كل من لديه أبناء يشطح به خياله ليرسم لهم مستقبلهم .. نعم هي حقيقة أننا نتجاوز ونسمح لأنفسنا بين فترة وأخرى أن نرسم لهم ذلك المستقبل الزاهر من منظورنا والمبني على نظرة المجتمع ومقياس أفراده للنجاح والذي يكاد يُحصَر بالطب أو الهندسة ! ومع الوقت قد نكسر نفسنا قليلاً ونقول لا بأس بتخصّص أقل من هذا شرط أن يكون مدعاة فخرٍ لنا أمام الناس، ويحفظ التقييم الأفضل لنا ولنجاحنا في تأهيل اولادنا وتحصيلهم العلمي وفقاً للمعاير المقدسة ليضعونا وأولادنا في خانة المثقفين .. الكادحين .. الاذكياء .. الذين اجتهدوا سنوات وسنوات في سبيل هذا التحصيل .. والذي قد يُشعِر الابن بعد سنوات من العمل بلا متعه بأنها سنوات ضاعت سدى في سبيل ارضاء الأهل او الناس .
سألت الكثيرين ولا زلت أسأل .. لو عاد بكم الزمن سنوات للوراء .. ماذا تغيرون ؟
وجدت نسبة كبيرة من الأجوبة تشترك في أغلبها بتغيير تخصص الدراسة او اختصار سنوات الدراسة بدخول المجال العملي.
" نعلم أن كل فترة نمر بها مهمة ولها فائدة وهدف .. ولكن لا بأس من بعض التساؤلات للتعرف على خبرة الغير وتعدد الخيارات "
فهناك الكثير ممن يجزمون أن توجههم الدراسي كان فاشلاً .. إما بسبب ضغط الأهل و برمجة المجتمع بضرورة دخول اي فرع لا يهم.. المهم شهادة جامعية!
أو بسبب عدم النضج الكافي في ذلك العمر إذ أن الخوف من التغيير يكون أقوى من الرغبة في التغيير ، لا سيما وأن ثقافتنا تبجّل الاستقرار و تذمّ التغيير لأن الغالبية تجد في الاستقرار والثبات في وظيفة حكومية او شركة خاصة براتب ثابت فيه راحة وامان والذي يتحقق بالحصول على شهادة جامعية، مفضّلين الابتعاد عن المغامرة والمخاطرة .
احاول جاهدة مع اقتراب ولدي من انهاء المرحلة الثانوية أن أتدارك أخطاء الماضي وأتعامل بوعي مع نفسي اولاً بتغيير برمجة دامت سنوات، وهو بالحقيقة يحتاج وقت وعزيمة وثقة بالله.
ومع ولدي ثانياً لأكون عوناً له في اول خطوات حياته وأجعلها محاطة بالحب، فبالحب وحده نصنع المعجزات .
لهذا اوجه هذا الكلام لنفسي قبل غيري ..
دعك من المجتمع واسمح لنفسك ولابنك أن تضعوا معايير للنجاح مختلفة عن معاييرهم الثابته منذ قرون .
لا تبرمج ولدك ان النجاح محصور بالطب او الهندسة ولا حتى بتلك الشهادة الجامعية، وسّع الخيارات أمامه و دعه يتعلم الكثير من المهارات .. دعه يقرأ..ويتصفح في مواقع النت.. دعه يتعلم اللغات .. دعه يشارك بالأعمال التطوعية .. دعه يجيد فن التواصل مع الآخرين .. دعه يخطئ ويتعلم من خطأه ليصبح أكثر خبرة وأكثر ثقة بالنفس .. افتح له الأبواب ونمّي فيه روح المبادرة وحب الاكتشاف ، مع الوقت سيصبح لديه فكرة شاملة عن الكثير في هذا العالم الممتع والواسع ، وستجده يختار طواعيةً المجال الذي سيبدع فيه، وسيكون لديه من الشجاعه القدر الكافي الذي يسمح له أن يتدارك الموقف اذا كان خياره غير صحيح.
هيئ نفسك كأب او أم لكل الاحتمالات واعرف ان دورك الحقيقي هو ان تدعمه وان يشعر دائما أنك سنده وملجأه مهما كانت خياراته. احترم رغباته وقدراته سواء دخل الجامعه او اختار دخول السوق سيكون ناجحاً بدعمك وحبك وثقتك به. وتذكر أن ما يُدرَّس في الجامعات هو نتاج أشخاص لم يلتحقوا بجامعات ، و أنّ واضِعي أسس كل هذه العلوم هم أناس تفرَّغوا لشغفهم وأبدعوا فيه.
وأخيراً لا أستطيع أن انهي دون ذكر فلسفة الصحابي عبد الرحمن ابن عوف رضي الله عنه " دلَّني على السوق " فلا يوجد على هذه البسيطة مَن بلغ الثراء من خلال وظيفة ثابته .. العالم متجدد متغير بسرعه تتوجب التوافق مع سرعته .. فلا تتشتت وتشتت ابناءك وحررهم من قيود المجتمع البالية ثم دع المقادير تجري بما يقدر لها الله.