ضعف الشخصية يبدأ من الطفولة

»  ضعف الشخصية يبدأ من الطفولة
مدة القراءة: 4 دقائق

يعاني الكثير من العرب من إختلالات نفسية عميقة تصنع شخصيات ضعيفة أو مهزوزة يمكن التلاعب بها بسهولة وترويضها للإنصياع مدى الحياة. يبقى الإنسان العربي يعاني من الضعف ونعدام الحيلة وغياب القدرة على علاج المشكلة حتى بعد أن يكبر ويصبح مستعدا لمواجهة الحياة ليكتشف أنه لا يقوى على التفرد بشخصيته أو قراره حتى في أبسط أموره الشخصية أو العائلية. يجد العربي نفسه منساقا بلا حول منه ولا قوة نحو تبعية أي فكرة منتشرة في المجتمع وحتى تلك التي يتفرد بها لا تكتمل متعته بها لأنه سيبقى مشغول البال بتداعياتها عليه مع إحساس متضخم بتأنيب الضمير والشعور بالذنب.

عزيزي القارىء، هل تشعر بأن هناك شيء يقيدك ولا تعلم ما هو؟ تجد نفسك متعلم ومثقف وتفهم الكثير من الأمور العلمية المعقدة لكن تجد صعوبة بالغة في التعبير عن رأيك وتجد حرجا في الإفصاح عن شخصيتك الحقيقة أو تفضيلاتك الشخصية؟ لماذا تشعر بأنك بحاجة دائمة للدفاع عن نفسك. هل تسائلت يوما لماذا أشعر بأنه يجب علي الدفاع عن آرائي ومواقفي؟ هذة بعض صور المعاناة التي قد تعيشها أنت والكثيرين غيرك دون وجود تفسير مفهوم لتلك المشاعر المثبطة. حسنا، الآن سأوضح لك الأمر أكثر لتتمكن من إستعادة حياتك بشكل كامل. الخلل ليس فيك وإنما في التربية والثقافة السائدة في العقلية العربية فهيا نرى ما يمكننا القيام به لتبديد هذا الخلل.

باي نتورك

تتمحور ثقافة العرب في التربية على محورين أساسيين لتنشئة الأبناء والسيطرة عليهم. فمعظم وعي العرب على سلّم هاوكينز للوعي يتراوح بين العار والفخر. هذة درجات متدنية جدا من الوعي ولذا من الطبيعي أن تتبع التربية هاذين الإسلوبين المؤثرين في تنشئة الأبناء.

التربية بتوجيه الإتهامات والإنتقادات

يتربى العربي منذ طفولته على تلقي الإتهامات من والديه. يتم إتهام الطفل بأشياء غير صحيحة من أجل حثه للقيام بعمل ما. ثقافة الوالدين متدنية بغض النظر عن مستوى تعليمهما الأكاديمي. الطفل طبيعيا يشعر بأنه يريد إرضاء والديه لأن هذا بالنسبة له مصدر جيد للحب. هو يحتاج الحب ولذلك لا يجرؤ على التخلي عنه مهما كان السبب حتى وإن كان السبب كاذبا من إختراع الوالدين أو أحدهما. الأمر يبدو مضحكا بالنسبة للوالدين أثناء الطفولة لأن الطفل يتفاعل بشكل جيد مع الإتهامات الباطلة واللا منطقية ومع قليلا من الصراخ يرتجف الولد أو يبدأ بفتح وإغلاق عينه بطريقة مضحكة أو يختبىء في فراشه. إلى هنا والأمر مضحك ومسلي ولكن يكتسب الطفل مع الأيام مشاعر الذنب ويبدأ بقليل من التأنيب من الوالدين بالنزول إلى مشاعر العار. يشعر بالعار من تصرفاته الطفولية الطبيعية ويبدأ بتقييم الأمور بناء على تلك المشاعر حتى تصبح جزء منه ومن شخصيته لاحقا.

التربية بتعزيز المقارنة

كثيرا ما يلجأ الآباء والأمهات من أجل تحدي أبنائهم إلى إظهار المفاضلة بينهم. فلان أفضل من فلان، وفلانة أجمل من أختها، ويوسف أذكى من عبدالله وهكذا يزرعون في أطفالهم التنافس على رضاهم إما بالمزيد من الخضوع أو بالظهور بمظهر أفضل من بقية الإخوة والأخوات. هذا يتم عن طريق تحطيم منجزات بقية الإخوة. يتنافس الأطفال فيما بينهم على التقليل من شأن أي عمل صحيح يقوم به أحد الأخوة أو الأخوات كي لا يصعد على حسابهم فيتم إتهامهم بالتقصير ويفقدون الحب والإهتمام.

النتيجة الطبيعية

النتيجة الطبيعية لمثل هذين المقايسين في التربية هي شخصية مهزوزة وثقافة عامة قائمة على الإتهامات والإنتقادات المتبادلة وأسلوب إدارة يعتمد على البحث عن الأخطاء والعقاب. كما يؤدي إلى إنتشار خصلة مذمومة جدا وهي التطاول على الناجحين والمنجزين لأن وجود الناجحين في المجتمع سيعني أن البقية فاشلون ولا يستحقون الإهتمام. هذا ما نراه في المجتمعات العربية بشكل عام. التوجيه لا يأتي عن طريق التشجيع وإكتشاف المواهب وإستخراج أفضل ما في الإنسان وإنما بإستخدام نظام الثواب والعقاب والتقريع والإتهامات والإنتقاد المتواصل من أجل تحريك الناس. هذا يحدث على المستوى الشخصي وعلى المستوى الرسمي. فحتى مؤسسات الدولة تستخدم أسلوب الإنتقاد والتهديد حتى في أتفه الأمور. النرجسية تعد أحد تداعيات هذة التربية، فهناك نسبة لا يستهان بها من العرب يعانون من النرجسية والنرجسية المفرطة. لا يملكون شيئا ولا يستطيعون الظهور إلا بالتفاخر وتحطيم الآخرين. صار العربي لا يمدح نفسه إلا بذم الآخرين. فذمهم والتقليل من شأنهم ومن أعمالهم تتم ترجمته إلى إنتصار وتفوق يحسب للنرجسي.

إعلم عزيزي القارىء أن الموضوع أكبر من هذا بكثير فهو متشعب جدا ولو تمعنت أكثر في الأمر فستجد مواقف كثيرة سببها هذين المقياسين في التربية. ستجد بأن هناك من ينتقدك ويعترض عليك ليجعلك تغير أفكارك أو سلوكك بينما كان يستطيع تشجيعك إلى تبني فكرته لكنه فضّل الطريق الأسهل. أيضا ستلاحظ أنه كلما قمت بعمل إعتقدت أنه جيد أو جميل ستجد أن هناك من يقلل من إنجازك أو يطالبك بأن تنجز شيء أكبر ليشعر أنك تستحق الثناء. هل هذا كل شيء؟ لا طبعا، ولكن أنظر إلى نفسك في كل مرة تتهم إنسان أو تنتقده وتقول أن قصدك هو منعه عن خطأ أو حثه لبذل المزيد من الجهد الإيجابي. لا تتوقف هنا وأنظر كم مرة شعرت بالسوء من إنجاز أحدهم أو نجاحه أو تقدمه في مجال ما أو حتى على أناقة لباسه. أضبط نفسك متلبسا بالجرم المشهود ليس من أجل أن تشعر بالذنب وتأنيب الضمير وإنما لتتخلص من هذة المشكلة التي إكتسبتها مجبرا ودون علمك. إجتهد قليلا للتخلص من هذا الإرث السيء لتبدأ رحلة الوعي والإرتقاء في الإنسانية. كل شيء تبذله من أجل نفسك يستحق العناء، لأنك تستحق.

 

  • أفضل منصة تداول
  • مقالاتي المفضلة

    • لم يعثر على أي تفضيلات
  • تعلّم الإنجليزية بسرعة

    تعلّم الإنجليزية بسرعة

  • شبكة أبرك للسلام - جميع الحقوق محفوظة
    Developed by WiderSite

    ضعف الشخصية يبدأ من الطفولة

    مدة القراءة: 4 دقائق

    يعاني الكثير من العرب من إختلالات نفسية عميقة تصنع شخصيات ضعيفة أو مهزوزة يمكن التلاعب بها بسهولة وترويضها للإنصياع مدى الحياة. يبقى الإنسان العربي يعاني من الضعف ونعدام الحيلة وغياب القدرة على علاج المشكلة حتى بعد أن يكبر ويصبح مستعدا لمواجهة الحياة ليكتشف أنه لا يقوى على التفرد بشخصيته أو قراره حتى في أبسط أموره الشخصية أو العائلية. يجد العربي نفسه منساقا بلا حول منه ولا قوة نحو تبعية أي فكرة منتشرة في المجتمع وحتى تلك التي يتفرد بها لا تكتمل متعته بها لأنه سيبقى مشغول البال بتداعياتها عليه مع إحساس متضخم بتأنيب الضمير والشعور بالذنب.

    عزيزي القارىء، هل تشعر بأن هناك شيء يقيدك ولا تعلم ما هو؟ تجد نفسك متعلم ومثقف وتفهم الكثير من الأمور العلمية المعقدة لكن تجد صعوبة بالغة في التعبير عن رأيك وتجد حرجا في الإفصاح عن شخصيتك الحقيقة أو تفضيلاتك الشخصية؟ لماذا تشعر بأنك بحاجة دائمة للدفاع عن نفسك. هل تسائلت يوما لماذا أشعر بأنه يجب علي الدفاع عن آرائي ومواقفي؟ هذة بعض صور المعاناة التي قد تعيشها أنت والكثيرين غيرك دون وجود تفسير مفهوم لتلك المشاعر المثبطة. حسنا، الآن سأوضح لك الأمر أكثر لتتمكن من إستعادة حياتك بشكل كامل. الخلل ليس فيك وإنما في التربية والثقافة السائدة في العقلية العربية فهيا نرى ما يمكننا القيام به لتبديد هذا الخلل.

    باي نتورك

    تتمحور ثقافة العرب في التربية على محورين أساسيين لتنشئة الأبناء والسيطرة عليهم. فمعظم وعي العرب على سلّم هاوكينز للوعي يتراوح بين العار والفخر. هذة درجات متدنية جدا من الوعي ولذا من الطبيعي أن تتبع التربية هاذين الإسلوبين المؤثرين في تنشئة الأبناء.

    التربية بتوجيه الإتهامات والإنتقادات

    يتربى العربي منذ طفولته على تلقي الإتهامات من والديه. يتم إتهام الطفل بأشياء غير صحيحة من أجل حثه للقيام بعمل ما. ثقافة الوالدين متدنية بغض النظر عن مستوى تعليمهما الأكاديمي. الطفل طبيعيا يشعر بأنه يريد إرضاء والديه لأن هذا بالنسبة له مصدر جيد للحب. هو يحتاج الحب ولذلك لا يجرؤ على التخلي عنه مهما كان السبب حتى وإن كان السبب كاذبا من إختراع الوالدين أو أحدهما. الأمر يبدو مضحكا بالنسبة للوالدين أثناء الطفولة لأن الطفل يتفاعل بشكل جيد مع الإتهامات الباطلة واللا منطقية ومع قليلا من الصراخ يرتجف الولد أو يبدأ بفتح وإغلاق عينه بطريقة مضحكة أو يختبىء في فراشه. إلى هنا والأمر مضحك ومسلي ولكن يكتسب الطفل مع الأيام مشاعر الذنب ويبدأ بقليل من التأنيب من الوالدين بالنزول إلى مشاعر العار. يشعر بالعار من تصرفاته الطفولية الطبيعية ويبدأ بتقييم الأمور بناء على تلك المشاعر حتى تصبح جزء منه ومن شخصيته لاحقا.

    التربية بتعزيز المقارنة

    كثيرا ما يلجأ الآباء والأمهات من أجل تحدي أبنائهم إلى إظهار المفاضلة بينهم. فلان أفضل من فلان، وفلانة أجمل من أختها، ويوسف أذكى من عبدالله وهكذا يزرعون في أطفالهم التنافس على رضاهم إما بالمزيد من الخضوع أو بالظهور بمظهر أفضل من بقية الإخوة والأخوات. هذا يتم عن طريق تحطيم منجزات بقية الإخوة. يتنافس الأطفال فيما بينهم على التقليل من شأن أي عمل صحيح يقوم به أحد الأخوة أو الأخوات كي لا يصعد على حسابهم فيتم إتهامهم بالتقصير ويفقدون الحب والإهتمام.

    النتيجة الطبيعية

    النتيجة الطبيعية لمثل هذين المقايسين في التربية هي شخصية مهزوزة وثقافة عامة قائمة على الإتهامات والإنتقادات المتبادلة وأسلوب إدارة يعتمد على البحث عن الأخطاء والعقاب. كما يؤدي إلى إنتشار خصلة مذمومة جدا وهي التطاول على الناجحين والمنجزين لأن وجود الناجحين في المجتمع سيعني أن البقية فاشلون ولا يستحقون الإهتمام. هذا ما نراه في المجتمعات العربية بشكل عام. التوجيه لا يأتي عن طريق التشجيع وإكتشاف المواهب وإستخراج أفضل ما في الإنسان وإنما بإستخدام نظام الثواب والعقاب والتقريع والإتهامات والإنتقاد المتواصل من أجل تحريك الناس. هذا يحدث على المستوى الشخصي وعلى المستوى الرسمي. فحتى مؤسسات الدولة تستخدم أسلوب الإنتقاد والتهديد حتى في أتفه الأمور. النرجسية تعد أحد تداعيات هذة التربية، فهناك نسبة لا يستهان بها من العرب يعانون من النرجسية والنرجسية المفرطة. لا يملكون شيئا ولا يستطيعون الظهور إلا بالتفاخر وتحطيم الآخرين. صار العربي لا يمدح نفسه إلا بذم الآخرين. فذمهم والتقليل من شأنهم ومن أعمالهم تتم ترجمته إلى إنتصار وتفوق يحسب للنرجسي.

    إعلم عزيزي القارىء أن الموضوع أكبر من هذا بكثير فهو متشعب جدا ولو تمعنت أكثر في الأمر فستجد مواقف كثيرة سببها هذين المقياسين في التربية. ستجد بأن هناك من ينتقدك ويعترض عليك ليجعلك تغير أفكارك أو سلوكك بينما كان يستطيع تشجيعك إلى تبني فكرته لكنه فضّل الطريق الأسهل. أيضا ستلاحظ أنه كلما قمت بعمل إعتقدت أنه جيد أو جميل ستجد أن هناك من يقلل من إنجازك أو يطالبك بأن تنجز شيء أكبر ليشعر أنك تستحق الثناء. هل هذا كل شيء؟ لا طبعا، ولكن أنظر إلى نفسك في كل مرة تتهم إنسان أو تنتقده وتقول أن قصدك هو منعه عن خطأ أو حثه لبذل المزيد من الجهد الإيجابي. لا تتوقف هنا وأنظر كم مرة شعرت بالسوء من إنجاز أحدهم أو نجاحه أو تقدمه في مجال ما أو حتى على أناقة لباسه. أضبط نفسك متلبسا بالجرم المشهود ليس من أجل أن تشعر بالذنب وتأنيب الضمير وإنما لتتخلص من هذة المشكلة التي إكتسبتها مجبرا ودون علمك. إجتهد قليلا للتخلص من هذا الإرث السيء لتبدأ رحلة الوعي والإرتقاء في الإنسانية. كل شيء تبذله من أجل نفسك يستحق العناء، لأنك تستحق.

     

    رأيك مهم، شارك بفكرة تثري تجربة الآخرين