الشفقة الإقتصادية
هذا الداء يصيب الإنسان في بداية شعوره بالإستقرار المادي. يشعر بالشفقة على الآخرين بعد أن يبدأ المال بالدخول عليه سواء لحصوله على وظيفة مرموقة أو لجني أرباح من أنشطة تجارية أو الفوز بصفقات عمل تدر عليه دخلا جيدا. يبدأ بالمقارنة بين وضعه السابق ووضعه الجديد فيتحرك الإيغو قليلا ليخبره بأنه الآن صار أفضل من غيره. يرى نفسه أفضل منهم ماديا. يفكر في الفقراء والمحتاجين كلما أنفق المال ببذخ، يا ترى كيف يعيشون؟ كيف يتمكنون من تمضية الشهر بمرتبات بسيطة؟
قد يبدو هذا شيئا جيدا لكن الحقيقة شيء مختلف. هو فقط يشفق على نفسه عندما كان في مثل حالهم فيحاول تعويض أيام شقائه بإنفاق ماله على من يعتقد أنهم في وضع أقل منه. بعد فترة يتحول إلى فارس الدينار والدرهم الذي ينفق على المحتاجين من أهل وأصدقاء وآخرين لا يعرفهم. أي إنسان يستعين بفارس الدينار والدرهم لا يعود خالي اليدين. بعد فترة تصبح عادة تغذي الإيغو بشكل ممتاز فتترسخ الفكرة في رأسه ويبدأ الناس بالتقاطر عليه وشيئا فشيئا يتحول إلى مغناطيس قوي لجذب المحتاجين والمعدمين الذين يستنزفونه بلا رحمة وكأنه بئر لا تنضب.
تبدأ الأموال بالإنخفاض في رصيده لكن هذا لا يوقفه، فهو مازال الفارس المنقذ لعشرات البشر المجتمعين حوله، ثم تتحول القضية إلى قضية سمعة إذ لا يستطيع رد أي إنسان يريد إقتراض مبلغا صغيرا منه. لا يريد كسر الصورة التي بناها في أذهان الناس. وهنا يوسوس له عقله أن هذا عمل خير ولا بد أن يعود عليه بالخير وأن كل درهم ينفقه سيعود له أضعاف مضاعفة. نعم هذة هي الخدعة التي تجعله يستمر في الإنفاق بلا توقف حتى يقضي على كل مدخراته ليصل إلى مرحلة يصبح فيها كل ما يحصل عليه من مال يتبخر، سواء بالإنفاق على المحتاجين أو بالإنفاق على حاجاته الطارئة التي ستظهر بحكم العادة. لقد خلق ثقبا طاقيا في جيبه وحالة سريان سلبي للمال.
ومهما زاد مدخوله الشهري فإنه ينجح بكل براعة في إنفاقه عن بكرة أبيه وهذا ما يخلق حالة « المال موجود وغير موجود » فهو من ناحية يملك الكثير من المال وفي نفس الوقت المال يتبخر بسهولة. في الظاهر هو يملك الكثير من المال وفي الحقيقة لا يبقى من ماله شيء. هذة الحالة تصيب الكثيرين ممن عاهدوا أنفسهم أنهم إن أغناهم الله فإنهم لن يبخلون على الفقراء والمحتاجين. هذا هو العهد الكاذب، لأن الإنفاق على الفقراء ليس من مسؤليات البشر وإنما هي مسؤلية رب البشر ولكننا لا ندرك هذة الحقيقة إلا متأخرين.
عادةً يخلط الناس بين الواجب والإحسان فتتضخم قيمة الإحسان في أعينهم حتى يتحول إلى واجب ومسؤلية لا طاقة لهم بها. يغذي الإيغو هذة الفكرة بقوة ويدعمه في ذلك المحتاجين والمعدمين والمتسولين والمتقاعسين والمتنازلين عن دورهم في الحياة. يغذون هذا الشعور إما بكثرة الدعاء بالخير والذي يخلق شعورا زائفا بالراحة أو الدعاء بالشر فيخاف المبذر من العقاب الإلهي. هذة دوامة في الغالب تنتهي بإنهيار الإنسان وزوال المال.
تخلص من شعورك بالتفوق على الآخرين. يكفي أن تحمد الله على نعمته وأن تساعد المحتاجين مما يزيد عن حاجتك فإن لم تستطع فلا تتحمل مسؤلية من لو أراد الله لأغناهم. لا تعزز مشاعر الشفقة الإقتصادية عليهم وإنما تفهم مرحلتهم وإسمح لهم يبحثوا عن طرق ينمون فيها رزقهم. إن كنت ولا بد فاعلا وتريد أن تساعد عددا كبيرا من الناس فإحتفظ بأموالك لنفسك وكن قويا إقتصاديا وحينها يمكنك أن توقف مبلغا شهريا من راتبك لدعم المحتاجين أو أن توقف بعض المصالح التجارية إن كنت تملك شقة تؤجرها وتجعل ما يدخل عليك منها للمحتاجين.
هناك حلول كثيرة لكن لا تنفق ما تملكه لأنه رزقك أنت، هو لك أنت فلا تعترض على ما قسمه الله لك. الإحسان هو أن تحسن إلى نفسك وزوجتك وأولادك، فإن زاد رزقك أحسنت للأقربين ثم سواهم من الناس. تذكر مرة أخرى، هو رزقك أنت وهذا لا يجعلك أفضل أو أعلى من الآخرين الأقل حظا وإنما هي إشارة إلى أنك تستحق أكثر.