مرحلة البلوغ الجسدي معروفة لأكثر الناس وهي المرحلة التي يبلغ فيها الإنسان القدرة على الإنجاب وهي بالنسبة للرجل القدرة على إنتاج حيوانات منوية قادرة على تخصيب بويضة المرأة، وبالنسبة للمرأة هي القدرة على إنتاج بويضات قابلة للتخصيب وبالتالي تخلق جنين. هذا البلوغ جزء من تطور الإنسان وهو الأداة الوحيدة المعروفة لتكاثر النوع البشري. هناك مرحلة لاحقة إسمها سن الرشد حيث يعتبر الإنسان بالغا عاقلا راشدا يستطيع إتخاذ قراراته بنفسه ويجيد الحكم على الأمور وهو هنا بحكم القانون مكلف بتحمل تبعات أفعاله أمام القانون.
تلك مراحل طبيعية متدرجة يمر بها كل البشر إلا ربما المتخلفين ذهنيا وهؤلاء لا حرج عليهم ولا يمكن إدراجهم ضمن البشر المكَلفين إذ تسقط عنهم كل التبعات القانونية والإجتماعية ويصبحون تحت مسؤلية من يرعاهم سواء أحد الأهل والمتطوعين أو الحكومة. ما نقصده بسن البلوغ هنا هو مرحلة النضج النفسي والعاطفي والتوازن العقلي والذي للأسف لا يصل إليه أكثر الناس بسبب الثقافة السائدة القائمة على التبعية أو النظام الأبوي، إذ يبقى معظم الناس تحت الوصاية سواء بسبب النظام الإجتماعي أو بسبب إعتقادهم أنهم مازالوا تابعين لآبائهم أو عائلاتهم. في مرحلة ما قبل البلوغ النفسي يبقى الإنسان يبحث عن حلول ويعتمد على المحيطين به من أهل وأقارب وحتى أصدقاء، فهو لا يستطيع إتخاذ أي قرار دون اللجوء إلى المحيطين به ولا يستطيع التقدم في أي إتجاه دون موافقة من يعتقد أن عليه الإستئذان منهم.
إذًا البلوغ الذي نتحدث عنه هو البلوغ النفسي عندما يبدأ الإنسان بالإعتماد على نفسه في تسيير حياته والإهتمام بشؤنه الخاصة بنفسه بشكل مستقل تماما عن الآخرين. الأشخاص الذين لم يصلوا لسن البلوغ النفسي يستمرون في التصرف كتابعين لعائلاتهم حتى بعد زواجهم أو إنتقالهم إلى مناطق أو مدن بعيدة. توقعاتهم تقضي بأن نظامهم الأبوي يلاحقهم أينما كانوا ولا يمكنهم إتخاذ أي قرار دون إخطار الجهة التي تمثل الأب بالنسبة لهم مهما كانت المسافة التي تفصلهم. وصل الأمر بالبعض أن يتلقى الأوامر من أهله حتى وهو يعيش في بلد آخر. يبقى تحت وصاية بلد المنشأ حتى هو يحمل جنسية بلد آخر. ولو نظرت إلى مشاكل هذة النوعية من الناس ستجدها لا تختلف عن مشاكلها في الطفولة من تدخلات وتوقعات ومحظورات وإبتزاز عاطفي وغيرها من أنواع العنف النفسي الذي يمارسه عليهم آبائهم وإمهاتهم وكأنهم مازالوا أطفال يحتاجون للرعاية.
عندما يستقل أو يبتعد الغير بالغ نفسيا فإنه يبقى يتوق للوصاية ويبحث عن الحب والإهتمام وكأنه لم يغادر بيت أهله. لا يستطيع إدارة أموره الشخصية ولا أمور حياته ويبقى قلبه متعلق بفكرة رضى أهله عنه. هذة سذاجة ما بعدها سذاجة وللأسف هي منتشرة في الوطن العربي بشكل كبير. لا يريدون فهم أنهم من الوقت الذي يصلون إلى سن الرشد وهو واحد وعشرون عاما تصبح حياتهم مسؤليتهم الكاملة وعليهم الإعتماد على أنفسهم بالكامل في كل شيئ من إيجاد العمل إلى إدارة الموارد والوقت وترتيب مواعيدهم وحل مشاكلهم وإختراع طرق مناسبة لهم لعيش حياتهم حسب ظروفها.
البلوغ النفسي مرحلة فطام بالكامل من النظام الأبوي وهي مرحلة إنتقالية يتعلم فيها الإنسان الإعتماد الكامل على نفسه في كل شيئ بلا إستثناء، ومنها قد يتعلم ما يكفي لبلوغ سن الرشد النفسي وهي مرحلة متقدمة من نضج الإنسان بحيث يتحول إلى إنسان له قيمة حقيقية في مجتمعه ويصبح لرأيه مكانة. لا تستغرب عندما ترى شخصا بالغا جسديا رجل أو إمرأة ثم تكتشف بأنه لم يبلغ بعد، فهذا يبدو طبيعا في العالم العربي. الأطفال متناثرين في كل مكان. أطفال صغار وأطفال كبار.
ما هو المتوقع من الشخص البالغ نفسيا؟
- القدرة على العمل بدون الحاجة لمجموعة الدعم النفسي القديمة
- متوازن في أفكاره ومشاعره
- يعتمد على على نفسه في تسيير أموره
- يتصرف بهدوء ويظهر التماسك النفسي
- غير متعلق بالماضي وظروفه ولا يسبب له قلق أو توتر
- يستطيع إدارة الحوارات بعقلانية دون إنفعال زائد
- يحترم الوقت ويقدر وقت الآخرين
- يوفي بإلتزاماته وتعهداته ولا يخلق أعذار
- لا يصدم ولا يندهش كثيرا من أحداث الحياة
- يستطيع الكلام بوضوح ويعبر عن أفكار كاملة
- يتحدث كالكبار في مواضيع الكبار كالجنس والدين والفكر
- يستطيع تجربة أشياء جديدة بناء على تقديره الخاص
- تكفيه الإشارة
- لا يشعر بالتهديد من تفوق الآخرين
- يستخدم أسلوب واضح لقول لا في المواقف التي لا يريدها
- يتوقع أن حصوله على الخدمات سيكون بمقابل
- يقدم خدماته بمقابل
- لا يخجل ولا يشعر بالحرج إن تعرض لموقف غير موفق
- يعمل ضمن فريق
- يستطيع تلقي الأوامر والتعليمات ويستطيع إدارة فريق صغير
- يسعى نحو أهدافه بثبات وثقة
- عندما يخطئ يعتذر بأدب
- يفكر قبل أن يتحدث
- يستطيع التحكم في مأكله وشرابه ولا ينهار على موائد الطعام
- يسمح للآخرين بإنهاء كلامهم قبل أن يدخل في الحوار
- يلبس لباس يناسب المناسبة التي سيحضرها
- يعرف متى وقت الجد ومتى وقت الهزل
- يقرأ ويثقف نفسه في أمور الحياة
- يتمتع بالصبر على النتائج
- لا يمكن التلاعب به وبأفكاره بسهولة
- لا يتعامل مع من لا يحترمه
- لا يكذب ولا يستمرئ الكذب
هذة بعض صفات الشخص البالغ وهي البداية التي لو داوم عليها حتى تصبح طبعا فيه قد يرتقي يوما ليصبح راشدا عندما يعمل عقله ويتفكر في الأمور ويسعى إلى توسيع أفقه ومداركه ويكون أفكار أصلية من إنتاجه ويؤمن بنفسه.