التواصل بين الناس قد يفوق ما نعتقده وعنه وهذا بدوره يؤثر على المردود المرجو من التواصل. يعتقد معظم الناس انهم يستطيعون قول كلمات بأفواههم وانها ستصل للطرف الآخر بنفس المعنى.
بغض النظر عن سوء الفهم وعدم الإنتباه او عدم الإهتمام الذي في الغالب يؤدي الى نشوء مشاعر محبطة لدى الطرف الآخر فإن هناك أمر آخر لا نلاحظه ونحن نتحدث الى الآخرين ونصف لهم كم نحن سعداء بوجودهم أو كم نحن نرغب في وجودهم في حياتنا او حتى على النقيض لا نرغب في صداقتهم او لا يعنينا أمرهم. هذا الأمر كم افسد على الناس علاقاتهم لأنهم لا يعلمون أن الرسالة قد وصلت وفعلت مفعولها قبل أن تصل الكلمات.
لأوضح الأمر أكثر اريدك ان تتخيل انك قابلت صديقا وجلست معه تتحدثان وتتبادلان المجاملات. معك إبنك البالغ خمس سنوات وكلما قلت كلمة قام بتصحيح كلامك أو عندما تحاول إخفاء أمر عن ذلك الصديق قام إبنك بفضحه. هل يا ترى ستستمر في الكلام أو هل ستكذب أو تجامل؟ لا طبعا لأنك تعلم أن إبنك لا يستطيع إدراك أنك تجامل فهو يعتقد أنه يقوم بعمل جيد. إنه يصحح لك أخطائك.
هذا بالضبط ما يحدث بدون وجود طرف ثالث. أنت تتحدث وتلقي بالعبارات الرنانة يمنة ويسرة دون إدراك كامل أنك على تواصل أعمل مع من تتحدث إليه. يحدث تواصل روحي بين الناس وهذا التواصل يتحدث بما يعتمل في أعماقهم. قد يقول احدهم أنا احبك وهو في قلبه غير مرتاح فتخرج الكلمة هزيلة وتصل الى مسمع الطرف الآخر على أنها مجاملة ثقيلة.
تخيل أن هذا يحدث بينك وبين كل البشر بلا إستثناء. الأشخاص القريبين أو البعيدين لا فرق. التواصل الروحي لا يحده مكان او تؤخره مسافات. بمجرد أن تفكر في إنسان أنت تتواصل معه وبذلك تستطيع كشف حقيقة مشاعره وهو كذلك يستطيع كشف حقيقة مشاعرك وبذلك تفقد كلماتكما معناها المسموع.
هل يتوقف الأمر عند هذا الحد؟ هيهات. الأمر يتعداه إلى تواصلك مع الله ومع الكون. قد تدعو بدعاء خير وفي اعماقك تشعر بعكسه. قد تقول يا رب إغفر لي وأنت تشعر بأنك مذنب أو لا تستحق المغفرة أو أن الله لا يسمعك أو لن يستجيب لك. ماذا يحدث؟ نعم حزرت، ستحصل على ما هو موجود في رسالتك المشفرة لا على ما نطقته بلسانك.
وتستمر الملحمة مع كل شيئ تطلبه في الحياة. تطلب السعادة وأنت تعيس في أعماقك، تبحث عن شريك حياة وأنت حذر متردد خائف على حريتك، تريد وظيفة لكنك في عمقك تعتقد أنك ستفقدها أو ستحملك فوق طاقتك، وهكذا أنت تقول بلسانك ما يناقضه قلبك.
هل هذة جريمة؟ لا ليست جريمة مادمت لا تحمل مشاعر حقد وحسد تجاه الآخرين. أنت فقط لا تجيد التوحيد الخالص. هذة هي مشكلة عالم الثنائية الذي نعيش فيه. نحن هنا لنقوم بالتوحيد بين المتناقضات. أي أن يصبح الباطن والظاهر على نفس التردد أو نفس الخط. ماذا تقصد؟
أقصد أن كل كلمة تقولها هي حقيقة ما تشعر به وكل طلب تطلبه له نظير مشابه في الداخل لا يختلف عنه. هذة مهمتك في الحياة أن تكون صادقا قلبا وقالبا. أن تصلح معتقداتك وأفكارك ومشاعرك نحو نفسك أولا وقبل كل شيئ ثم نحو الآخرين ثم نحو الحياة. هذا الأمر يتطلب الكثير من الصبر وقوة التحمل لتصحح مفاهيمك وتتخلص من مخاوفك وتصحح مشاعرك نحو كل شيئ.
جرب، أن لا تقول شيئ الا وأنت صادق، أي أنك لا تشعر بالضيق أو لا يكتنفك عدم إرتياح. هل لاحظت؟ عدم إرتياح. عندما لا ترتاح تماما لعبارة أو لموقف أو لقرار فهذا يعني أنك بحاجة الى البحث في اعماقك عن السبب لتتمكن من علاجه والتخلص منه وهكذا حتى لا يوجد ما تشعر معه بعدم الإرتياح.
أخيرا، إذا تواصلت مع أحدهم ولم تشعر بالإرتياح لكلماته فتأكد تماما بأن أرواحكما قد تواصلت بالحق فأخبرت روحه روحك بالحقيقة التي حاول إخفاؤها عنك.
صدق حديث الروح ولا تنجرف خلف حديث اللسان.