بعد انتهاء زمن القرابين البشرية التي تقدم للآلهة منذ زمن سيدنا ابراهيم حتى اللحظة و استبدالها بأمر الله عزوجل بالخراف و الاضاحي .. لم يجد الانسان بديلا مماثلا ً لهذه الحالة سوى مصادرة الحرية و سلبها من كل ذي عاقل . فإما باسم الدين أو باسم الولاية أو القوة أو الرعاية ..
فأصبح الفرد يقدم حرية قراره و رأيه و رغبته في ما يحب و يكره و كيف يريد أن يعيش مقابل أن يعيش آمنا غير ملاحق في حدود وطنه .
واصبح الإبن يقدم أيضا حريته ثمناً لبقائه تحت سقف بيته و والده الذي ينفق عليه والذي صادر حريه رأيه وفكره وقراره بالعيش وحتى بشريكة حياته ..
والفتاة تصادر حريتها مسبقا بكونها مخلوق غير مؤهل لا تخاذ قرارت خاصة بحياتها فالولي من يتخذ عنها كل القرارات او معظمها سواء كان أبا أو اما او عما أو زوجا او أخاً .. فلو تاملنا هذه الاحوال قليلاً .لوجدنا أنها قرابين بشرية من نوع خفي بدل من أن تقدم لله كي يرضى عن البشر تقدم للبشر كي ترضى عن البشر وتيسر أمورهم ..وهي حالة كما يبدو في الدم العربي الذي لم يفهم أن القرابين انهاها الله بكل وجوهها و أشكالها .. و هي أمر مباشر من الله لم يدرك عمقها بأن لا تقدم قرباناً لأحد مقابل حقوقك التي فرضها الله لك .فإذا كانت الأضحية قربانا لله عز وجل خالق الكون بديلا عن روح سيدنا اسماعيل عليه السلام ..فهذا يعني أن لا قربان يقدم لبشر يصادر فيه حقاُ من حقوقك ..
ولأن هذا الأمر مفروغا منه بالفهم ..فكانت مصادرة الحرية هي القربان الخفي الذي استخدمه الناس مع الناس طبعا نتحدث عن واقعنا العربي .
فلو جئت للواقع و تأملت العائلات الأكثر راحة و سعادة و اطلعت على طريقة عيشها لوجدت أن قيمة الحرية عندهم لم تصادر من قبل أحد ..و العائلات الأكثر تعاسة هي التي يسيطر فيها أحد الكبار قوة و مادة على افراد اسرته متحكما بالهواء الذي يتنفسونه و بالفكرة العايرة على أدمغة عائلته .
هذه القيمة " الحرية " التي لا يعرف عنها الكثيرون الا مفهوم مشوه من الفساد و الانحلال ..هي أعلى قيمة على الوجود الأنساني والتي أظهرها الله بشكل واضح و جلي بقصة سيدنا آدم الذي عبر عن حريته بقول لا و سماعه للشيطان و أكله من الشجرة المنهي عن الاقتراب منها ..فكانت ال لا هي دليل حرية القرار .. و لو تأملنا بأطفالنا الذين بدأوا بتعلم الكلام لوجدنا أن أول كلمة ينطقها هي لا ... أو بلغة الطفولة "ديش " يعني " ما بدي " فلم أجد طفلا قال نعم أبداً ..
فجاء علم النفس ليصنف الطفل بأنه عنيد بعد عمر السنتين .. هذا العنيد الذي يكسر إرادة والدته بما ترغبه هي و لا يرغبه هو بل و يرفضه بقوة .. و وضعوا خطوات للتعامل معه على أنها مشكلة في الطفل يجب الانتباه لها .. و هي في الحقيقة ما هي إلا فطرة خلقها الله ليقول لك أن الحرية هي أعلى قيمة على الوجود و لعلم الله الازلي بما خلق بتفرد كل شخص بخلقه و فكره و رغباته تفردا كاملاً لا يشبه غيره من البشر إلا بما هو مكتسب من البيئة و المجتمع وفرض عليه بعد أن زرعوا الخوف في قلبه ليصادر حريته و هو راضي مستسلم حفاظا على أمنه وقوته .
الطفل يدافع عن حريته بكل ما أوتي من قوة طفولية محدودة فلم يغذى بعد بالخوف والاستسلام . فسعي الوالدين لجعل أبنائهم مثلهم هي مصادرة لحرية التفرد الخلقي أولا الذي ميزه الله قبل مصادرة حرية قراره و فكره .... و ما يخالف الفطرة قطعاً سيجد الرفض البشري والكوني و الالهي في مابعد لا محالة .وهذا يظهر جلياً في حال أمة كاملة للأسف .. مقارنه مع الأمم الأخرى الحرة بكامل أفرادها ..
وبعد شرح الدكتور محمد شحرور لقصة سيدنا لوط الذي خسف الله قومه وكنا نعتقد ان الخسف حدث بسبب الفاحشة التي يمارسونها .." بالرغم من تساؤلاتنا اللامنتهية ب لماذا لا يخسف الله الاقوام الآن وهم يقومون بفاحشة مثلها بل بفواحش معلنة بكل وسائل التكنولوجيا الحديثة " حتى يظهر التفسير الحقيقي و هو رغبة قومه بالتفرد والاتحاد على سلوك واحد ومنع من يريد أن يتطهر من فاحشتهم ويخرجوه من أرضه ..فكان الخسف لمنع الحرية للأفراد بما يختارون من طريقة عيشهم الخاصة بهم ... لنفهم ونتاكد ان مقاومتنا الداخلية لنكون احرار في ما نختار ما هي الا حقيقة فرضها الله فينا وليست "وقاحة وقله ادب "..
لن نخاطب الدول والرؤساء في مفهوم الحرية فلهم طريقة إلهية تبلغهم رسالته .. أما من نعول عليه بالفهم هو الأم والأب ..
فإن كنتم أعزائي ممن صودرت حريتهم بإمكانكم صناعة ما حرمتم منه في أولادكم و بناء شخصيات قوية تعرف ما تريد بعيدا عن امركم مستنصحة بكم فقط في حال علمتموهم على اتخاذا القرار الحر .
ففي سن الطفولة اجعلوا ما تريدونه منهم في خيارات .. ليشعر أنه حر و يختار فلن يعاندكم وسيشعر بقيمته الداخلية .بل و وسعوا الخيارات حتى يصل لمرحلة يختار ما يريده و لو ليست من ضمن خياراتكم فانتم لستم هم ببساطة شديدة بل واستمتعوا و أبنائكم يكبرون و يختارون ليعبروا عن ابداع خلق الله في خلقه وتحمل مسؤولية خياراتهم وحياتهم .. و عندما يكبر لن يجد ثقلا على نفسه يريد أن ينتزعه بكل قوته فيذهب الى الإنحلال كتعبير عن حريته في الاختيار و هذا ما يحدث لأبنائنا في الوطن العربي .و عندما يكبر و يبتعد عن أهله يخالف قيمه التي تربى عليها فهي ما يملكه الآن منكم بعد ان فات ما فات من قرارات و خيارات بالنسبة له فيختار التخلي عن القيم ..و هو في الحقيقة يحارب كل ما فرض عليه من قرار يخصه في السابق من تعليم وأاصدقاء و أسلوب تعامل ووو كثير من الأمور التي نريدها في أطفالنا و هم لا يريدونها ..
كن واعياً أن الحرية هي أعلى قيمة إنسانية على الوجود و أن التعدد والاختلاف عنك وعن غيرك هو أمر الله على كونه و خلقه ولا يحق لك التفرد بقرار يخص غيرك او فرض فكر او طريقة حياه على غيرك فتفردك اعتداء على وحدانية الله في كونه .. فانظر
إن الله واحد .. والملل متعددة
إن الله واحد .. والألوان والأشكال متعددة
إن الله واحد .. واللغات واللهجات والثقافات والعادات والأفكار متعددة وبكل متعدد متعدد ..فلا تفرد إلا لله الواحد القهار لكل واحد بعده ..
كن من صناع الأحرار
عيشها صح
غادة حمد ..