الخوف ذلك الشبح المتمدد عبر سماء النفس البشرية مازال يعصف بالكثير من العلاقات ويهدم البيوت ويقضي على الحضارات. الإنسان إذا خاف من شيء صار عبدا مطيعا له بلا عقل أو إرادة حقيقية. فيعيد الإنسان تشكيل نفسه بما يتماشى وذلك الخوف، سواء كان الخوف غير ملموس من المجهول أو معنوي من الخسارة أو الفقدان أو من أشخاص معينين. النتيجة الطبيعية أن الخائف يبقى أسير مخاوفه ولا يستطيع التقدم في حياته ولا يقدم على عمل قبل أن يتأكد تماما أنه لن يتعارض أبدا مع مصدر خوفه مهما كان.
هذة الميزة برع فيها البشر على مر العصور حتى صارت ثقافة منتشرة في شعوب وحضارات كثيرة ومنها الحضارة العربية التي بنيت من أساسها على الخوف. فالخوف متجذر في النفس العربية وعليه تبنى القوانين والأعراف الإجتماعية المختلفة. يبدأ الخوف من البيت عادة والذي يروج له كبير الأسرة بين أولاده وبناته وزوجته أو زوجاته. يحاول رب الأسرة قمع كل الإعتراضات حتى قبل أن تبدأ منذ أول يوم يتزوج فيه. يقوم بقمع زوجته وأم عياله مستقبلا ويمارس عليها أعمال الخوف حتى تصبح مطيعة. حياتها التي هي إمتداد لما كانت تعيشه في بيت أبيها، تتحول إلى تهديد ووعيد. مهام كثيرة عليها أن تنجزها وإلا عرضت نفسها للإهانة والضرب والشتم والطرد والطلاق. تعيش المرأة حالة إهانة مستمرة سواء في بيت أبيها أو بيت زوجها، ولذلك هي لا تعرف إلا الخوف ولا تشعر إلا بالخوف ولا تتحرك إلا بسبب الخوف.
هذا الخوف هو ما تنقله إلى إنتاجها الجديد من البشر، فتعلّم أولادها وبناتها الخوف من أبوهم. ترسم له صورة مرعبة في خيالهم فيعيشون واقعهم في خوف ورهبة وقلق وتوتر وتتحطم نفسياتهم وتختل شخصياتهم ويصبحون مثلها، أتباع لأبيهم المرعب المخيف. هو على الجانب الآخر يعجبه الأمر ويستمر في تمثيل دور المرعب، بل ويصدق الخدعة أنه مخيف فعلا. عندما تبدأ شخصيات الأطفال بالظهور قليلا يصاب الأب بالذعر فيخاف على صورته أن تتحطم أمام أولاده فيلجأ للإسلوب الأكيد للسيطرة على الوضع وهو ممارسة الرعب بإظهار الغضب والعنف اللفظي أو الضرب والإعتداء الجسدي. هو الآن خائف على صورته ولا يعنيه حقا مصلحة أولاده وبناته. فقط صورته الذهنية عن نفسه.
الحرية خصوصا تهدد أسلوب حياة الكثير من الآباء والأمهات العرب. لا يستطيعون تصور أبناء أحرار لا يهابونهم. وعلى نفس الوتيرة تبنى الدول إذ لا يمكن للخائفين إلا إنتاج قوانين تقوم على ممارسة الخوف. نحن نتعلم الخوف في المساجد والمدارس والمصانع والشركات والإدارات الحكومية والذي هو إمتداد لمجموع مخاوف الشعب التي تعود عليها في البيت. هي مجموعة من المصابين بالخوف الذين إتفقوا على بناء دولة تدار بالطريقة المفضلة وهي الخوف. لذلك نلاحظ أن قوانينا تميل إلى المنع فكل شيء ممنوع أساسا حتى يتأكد النظام أنه لا خوف منه، وفي البيت كل شيء ممنوع حتى يتأكد الأب أو الأم أن العمل لن يؤدي إلى كشف شخصياتهم الخائفة.
هل هناك سبيل للخروج من دائرة الخوف؟ نعم بكل تأكيد. السلاح الأول في مواجهة الخوف هو إكتشاف الحقائق ومعرفة أصل الخوف وسبب إنتشاره، وهذا يتم بتثقيف الإنسان نفسه حول الخوف بالقراءة في هذا المجال حتى يستعد نفسيا لمواجهة مخاوفه هو. ثانيا مواجهة الأشخاص المخيفين وهذا يمكن بلوغه بسهولة عن طريق تقوية الشخصية. وفي هذا المجال يمكن الرجوع إلى كتب تقوية الشخصية والسيطرة على النفس. أيضا هناك تسجيل بعنوان الشخصية مفتاح الحل تجده على شبكة أبرك للسلام وسيساعدك كثيرا في مواجهة المخيفين المزعومين. الأمر الأخير هو الإستمرار في تحطيم كل المخاوف والتخلص من المشاعر السلبية التي تعتري الإنسان أثناء رحلته للتخلص من الخوف.
الخوف هو الوهم الذي يعيش به معظم البشر وعلاجه هو معرفة الحقيقة والتدرب على إمتلاك شخصيات أكثر ثباتا وتوازنا وإلا فإنه سيستمر في تحطيم الأشخاص والمجتمعات بلا رحمة.