...

أعمال خيرية ولكن

»  أعمال خيرية ولكن
مدة القراءة: 4 دقائق

هناك كما يبدو فهم خاطى حول الأعمال الخيرية وآلية إستنزال الخير. كثيرا ما نسمع فكرة عمل الخير وكيف أن عمل الخير يعود على الإنسان بالمزيد من الخير والوفرة وسهولة العيش. الفكرة صحيحة بكل تأكيد لكن الآلية غير مفهومة تماما لدى أكثر الناس. بلغ الأمر أن عمل الخير أصبح العذر الأكبر لتقاعس الناس عن العمل، إذ يتحول الإنسان إلى راشي ( من الرشوة ) دون أن يعلم. يقول في نفسه « سأدفع هذا المال في مقابل أن يوفقني الله في الحصول على هذا الشيء أو يجلب لي ذاك الغرض » وهذة فكرة سيئة جدا.

لقد حول الناس عمل الخير والصدقات إلى سبب شرعي للكسل والتواكل على الله. يخفق الإنسان في فهم الحياة فيتراجع دخله أو يصاب بالنكبات الواحدة تلو الأخرى، والحل؟ نعم، أنفق بضعة دنانير وسيقوم الله بالعمل بالنيابة عنك وسيوفقك ويفتح لك الأبواب. ما هكذا تورد الإبل، لأن بهذة الطريقة نحن بطريقة أو أخرى نقضي على مبدأ الحاجة ونعمل ضد قانون الموارد. بدون الحاجة لن نفكر ولن ننتج أو نتقدم. هذا بالنسبة لمن يعطي، أما من يأخذ فهو أيضا سيتجه للكسل ولن يتمكن من خلق حاجة حقيقية للتفكير في حلول لمشاكله لأن هناك من يمنحه ما يغنيه عن إستخدام قدراته الكامنة.

من أسوأ الأعمال الخيرية هي تلك المرتبطة بطبيعة عملك أو مهنتك التي تتكسب منها. لا يمكنك إستخدام عملك أو مهنتك للقيام بأعمال خيرية خصوصا إن كانت مهنتك أساسا تدور حول مساعدة الناس أو التخفيف من آلامهم. لنأخذ على سبيل المثال الطبيب الذي يعالج الناس، ماذا لو زاد تعاطفه مع آلام مرضاه وقرر تقديم العلاج إما مجانا أو بأسعار متدنية جدا بحيث يبطل جزء من آلية التجارة العطبيعية؟ في هذة الحالة سيبدأ دخله بالتدني وسيتحول من الربح إلى خسارة مع مرور الوقت ولن تشفع له أعماله الخيرية لأنه لم يلتزم بقانون المتاجرة.

ما يجعل الناس تجد حرجا بالغا خصوصا في المجالات المرتبطة أساسا بمساعدة الناس، كالطب والتعليم والتدريب والإستشارات الأسرية وما شابهها من أنشطه، هو عدم معرفتهم الواضحة بأساليب الكسب المتوفرة للبشر ولذلك يختلط عليهم الأمر بين التجارة وعمل الخير. لكن لنرى ما هي مصادر الدخل المتوفرة للناس؟

١- سد الحاجات: اللباس، الغذاء، السكن، المواصلات، الإتصالات، الأمن، الأجهزة والمعدات.
٢- تخفيف الآلام: الرعاية الصحية، الدواء، الإستشارات والدعم النفسي
٣- الترفيه: الحدائق، الألعاب الترفيهية، السينما، صناعة الألعاب، إلخ...

أنت كإنسان إما متلقي لهذة الخدمات أو موفر لها. ليس هناك خيار ثالث إلا إذا كنت تعيش في جزيرة معزولة عن البشر. حينها يجب أن توفر كل هذا بنفسك ولن تكون هناك تجارة وإنما حياة فقط. المشكلة تكمن في تحويل مصدر الرزق إلى عمل خيري أو أن يشعر الإنسان بحرج من تلقي مردود مادي مما يظنه عمل خيري. هنا ينخفض الإستحقاق وتتوقف عجلة دوران المال ويدخل في الركود وثم الموت الإقتصادي أو الخسارة وتصبح كل الأعمال الخيرية بلا فائدة.

كل الزبائن هم زبائن. الذي يأتيك للترفيه أو الذي يأتيك لتخفف عنه بعض الألم. لا فرق بينهم وبين من يريد سد حاجاته الأساسية كاللباس أو المواصلات. فهذا يحتاج وسيلة مواصلات وذاك يحتاج إلى تخفيف ألم بالعلاج أو الرعاية الصحيحة أو التدريب أو الإستشارة. في النهاية هو زبون ويجب التعامل معه على هذا الأساس ولا يمكن إدخال العواطف في العملية وإلا لن تكون العاقبة جيدة. فهم هذة الجزئية بالذات هو ما يصنع الفرق بين النجاح التجاري أو الفشل. أنت لست مسؤلا عن آلام الناس ولا عن معاناتهم، لكنك مسؤل عن إتقان عملك والخدمات التي تؤديها لهم وأن لا تخترق قانون التجارة.

هم لأنهم بحاجة إلى خدماتك فإنهم سيصنعون المستحيل للوصول إليها وفي سبيلهم لصناعة المستحيل سيتعلمون أشياء كثيرة منها كيفية كسب المال الذي سيدفعونه لك مقابل خدماتك. إن أنت تصدقت بأعمالك فأنت في الواقع تخون نفسك وتخترق قانون الطبيعة القائم على تبادل المنفعة. آلامهم المرهقة كان من المفروض أن تجعلهم جادين في إيجاد حلول ولكنك أفسدت عليهم فرصة إكتساب الخبرة بالتجربة. أي أن الله وضعهم في ظروف من المفروض أنهم قادرين على تجاوزها بإستخدام عقولهم ولكنك أفسدت عليهم التجربة بأن أغنيتهم عن المحاولة.

إن كان الأمر كذلك فمتى نقوم بعمل الخير؟ هذا سؤال مهم. أولا لا يوجد عمل خيري أكثر من أن تعيش في مجتمع كل فرد فيه قادر على كسب ما يكفيه من الرزق بجهده الذاتي، هذا يجب أن يكون في أولويات أي مجتمع وهذا ما يجعل المجتمعات تتقدم، لأن كل فرد فيها يقوم بواجبه نحو نفسه. الطبيعي أن نصل إلى مرحلة يصبح عمل الخير هو الأخلاق الحميدة ومساعدة الناس المحتاجين للإنقاذ وما شابه. ثالثا، وإن كان هناك سبب للأعمال الخيرية فيجب أن تكون بعد سد حاجاتنا الأساسية وفي مجالات بعيدة عن مصادر الدخل التي نعتمد عليها.

مثلا الطبيب الناجح، لا يقدم العلاج مجانا ولكنه يدعم بماله أطفال يحتاجون للتعليم، أو يتبرع تاجر بسيارة لمؤسسة تعتني بذوي الإحتياجات الخاصة، أو يجتمع مجموعة من الأصدقاء لتوفير ما يكفي من المال لترميم بيت آيل للسقوط. الفكرة أنك لا تتصدق من مصدر رزقك ولكن من الفائض الذي حصلت عليه منه. بهذة الطريقة يحصل كل العاملين على أجورهم مع إستمرار عمل الخير من قبل الجميع. الكل يقوم بالأعمال الخيرية دون أن يفسد مصدر رزقه.

نحن عادة ما نطلب من الله التوفيق والسداد وفك القيود وتوسعة الرزق ولكننا نقوم بعكس ما نطلب وكأننا نتوقع أن الله سينزل علينا أكياس النقود من السماء أو سيرسل لنا أشخاص من وراء البحار يحلون مشاكلنا. إعمل الخير وحافظ على مصدر رزقك الذي سيسوق الله من خلاله كل الحلول التي تصدقت من أجلها. أترك الباب مفتوحا ولا تغلقه بيدك وتعتقد بأنك تساعد الناس.

إنظم إلى عائلة أبرك للسلام. توجد أشياء كثيرة غير المقالات - أنقر هنا للتسجيل ستكون تجربة رائعة • أو سجل دخول للتعليق والمشاركة

ما رأيك في الموضوع؟

التعليق والحوار

لا تعليقات حتى الآن
  • Weight loss product
  • مقالاتي المفضلة

    • لم يعثر على أي تفضيلات
  • تعلّم الإنجليزية بسرعة

    تعلّم الإنجليزية بسرعة

  • شبكة أبرك للسلام - جميع الحقوق محفوظة
    Developed by WiderSite

    أعمال خيرية ولكن

    مدة القراءة: 4 دقائق

    هناك كما يبدو فهم خاطى حول الأعمال الخيرية وآلية إستنزال الخير. كثيرا ما نسمع فكرة عمل الخير وكيف أن عمل الخير يعود على الإنسان بالمزيد من الخير والوفرة وسهولة العيش. الفكرة صحيحة بكل تأكيد لكن الآلية غير مفهومة تماما لدى أكثر الناس. بلغ الأمر أن عمل الخير أصبح العذر الأكبر لتقاعس الناس عن العمل، إذ يتحول الإنسان إلى راشي ( من الرشوة ) دون أن يعلم. يقول في نفسه « سأدفع هذا المال في مقابل أن يوفقني الله في الحصول على هذا الشيء أو يجلب لي ذاك الغرض » وهذة فكرة سيئة جدا.

    لقد حول الناس عمل الخير والصدقات إلى سبب شرعي للكسل والتواكل على الله. يخفق الإنسان في فهم الحياة فيتراجع دخله أو يصاب بالنكبات الواحدة تلو الأخرى، والحل؟ نعم، أنفق بضعة دنانير وسيقوم الله بالعمل بالنيابة عنك وسيوفقك ويفتح لك الأبواب. ما هكذا تورد الإبل، لأن بهذة الطريقة نحن بطريقة أو أخرى نقضي على مبدأ الحاجة ونعمل ضد قانون الموارد. بدون الحاجة لن نفكر ولن ننتج أو نتقدم. هذا بالنسبة لمن يعطي، أما من يأخذ فهو أيضا سيتجه للكسل ولن يتمكن من خلق حاجة حقيقية للتفكير في حلول لمشاكله لأن هناك من يمنحه ما يغنيه عن إستخدام قدراته الكامنة.

    من أسوأ الأعمال الخيرية هي تلك المرتبطة بطبيعة عملك أو مهنتك التي تتكسب منها. لا يمكنك إستخدام عملك أو مهنتك للقيام بأعمال خيرية خصوصا إن كانت مهنتك أساسا تدور حول مساعدة الناس أو التخفيف من آلامهم. لنأخذ على سبيل المثال الطبيب الذي يعالج الناس، ماذا لو زاد تعاطفه مع آلام مرضاه وقرر تقديم العلاج إما مجانا أو بأسعار متدنية جدا بحيث يبطل جزء من آلية التجارة العطبيعية؟ في هذة الحالة سيبدأ دخله بالتدني وسيتحول من الربح إلى خسارة مع مرور الوقت ولن تشفع له أعماله الخيرية لأنه لم يلتزم بقانون المتاجرة.

    ما يجعل الناس تجد حرجا بالغا خصوصا في المجالات المرتبطة أساسا بمساعدة الناس، كالطب والتعليم والتدريب والإستشارات الأسرية وما شابهها من أنشطه، هو عدم معرفتهم الواضحة بأساليب الكسب المتوفرة للبشر ولذلك يختلط عليهم الأمر بين التجارة وعمل الخير. لكن لنرى ما هي مصادر الدخل المتوفرة للناس؟

    ١- سد الحاجات: اللباس، الغذاء، السكن، المواصلات، الإتصالات، الأمن، الأجهزة والمعدات.
    ٢- تخفيف الآلام: الرعاية الصحية، الدواء، الإستشارات والدعم النفسي
    ٣- الترفيه: الحدائق، الألعاب الترفيهية، السينما، صناعة الألعاب، إلخ...

    أنت كإنسان إما متلقي لهذة الخدمات أو موفر لها. ليس هناك خيار ثالث إلا إذا كنت تعيش في جزيرة معزولة عن البشر. حينها يجب أن توفر كل هذا بنفسك ولن تكون هناك تجارة وإنما حياة فقط. المشكلة تكمن في تحويل مصدر الرزق إلى عمل خيري أو أن يشعر الإنسان بحرج من تلقي مردود مادي مما يظنه عمل خيري. هنا ينخفض الإستحقاق وتتوقف عجلة دوران المال ويدخل في الركود وثم الموت الإقتصادي أو الخسارة وتصبح كل الأعمال الخيرية بلا فائدة.

    كل الزبائن هم زبائن. الذي يأتيك للترفيه أو الذي يأتيك لتخفف عنه بعض الألم. لا فرق بينهم وبين من يريد سد حاجاته الأساسية كاللباس أو المواصلات. فهذا يحتاج وسيلة مواصلات وذاك يحتاج إلى تخفيف ألم بالعلاج أو الرعاية الصحيحة أو التدريب أو الإستشارة. في النهاية هو زبون ويجب التعامل معه على هذا الأساس ولا يمكن إدخال العواطف في العملية وإلا لن تكون العاقبة جيدة. فهم هذة الجزئية بالذات هو ما يصنع الفرق بين النجاح التجاري أو الفشل. أنت لست مسؤلا عن آلام الناس ولا عن معاناتهم، لكنك مسؤل عن إتقان عملك والخدمات التي تؤديها لهم وأن لا تخترق قانون التجارة.

    هم لأنهم بحاجة إلى خدماتك فإنهم سيصنعون المستحيل للوصول إليها وفي سبيلهم لصناعة المستحيل سيتعلمون أشياء كثيرة منها كيفية كسب المال الذي سيدفعونه لك مقابل خدماتك. إن أنت تصدقت بأعمالك فأنت في الواقع تخون نفسك وتخترق قانون الطبيعة القائم على تبادل المنفعة. آلامهم المرهقة كان من المفروض أن تجعلهم جادين في إيجاد حلول ولكنك أفسدت عليهم فرصة إكتساب الخبرة بالتجربة. أي أن الله وضعهم في ظروف من المفروض أنهم قادرين على تجاوزها بإستخدام عقولهم ولكنك أفسدت عليهم التجربة بأن أغنيتهم عن المحاولة.

    إن كان الأمر كذلك فمتى نقوم بعمل الخير؟ هذا سؤال مهم. أولا لا يوجد عمل خيري أكثر من أن تعيش في مجتمع كل فرد فيه قادر على كسب ما يكفيه من الرزق بجهده الذاتي، هذا يجب أن يكون في أولويات أي مجتمع وهذا ما يجعل المجتمعات تتقدم، لأن كل فرد فيها يقوم بواجبه نحو نفسه. الطبيعي أن نصل إلى مرحلة يصبح عمل الخير هو الأخلاق الحميدة ومساعدة الناس المحتاجين للإنقاذ وما شابه. ثالثا، وإن كان هناك سبب للأعمال الخيرية فيجب أن تكون بعد سد حاجاتنا الأساسية وفي مجالات بعيدة عن مصادر الدخل التي نعتمد عليها.

    مثلا الطبيب الناجح، لا يقدم العلاج مجانا ولكنه يدعم بماله أطفال يحتاجون للتعليم، أو يتبرع تاجر بسيارة لمؤسسة تعتني بذوي الإحتياجات الخاصة، أو يجتمع مجموعة من الأصدقاء لتوفير ما يكفي من المال لترميم بيت آيل للسقوط. الفكرة أنك لا تتصدق من مصدر رزقك ولكن من الفائض الذي حصلت عليه منه. بهذة الطريقة يحصل كل العاملين على أجورهم مع إستمرار عمل الخير من قبل الجميع. الكل يقوم بالأعمال الخيرية دون أن يفسد مصدر رزقه.

    نحن عادة ما نطلب من الله التوفيق والسداد وفك القيود وتوسعة الرزق ولكننا نقوم بعكس ما نطلب وكأننا نتوقع أن الله سينزل علينا أكياس النقود من السماء أو سيرسل لنا أشخاص من وراء البحار يحلون مشاكلنا. إعمل الخير وحافظ على مصدر رزقك الذي سيسوق الله من خلاله كل الحلول التي تصدقت من أجلها. أترك الباب مفتوحا ولا تغلقه بيدك وتعتقد بأنك تساعد الناس.

    إنظم إلى عائلة أبرك للسلام. توجد أشياء كثيرة غير المقالات - أنقر هنا للتسجيل ستكون تجربة رائعة • أو سجل دخول للتعليق والمشاركة
    رأيك مهم، شارك بفكرة تثري تجربة الآخرين