هل تشبهك ؟؟ سألها بعد ان سردت حكاويها عليه وهي واقفة على حافة دجلة ..تحدق في سريانه الهادئ ..طامعة ان يمنحها هذا النهر العظيم بعضا من هدوءه وسعته ... دوما عندما تحتدم معاركها مع نفسها تقف على ضفته شاكيه ..غاسلة ذنوبها ... مصغية لكل الاصوات التي تحتدم في راسها .. مؤمنة ان دجلة يلهمها حكمة ما .. ربما نور ضئيل تلتمس منه دربها .. مؤمنة انه لايمكن ان يحتضن كل هذا الجمال على مر العصور دون كلل مالم يتمتع بعمق خفي من السعة التي ضاقت بها ارواحنا ...
حدقت بغصن ورد كسول تدلى من احد بيوت بغداد العتيقة التي استراحت منذ زمن بعيد على ضفته .. تاركا مياه دجلة تعتني به ..ليت احدا يعتني بها مثل هذا الغصن .. ليتها تحظى باحدا يمسح غبار روحها ويمنحها بعض السلام مثلما حظى ... ليتها تستطيع ان تودع خوفها وتجعل الحياه تعتني بها بثقة هذا الغصن بمياه النهر ...
سألها مرة اخرى .. هل حياتك تشبهك ؟؟ ماهذا السؤال ؟؟ كيف لها ان تشبهني ؟؟ ... اجابها... ان تشعري انك منسجمة معها .. راضيه عن احداثها ..
اجابت ... حسنا .. ليس كثيرا .. اصبحت اغترب من تصرفاتي .. من قسوتي ... من بعدي عن ما احب ومن احب ... صخبي صار اكثر ... كأني احاول الهروب من شئ ما داخلي ... لست اعرف تحديدا ماهو ...
اجابها ... اغتربي كما تريدين في هذه الحياه .. لكن اياك الغربة عن نفسك ... فهي اقسى انواع الغربة ... لن يجديك حينها لو ملأت حياتك بالف صخب .. الف نجاح والف صديق ... سيبقى فيك شيأ يأن ...لا تستغربي .. روحك ستبقى تأن لتنبهك انك تاخذيها في مسارات لا تشبهها ..انها الشجاعة الحقيقية .. قليلون فقط من ينصوت لصوت قلبهم حتى لو كان خافتا مع علو ما حولهم من الاصوات ... قليلون هم من يجرؤوا الخروج من سياسة القطيع .. قليلون هم من يجرؤوا على قول لا ..قوليها وتحملي بعض الالم .. خير من ان تضيعي عمرا قد لا يعود ثم ستقوليها في النهاية .. لكن الخسارة ستكون افدح .. فضي خزائنك من كل ما ضاق عليك كما تتخلصي من ثيابك القديمة ... افسحي المجال للجديد ان يدخل ... فان اتاك ووجدك ممتلئة الى انفك سيعود ادراجه بحثا عن فراغ يستوعبه ...عيشي حياتا تشبهك ..
رفعت عينيها لغصن الورد وكانها قد وجدت ضالتها ...وضلت تتفس بعمق ..كانها تزفر مع كل نفس شيئا من داخلها ما عاد يشببها .. ايعقل ان يخبئ غصن ورد كل هذه الحكمة !!.. ربما ..لكننا لا ننصت ..
دمتم بحب
سرى البدري