قد نستغرب أو نندهش أو نعترض على ما يحدث. لماذا ترتفع مشاهدات فيديوهات ومقاطع الأشياء التافهة بالمقارنة بتلك المفيدة وذات القيمة الحقيقية؟ لا تحزن ولكن إعرف كيف يتصرف البشر؟
أنظر للصورة، عدد المشاهدات بعد ٦ أشهر هو قليلا أكثر من ٣٠٠٠ مشاهدة بينما هناك من يحصد هذا الرقم في دقائق معدودة. هذا لا علاقة له بالعرب وغير العرب كما قد يتخيل البعض ولكنه نتيجة طبيعية لغريزة البشر المغروسة فيهم، وهذا مجرد مثال من مجتمع يعتبر متقدما. نحن، أنا وأنت نولد بغريزة التعامل مع المواقف المختلفة بالتجاهل أو التسلية. كأطفال هذا السلوك لطالما ساعدنا في التعامل مع الحياة. الأب يزجر ويزمجر ولكننا نستمر في التعامل معه، نصاب بالكدمات أثناء اللعب لكننا نستمر في اللعب، يتم عقابنا بشدة فنبكي قليلا ثم نعود وكأن شيئا لم يحدث. تسعدنا الأشياء البسيطة ولا نحسب حساب المستقبل أو من أين نأكل أو كيف سنتصرف؟
هذة هي حياتنا كأطفال وهذة الغريزة ساعدتنا كثيرا في تخطي الصعاب من أجل البقاء. تخيل لو أن طفلا جادا جدا وعندما نهرته أمه قرر أنها لا تحترمه ولذلك يجب أن يتوقف عن التعامل معها حتى تستسلم وتغير معاملتها؟ هذا سيهدم العلاقة ولن تكون للأمومة معنى، إذ سترى الأم أنها تتعامل مع شخص بالغ يحاسبها ولا ينسى ولا ويتنازل، لكن ماذا لو أن هذا الطفل فرح بشيئ تافه كلعبة بلاستيكية؟ في هذة الحالة ستشعر الأم بالخفة وستعود لممارسة دورها وتقديم الرعاية وإغداق الحب على ذلك الطفل.
هذا الأمر خدمنا لفترة من الزمن لكنه أيضا بقي كسلوك أصيل طاغي على معظم تعاملاتنا إن لم يكن كلها. البشر بعد أن يكبرون يستمرون في المحافظة على نفس السلوك الذي خدمهم وهذا بدوره يؤدي إلى ميلهم للتسلية والتجاهل للتعامل مع ضغوطات الحياة. كل الذين تعتقد أنهم تافهون هم مجرد بشر يحاولون الهروب من واقعهم بالتجاهل والإنغماس في التسلية. عندما يتألمون فإنهم يتجهون للمزيد من التسلية والضحك واللعب.
هم على إستعداد لقضاء ساعات وساعات في مشاهدة أفلام ومقاطع خفيفة وأخبار مثيرة حتى لو كانت كاذبة، ولا ينفقون ساعة واحدة في متابعة مادة جادة ومفيدة. ليس ساعة وحسب وإنما عشر دقائق، حتى تلك الدقائق ترهقهم فيفقدون تركيزهم بسرعة ويعودون للتسلية والتجاهل.
ماذا يعني هذا بالنسبة لك؟
خذ نفس عميق وإهدأ وإفهم كيف تستغل هذا السلوك لصالحك. كشخص صاحب منتج أو خدمة عليك أن تعاملهم كالأطفال تماما. قدم التسلية والبهرجة (نعم هذا صعب) لتشد إنتباههم ومن بعدها حاول تقديم المنفعة لهم. أي تعامل معهم وكأنك تحاول إقناع طفل بتناول طعام صحي. هذا تعرفه الأمهات جيدا، فالأم تلعب وتغني وتمثل أصوات وتروي حكايات ليفتح طفلها فمه فتقوم بدفع الطعام فيه بسرعة قبل أن يكتشف الخدعة وهكذا مرارا وتكرارا حتى يشبع ويتغذى جيدا.
تخيل أن هذا هو نفسه ما تحتاج للقيام به مع البالغين. يجب أن تخدعهم وتتلاعب بهم لتقدم لهم الفائدة. طبعا لن تستطيع التلاعب بهم كثيرا ففي نهاية الأمر أنت تقدم شيئ ذا قيمة وليس كل شيئ قابل للتسلية والتلاعب، وهنا يأتي دور النصابين والمحتالين والمتلاعبين الحقيقيين. هؤلاء يستطيعون جذب الناس وشد إنتباههم والإستحواذ على عقولهم دون تقديم أي شيئ غير الخداع ويبدو أن هذا يعمل بشكل جيد مع أكثر الناس.
هل هذا يعني أن الأشياء القيمة لا معنى لها؟
لا طبعا، ولكن عدد المقبلين عليها أقل بكثير وهذا ما يحتاج منك للإنتباه. هذا العدد القليل ذا قيمة أعلى لأنه سيقود المجاميع. الأشخاص الجادين والذين يتحملون مسؤلية أنفسهم في النهاية يتحولون إلى قادة في مجتمعاتهم ويتمتعون بمزايا كثيرة كراحة البال وزوال المشاكل وتحقيق الرفاهية والإستقرار النفسي والعائلي، وعادة ما ينظرون لبقية المغيبين عن الوعي كجمهور ومستهلكين ليستخرجوا منهم قادة الجيل القادم وهكذا بلا توقف.
لتكسب في هذا الرهان عليك أن لا تحزن ولا تتجاهل أو تعتزل الناس، ولكن عليك أن تتمتع بسعة أفق ونظرة أعمق للمشكلة لتستفيد أنت وتفيد من يتعامل معك، فهذا هو الفرق بين الإنسان الجاد والمحتال. إخدعهم للوصول إلى قلوبهم ثم قدم لهم الفائدة، بينما المحتال سيخدعهم من أجل فائدته الشخصية فقط.
هكذا هم البشر فإما أن تقبل المهمة أو ستضمحل وتتلاشى ولن يشعر بك أحد.