الصورة الكاملة هي مربط الفرس. من خلال الترويج المبالغ فيه لتطبيقات الجوّال (الهاتف المحمول) تحول الناس الى النظر الضيق وبالتالي تطور حالة ضيق الأفق. نحن هنا بصدد معضلة أكبر مما تبدو عليه في الظاهر.
عندما نقيس فإننا نتجه للنظر في السلوك المكتسب من كل عادة وكل جهاز أو ممارسة يقوم بها الإنسان سواء بعلمه أو دون علمه. تطبيقات الجوّال رغم كونها عملية وتسهل حياة الناس الا أن إستخدام هذا الجهاز الضيق يؤدي مع مرور الوقت الى ضيق الأفق ونعني بضيق الأفق "عدم القدرة على النظر الى الأمور بمنظور متسع" ذلك أن من خصائص الجيدة في الهاتف المحمول هو صغر حجمه وسهولة حمله بالإضافة الى شيئ خطير جدا لا يلاحظه معظم الناس وهو شاشة العرض الطولية.
هذة الشاشة رغم كل ما تقدمه من سهولة هي تقود نظر المستخدم وتعوده على النظر للأشياء بشكل طولي من الأعلى إلى الأسفل. هل هذا شيئ سيئ؟ سيئ طبعا وخطير اذ يتحول المستخدم من النظر الطبيعي للأشياء في الوضع الأفقى الذي يتناسب مع الطبيعة وتصميم العين للنظر الى المساحات الشاسعة وخط الأفق الى النظر المحدود أفقيا مما يجعله يتجاهل كل الأحداث التي تحدث خارج نطاق الشاشة الطولية الضيقة.
هذا واضح من حوادث السيارات مثلا وحتى حوادث المشاة عندما ينغمس المستخدم في الشاشة وينسى تماما كل ما يحيط به. قد يعتقد البعض أن السبب يعود الى تركيز المستخدم على الشاشة في يده ولكن الأمر مختلف تماما، اذ لو تعود الإنسان على العمل ضمن حدود طبيعته فلن يشغله هذا عن ملاحظة الطريق.
السيارة على سبيل المثال تعتبر أكثر تعقيدا من الجوال لكن أنظر الى لوحة العدادات. ستلاحظ بأنها مرتبة أفقيا. هذا الترتيب الأفقي هو ما يسمح لسائق السيارة من التعامل مع الأزرار الكثيرة والمتناثرة يمنة ويسرة وفي السقف وفي عجلة القيادة وفي الأبواب ودواسات عند الأرجل ومرايا جانبية وأخرى للنظر الى الوراء ومع ذلك لا يجد الإنسان صعوبة في التعامل مع المفاجآت في الطريق. كل شيئ مرتب أفقيا وحتى الزجاج الأمامي يمنح شعورا بالإتساع.
الترويج لتطبيقات الجوال وربط الناس به القصد منه تحويلهم الى مستهلكين فقط لا غير. فقط المستهلك تريد أن يتحول الى حصان العربة الذي تتم تغطية جوانب عينه حتى لا يلتفت يمينا أو شمالا ويبقى مستمرا في طريقه الذي رسمته له دون إعتراض.
والآن لنقارن هذا بالجهاز المكتبي أو اللاب توب. الشاشة عرضية، أي العرض أكبر من الطول. هذا هو الوضع الطبيعي لعين الإنسان. ربما لاحظت أن عينك واحدة على اليمين والأخرى على اليسار وليستا الواحدة فوق الأخرى. الكمبيوتر المكتبي أو شاشة التلفزيون أو شاشة السينما وحتى المسرح جميعها تشترك في شيئ واحد وهي التمدد أفقيا بما يتناسب ووضع العينين الطبيعي وبالتالي ونحن نشاهد التلفزيون أو نعمل على جهاز الحاسب نسمح لأنفسنا بتمرير نظرنا الى أشياء أخرى حولنا بشكل طبيعي.
هذا الوضع مريح جدا وهو الوضع الذي نعيشه تماما. سأثبت لك ذلك الآن أو غدا صباحا عندما تخرج من البيت حاول أن تنظر للأعلى. للعمارات والمباني المرتفعة وستدهش من عدم ملاحظتك للكثير من الزخارف والإعلانات والشرفات الملونة والزخرفة وليس مستبعدا أن تشعر بأنك لأول مرة تعرف شكل العمارات التي تمر عليها كل يوم منذ سنوات.
أنا جربت هذا عندما كنت أريد تصوير معالم البلد فذهلت من كل الأشياء التي لم أرها كل تلك السنوات. هذا يثبت أننا طبيعيا ننظر بشكل أفقي دائما. الأفق وخط الأفق والمناظر الجميلة والشواطئ الخلابة لا نتصورها في إطار طولي. عندما تتخيل أنك على شاطئ البحر في المالديف مثلا هل ستتخيل أنك ترى البحر ورمال الشاطئ من خلال إطار طولي أم ستتخيل مساحات ممتدة من الشاطئ؟
أرح عينك وأترك الجوّال قليلا وإعتمد أكثر على الشاشات العريضة فهذا سيخرجك من حالة ضيق الأفق. عقلك اللا واعي سيشكرك لأنك حررته من الإطار الضيق ومن تحكم المعلنين وأصحاب الأجندات السوداوية. نعم هناك نزعة لتغيير طريقتنا في النظر الى الأشياء لنتحول الى مستعبدين لوسائل الإعلام والترفيه. الآن يتم إنتاج فنون ورسوم مخصصة للعرض بشكل طولي. كل شيئ تمت تهيأته للهاتف المحمول. هذا يعني أنك من الآن وصاعدا سيتحول ذوقك الى الفنون والرسومات الطولية وحينها لن تعود الحياة كما كانت.
ستفقد تركيزك لو اشحت بنظرك قليلا وستبدو الأشياء الطبيعية وكأنها تحتاج الى جهد مضاعف للتركيز فيها. حينها ستعود أسيرا للجوال فهو يمنحك تجربة سهلة لا تحتاج معها للنظر الى أي شيئ آخر غير ما يقدمونه لك.