ديموقراطية المصاحف

»  ديموقراطية المصاحف
شكرا لزيارتك! المحتوى متوفر بعد تسجيل الدخول
تسجيل جديد
مدة القراءة: 3 دقائق

هل سألت نفسك هذا السؤال؟ لماذا تتوفر نسخ المصحف (القرآن الكريم ) في كل مكان؟ ربما تعتقد أنه لتسهيل حياة الناس أو أحد ثمار الحضارة الحديثة أو قد تقع في الإعتقاد الأكثر شناعة وهو أنه نتيجة لكثرة المؤمنين. ستكون على خطأ. في السابق كانت الدين حكرا على رجال الدين والرهبان على إختلاف دياناتهم. كانوا يخفون الكتب على الناس ويخبرونهم فقط بما يظنون أنه يساعدهم ولم يخل الأمر من إستغلال للمعرفة الغائبة عن الناس. كان رجل الدين أو الكاهن هو الوحيد الذي يعرف خفايا التشريع وقضايا اللاهوت فكان يقول للناس ما يخدم أغراضه أو أغراض السلطان بشكل أدق.

لقد عاب القرآن على رهبان يهود هذا الأمر: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ ۗ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَىٰ نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ ۖ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا ۖ وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُوا أَنتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ

في الإسلام كان العكس إذ إنتشرت المصاحف في كل مكان وأرسل القراء يعلمون الناس دينهم في كل بقعة وصل إليها النفوذ الإسلامي، ولم يكن هناك رجال دين بالمعنى الذي نراه هذة الأيام أو ما سبقها من فترات الدولة الإسلامية التي تحولت إلى ملك وسلطان يفرض التفسير على الناس. في بدايات الدعوة كان الناس يتداولون القران مشافهة ومن خلال المصاحف على قلتها فكان الدين معروفا للجميع وفي الحالات القصوى هناك القضاة الذين يحكمون بين الناس في خلافاتهم.

مع مرور الوقت وكسل الناس عن القيام بدورهم برزت فئة تبلورت لاحقا فيما يعرف الآن برجال الدين ورغم أنهم ينفون هذا المنصب لكن الواضح أن هناك طبقة تعتبر نفسها وصية على الدين وهي الوحيدة القادرة على فهم النص القرآني وهي الوحيدة التي يحق لها تفسير آياته وأي محاولة للفهم أو التفسير من قبل بقية المسلمين تعتبر لاغية ولا قيمة لها. هذا جعل الدين للخاصة وأبعده عن عامة الناس وهم في أمس الحاجة إليه. فصار الوضع شبيها بما كان لدى اليهود. المصاحف في كل مكان ولكن التفسير تملكه قلة قليلة ممن يعتبرون رجال دين موثوقين، وبهذا عدنا لما حاربه الإسلام أساسا من إخفاء للعلم.

المفروض أن هذة المصاحف المنتشرة في كل مكان تشكل القاعدة المشتركة والمعترف بها من قبل الجميع وأن يحق لأي مسلم يملك مصحفا أن يتدبر الآيات ويناقش فيها ويطرح أفكاره حولها دون أن يعترضه رجال الدين أو يهددونه في أمنه أو يسفهون رأيه أو يعتدون على كرامته. فإنتشار المصاحف في كل مكان هو إنتشار للقانون الإسلامي الذي يحق لكل مسلم العودة إليه عند الحاجة وبه يحاج الآخرين. هذة عملية ديموقراطية متقدمة وفرها الإسلام للجميع ولكنها فقدت جوهرها عندما تحول المصحف إلى مجرد آيات تقرأ في الصلاة أو للشعور بالطمئنينة. لم يتم إستخدام المصاحف كما يجب كأداة رقابية تكفل للجميع معرفة دينهم وبما لديهم من نص مكتوب يتحدون سلطة المفسرين. كان هذا سيحدث ثورة فكرية عظيمة لو تم الأخذ به منذ البداية. للأسف ورغم إمتلاكنا لآلية التقدم فإننا عطلناها عندما إحتكرنا العمل بها على فئة قليلة من الناس.

على كثرة المصاحف وكثرة القراء وكثرة العقول التي تتدبر إلا أن التفسير السائد والمعتمد شرعا هو الذي أقره نفر قليل من المسلمين إعتقد الناس أنهم يمثلون ذروة الفكر الإسلامي. بهذا خسرنا أكثر مما إستفدنا من إنتشار المصاحف، فمازال منطق رهبان يهود الذين جعلوا الكتاب قراطيس يبدونها ويخفونها، هو السائد والمهيمن على الفكر الإسلامي. هكذا هو حال المسلمين، يملكون الأداة ولكنهم آخر من يستفيد منها.

  • أفضل منصة تداول
  • مقالاتي المفضلة

    • لم يعثر على أي تفضيلات
  • تعلّم الإنجليزية بسرعة

    تعلّم الإنجليزية بسرعة

  • شبكة أبرك للسلام - جميع الحقوق محفوظة
    Developed by WiderSite

    ديموقراطية المصاحف

    مدة القراءة: 3 دقائق

    هل سألت نفسك هذا السؤال؟ لماذا تتوفر نسخ المصحف (القرآن الكريم ) في كل مكان؟ ربما تعتقد أنه لتسهيل حياة الناس أو أحد ثمار الحضارة الحديثة أو قد تقع في الإعتقاد الأكثر شناعة وهو أنه نتيجة لكثرة المؤمنين. ستكون على خطأ. في السابق كانت الدين حكرا على رجال الدين والرهبان على إختلاف دياناتهم. كانوا يخفون الكتب على الناس ويخبرونهم فقط بما يظنون أنه يساعدهم ولم يخل الأمر من إستغلال للمعرفة الغائبة عن الناس. كان رجل الدين أو الكاهن هو الوحيد الذي يعرف خفايا التشريع وقضايا اللاهوت فكان يقول للناس ما يخدم أغراضه أو أغراض السلطان بشكل أدق.

    لقد عاب القرآن على رهبان يهود هذا الأمر: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ ۗ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَىٰ نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ ۖ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا ۖ وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُوا أَنتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ

    في الإسلام كان العكس إذ إنتشرت المصاحف في كل مكان وأرسل القراء يعلمون الناس دينهم في كل بقعة وصل إليها النفوذ الإسلامي، ولم يكن هناك رجال دين بالمعنى الذي نراه هذة الأيام أو ما سبقها من فترات الدولة الإسلامية التي تحولت إلى ملك وسلطان يفرض التفسير على الناس. في بدايات الدعوة كان الناس يتداولون القران مشافهة ومن خلال المصاحف على قلتها فكان الدين معروفا للجميع وفي الحالات القصوى هناك القضاة الذين يحكمون بين الناس في خلافاتهم.

    مع مرور الوقت وكسل الناس عن القيام بدورهم برزت فئة تبلورت لاحقا فيما يعرف الآن برجال الدين ورغم أنهم ينفون هذا المنصب لكن الواضح أن هناك طبقة تعتبر نفسها وصية على الدين وهي الوحيدة القادرة على فهم النص القرآني وهي الوحيدة التي يحق لها تفسير آياته وأي محاولة للفهم أو التفسير من قبل بقية المسلمين تعتبر لاغية ولا قيمة لها. هذا جعل الدين للخاصة وأبعده عن عامة الناس وهم في أمس الحاجة إليه. فصار الوضع شبيها بما كان لدى اليهود. المصاحف في كل مكان ولكن التفسير تملكه قلة قليلة ممن يعتبرون رجال دين موثوقين، وبهذا عدنا لما حاربه الإسلام أساسا من إخفاء للعلم.

    المفروض أن هذة المصاحف المنتشرة في كل مكان تشكل القاعدة المشتركة والمعترف بها من قبل الجميع وأن يحق لأي مسلم يملك مصحفا أن يتدبر الآيات ويناقش فيها ويطرح أفكاره حولها دون أن يعترضه رجال الدين أو يهددونه في أمنه أو يسفهون رأيه أو يعتدون على كرامته. فإنتشار المصاحف في كل مكان هو إنتشار للقانون الإسلامي الذي يحق لكل مسلم العودة إليه عند الحاجة وبه يحاج الآخرين. هذة عملية ديموقراطية متقدمة وفرها الإسلام للجميع ولكنها فقدت جوهرها عندما تحول المصحف إلى مجرد آيات تقرأ في الصلاة أو للشعور بالطمئنينة. لم يتم إستخدام المصاحف كما يجب كأداة رقابية تكفل للجميع معرفة دينهم وبما لديهم من نص مكتوب يتحدون سلطة المفسرين. كان هذا سيحدث ثورة فكرية عظيمة لو تم الأخذ به منذ البداية. للأسف ورغم إمتلاكنا لآلية التقدم فإننا عطلناها عندما إحتكرنا العمل بها على فئة قليلة من الناس.

    على كثرة المصاحف وكثرة القراء وكثرة العقول التي تتدبر إلا أن التفسير السائد والمعتمد شرعا هو الذي أقره نفر قليل من المسلمين إعتقد الناس أنهم يمثلون ذروة الفكر الإسلامي. بهذا خسرنا أكثر مما إستفدنا من إنتشار المصاحف، فمازال منطق رهبان يهود الذين جعلوا الكتاب قراطيس يبدونها ويخفونها، هو السائد والمهيمن على الفكر الإسلامي. هكذا هو حال المسلمين، يملكون الأداة ولكنهم آخر من يستفيد منها.

    رأيك مهم، شارك بفكرة تثري تجربة الآخرين