يقضي معظم الناس حياتهم في البناء والهدم دون توقف. كل يوم نشاهد أشخاص رائعين يهدمون بنيانهم بأيديهم دون أن يشعرون. لا يملكون من الصبر والحكمة لتدبر كيف يسير هذا الكون وكيف يتم خلق وتجلي الأهداف. يظنون أن الحياة مصممة من أجلهم فقط.
قمة الأنانية أن تعتقد أنك الوحيد في هذا العالم وأن رغباتك وما تتمناه لنفسك هو ما يجب أن يكون، فإن لم تجري الأحداث كما تريدها تفقد الأمل وتتحطم معنوياتك. عندما خلق الله البشر جعلهم ضمن منظومة أكبر منهم بكثير وتجلي أهداف أي إنسان يجب أن يتناغم مع مكونات كثيرة قد لا يكون البشر هم المؤثرين فيها لوحدهم.
تريد أن تصبح ناجحا أو غنيا ومعافى من الأمراض ولكن هل هذا في مصلحة بقية المخلوقات من بشر وحجر وحيوان ونبات؟ بكل تأكيد أنانيتك هي ما يتحكم فيك. لم تفكر في كل هذا وإنما نظرت إلى نفسك أنت فقط وعندما لم تحدث الأشياء كما توقعتها جزعت وإنزعجت وخنت إيمانك.
كم مرة خنت إيمانك؟ مرات ومرات دون توقف. قد يكون عملك الأكبر هو خيانة إيمانك بذاتك وبأهدافك وبالآخرين وبشركائك في الإنسانية وشركائك في الحياة. تتخذ قرارا ثم تتنازل عنه، تؤمن أنك ناجح ثم تنهار أمام أول إختبار، تنزعج في الظروف الغير مواتية، تنسحب من المواجهة لأنك لا تملك من الإيمان بنفسك وبقدراتك ما يكفي لمناورة مواجهات الحياة. حياتك كلها هروب في هروب، ثم تعترض «لماذا نتائج حياتي مذبذبة؟»
إقرأ هذة الآية وإفهمها: وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا
دعني أشرح لك كيف يسير الكون؟
الله خلق الكون على شكل نسيج. كل شيء في الحياة يتم نسجه في الخفاء. عندما تتخذ قرارا فأنت تصد أمر لمصنع الكون أن ينسج لك ما تريد. هذا النسيج سيستمر في التكون بناء على أحداث مختلفة أنت لا تعلمها. سيحاول الكون توفير الخيوط بالألوان والكميات المناسبة لنسج طلبك. هو سيراعي الأغنياء والفقراء والأقوياء والضعفاء وسيراعي النبات والجماد والماء والهواء وسيحاول أن يوالف بين نسيجك ونسيج الآخرين لأنك بالنسبة لمصنع الكون مجرد جزء من الرداء الأكبر للمخلوقات.
هذة العملية المعقدة أنت لست مسؤلا عنها. كل المطلوب منك هو أن تصبر في هدوء وتحافظ على إيمانك وتستمر في خدمة أغراضك وحاجاتك الظاهرة. فقط ركز على التقدم في حياتك وعندما يكتمل النسيج سيتجلى في واقعك في أبهى صورة.
ماذا لو كان نسيجك الذي طلبته لا يخدم مصلحة البشرية؟ لن يحدث شيء. ستبقى تنتظر إلى ما لا نهاية وهكذا يفعل أكثر الناس، يطلبون النسيج الخاطىء فإذا سئموا الإنتظار كذبوا كذبة على الله وقالوا أنه يؤخرهم ليعطيهم يوم القيامة.
ما هذا الغباء؟ طلبك في الدنيا تحصل عليه في الدنيا. لو ذهبت للخباز تشتري منه الخبز هل تقبل أن يقول لك «سأعطيك إياه في الآخرة» الله أولى أن يسد حاجاتك في الدنيا قبل الآخرة، فهو يدعمك في الدنيا الآن ودائما، لكن قد تكون طلباتك لا عقلانية.
هنا ستقع في مشكلة أخرى وهي كيف أعرف أن ما أطلبه صحيح؟ أنظر للنتائج دائما. إن رأيت أن كل ما تقوم به وتعتقد أنه صحيح لا ينتج النتائج التي تتمناها فإعلم أن الخلل فيك وفي طريقة تفكيرك وفي معتقداتك وتصوراتك عن الحياة. هناك قوانين كثيرة تحكم هذا العالم فإما أن تعرفها أو ستبقى تعاني. الكون نفسه قد صممه الله ليوصلك للنجاح لكن هذا يعتمد عليك أنت وعلى إختياراتك.
هذة دعوة لك للتفكر والدخول في عالم الوعي لتكتشف القوانين التي تحكم هذا العالم الذي تعيش فيه منذ عقود. إفهم تسلم وإلا إستمر في المعاناة إلى يوم يبعثون. تبني وتهدم ثم تبني وتهدم بلا كلل أو ملل.