكتشفون الحقيقة المرة وهي أنهم يتعاملون مع مجتمع يحمل قيما مختلفة بل وفي بعض الأحيان معاكسة او حتى معادية.
تختلف الأولويات وهذا يعني اختلاف الأهداف والأحكام. لا يجب أن تحكم على تجربة شعب آخر من واقع تجربتك الشخصية أو تجربتك الثقافية في مجتمعك لأن المجتمعات تمر بمراحل مختلفة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وهذا يجعلها تتشكل بطرق غريبة على المجتمعات الأخرى مهما كانت قريبة منها.
لنأخذ على سبيل المثال مبدأ بسيط كالحرية الشخصية. ماذا يعني هذا لكل مجتمع؟ سنجد بأنه يعني أشياء مختلفة وما تعتقد أنه حرية شخصية بالنسبة لمجتمعك قد يكون ضرورة لمجتمع آخر. أنت قد تمارس الحرية كنوع من الإرث المكتسب طبيعيا لتطور مجتمعك لكن هناك مجتمعات تحتاج لأن تعبر عن الحرية بقوة ووضوح لأنها حديثة عهد بها. كذلك لو نظرنا للجانب الإقتصادي فأنت في مجتمعك قد ترى شراء سيارة فارهة أمر عادي جدا لكن بالنسبة لمجتمع آخر هي تعبير عن الإنتقال من مرحلة الحاجة الى مرحلة الوفرة، وهكذا بالنسبة لكل القيم الأخرى. ما يمارسه مجتمع كأمر طبيعي قد يمارسه مجتمع آخر بفعل مرحلة تحول في المفاهيم تمليها عليه الظروف المستجدة.
بما أن المجتمعات مختلفة وتمر بمراحل متباينة يصبح من الخطأ اطلاق الأحكام عليها بشكل عشوائي مستمد من تجربتنا الإجتماعية الخاصة. لا يوجد شيئ اسمه هذا عربي وهذا مسلم او مسيحي أو هذا من هذا البلد الغني بالنفط وذاك من بلد الخضرة والجمال ونحن جميعا عرب ننتمي إلى نفس الثقافة.
هل هذا يعني عدم وجود قواسم مشتركة؟ لا طبعا لأن هناك الكثير ولكنها تحمل الطابع الشخصي. حكمنا يصدر على الأشخاص لا على الثقافات عندما نحتاج للتعامل معهم سواء كصداقة أو زواج أو اعمال او اي نشاط إنساني آخر. ستتعامل دائما مع الأفراد وتدير علاقتك ضمن خصوصية الفرد. ففي المجتمع الكريم قد تقابل البخيل والعكس صحيح. وفي المجتمع المرفه قد تقابل الشقي المعذب وفي المجتمع المحافظ قد تقابل المنفتح. في جميع الأحوال لا يجب أن تتعامل مع العربي بطريقة مختلفة عن شخص من البرتغال مثلا.. قد يغيب حاجز اللغة وتتشابه بعض السلوكيات لكن الأمر يقف عند هذا الحد.
عليك أن تختبر كل انسان تقابله في حياتك وكأنه انسان لا تربطك به اي ثقافة مشتركة وبالتالي هذا لا يجعلك حكما مثاليا على ثقافات الشعوب الأخرى فقط لأنها عربية لأنك بكل بساطة تنطلق من اولويات مختلفة. هل تعرف ما هو شعور من وقع تحت الإحتلال؟ هل تعرف ثقافة من عاش في بلد بلا قانون؟ هل يمكنك أن تشعر بشعور شعب تعرض للاضطهاد الديني؟ هل تعرف شعور شعب عاش لثلاثين عام تحت حاكم ظالم؟ كل هؤلاء لهم حاجات مختلفة من نفس العمل. هو عمل واحد لكن معانيه تختلف من ثقافة الى الأخرى اختلافا كبيرا.
ما قد يعني لك رفاهية قد يعني لآخرين ضرورة.