الضحية والمستبد

»  الضحية والمستبد
مدة القراءة: 4 دقائق

يجد كثير من الناس العاديين أنفسهم في ظروف سيئة للغاية مرتبطة بعلاقتهم بأحد أفراد العائلة وعادة يكون أحد الوالدين أو الأخ الأكبر أو الأخت الكبرى، وفي حالات أخرى من الأوصياء عليهم. حيث يتعرضون منذ نعومة أظفارهم إلى ضغط نفسي وإضطهاد ولغة جارحة أو تهميش وفي بعض الحالات تصل إلى الإعتداء الجسدي.

الإنسان الذي يتربى في مثل هذة الظروف عادة ما يتحول إلى وضعية الضحية. تفقد الضحية ثقتها في نفسها وفي العالم وتصاب بخوف يصل حد الرعب من المستبد والذي أحيانا لا يستخدم العنف وإنما يلجأ إلى أسلوب الترهيب وخلق هالة مرعبة حول نفسه وبطولاته ومغامراته ولا يتورع عن التهديد والاستهزاء بضحيته وتهميشها وتحقيرها وتحقير منجزاتها إلى أبعد الحدود.
أمثال هذا المستبد يمارسون بوعي كامل دورهم كجلادين قساة، يتفننون في تعذيب ضحيتهم بكل الطرق الممكنة والتلاعب بها وبأعصابها حتى تفقد تماما أي رغبة في الدفاع عن نفسها.

عندما تصل الضحية إلى هذة المرحلة فإنها تلجأ للحيلة الوحيدة التي يمكن أن تنقذها من العذاب وهي تبني وجهة نظر المستبد ومن ثم خلق حالة وهمية من السلام تعيشها مع نفسها. في هذة الحالة تبدأ الضحية في إتهام نفسها بالتقصير وعدم الفهم لتبرر لنفسها الظروف التي تمر بها. تفقد تركيزها طوعيا وتمارس الغباء مما يجعل المستبد يزيد من إستبداده. هنا تقتنع الضحية أنها سبب المشكلة وتبدأ بالتقرب إلى المستبد وإذلال نفسها من أجل كسب رضاه. هي تشعر أن هذا هو الشيء الصحيح بما أنها مقصرة في القيام بواجبها والذي لا يعلم أحد ما هو ذلك الواجب.

تفقد الضحية شخصيتها بالكامل وتشل حركتها وقدرتها على إتخاذ القرارات حتى البسيطة منها فتجد من المنطقي أن تستأذن من المستبد في كل صغيرة أو كبيرة في حياتها ويصبح الإستقلال عن المستبد جريمة بالنسبة لها. تبدأ هي بقمع نفسها بنفسها وإخضاعها للمستبد وتكتفي ببعض سويعات يرضى فيها عنها.

حتى المقاومة التي تبديها قد تكون من باب ذر الرماد في العيون، كأن تقاوم وتعبر عن مطالبها والتي تعلم في أعماقها أنها مخطئة ومهزومة ولا سبيل للخلاص. تصبح المقاومة فقط لتأكيد الوضع القائم.

ما لا تعلمه الضحية هو أن المستبد في أغلب الحالات إن لم يكن كلها هو إنسان ضعيف الشخصية بائس لا قيمة له بين الناس. عادة المستبدين هم ضحية إستبداد وقع لهم في طفولتهم ولذلك لا يملكون شخصيات سوية وإن وزناهم في ميزان الرجال يخسرون خسرانا مبينا. كل هذا لا يعني شيئا للضحية المقتنعة أن المستبد شخص قوي وجبار ومتمكن. هي تراه شيء كبير جدا لا يمكن مقاومته.

يجب أن ننتبه عند تعاملنا مع الضحية لأنها فعلا لا تستطيع مساعدة نفسها أو الخروج من الدوامة بوقودها الذاتي. فهي بحاجة للكثير من التفهم والتشجيع الخفيف المتدرج على فترة قد تمتد إلى بضعة سنوات. ما يصلح مع الشخص الخامل قد لا يصلح مع من تحطمت نفسيته فلا يمكننا التعامل معها بقسوة أو الإستمرار في إنتقادها أو محاولة دفعها بالقوة للتحرك والدفاع عن نفسها.

يكمن علاج مثل هذة الحالات في إعادة الثقة لنفسها شيئا فشيئا عن طريق دعمها نفسيا وإخراجها بطريقة سلسلة من مشاعر الذنب وتأنيب الضمير. يفضل أن يستغل المعالج فترات القوة التي تشعر بها الضحية لتشجيعها على ذكر مشاعرها الحقيقية نحو المستبد وتوجيهها بلطف نحو الإستهزاء به وبأساليبه المضحكة. يجب دعم الضحية للوصول إلى حالة ولو مؤقتة من القوة والقدرة على مواجهة المعتدي في مخيلتها فقط.

ثم بعد ذلك إذا أمكن تهشيم صورة المستبد بين فترة والأخرى عن طريق ذكر نقاط ضعفه وكشف أسرار الخلل في شخصيته خصوصا خارج المنزل وهذا يحتاج إلى معرفة بطبيعة حياة المستبد. بعد تقوية الضحية قليلا وبعد إبداء الكثير من التفهم والتعاطف، يمكن تزويدها ببعض التوكيدات التي تقويها وبعض آيات القرآن التي تفيد المعنى مع إعطاء تمارين متدرجة للتحكم في المستبد وتوجيهه دون علمه. يجب أن تدرك الضحية أنها قادرة على التحكم في المستبد عن بعد ودون أن يدرك هو الأمر. مثل هذة التمارين كثيرة ومتعددة في مجال الوعي ولا مجال لذكرها في هذة العجالة لكن من الجدير بالذكر تقنية الهوبونوبونو البسيطة.

على الضحية أن تعرف أن هناك أمل كبير في التخلص من الوضع وتحسين الظروف كثيرا قد تصل إلى حد أن الضحية تبدأ بالتحكم والتلاعب بالمستبد بل ودفعه نحو تدمير نفسه بنفسه دون حاجة للمواجهة المباشرة. كل هذا رهن رغبة صادقة من الضحية في التخلص من الوضع. أكثر الناس يمكن مساعدتهم على الخروج من عنق الزجاجة لكن قد يكمن الخلل في الشخص الذي يقدم المساعدة لقلة خبرته في مثل هذة الحالات.

في جميع الأحوال على الضحية أن تعرف أن وجود المستبد ضروري لتطوير شخصيتها وكل ما عليها هو قلب السحر على الساحر. كل قوة في شخصية المستبد تراها الضحية هي تماما ما تحتاجه روحها للنمو والتقدم إن هي أدركت أن ما تمر به القصد منه توفير جو ملائم لتقوية الأجزاء الضعيفة والمهشمة من شخصيتها.

من حقك أن تدافع عن نفسك وأن تعيش حياة كريمة. ما تمر به ليس النهاية وإنما هي فرصة ذهبية لصنع أسطورتك عندما تنتصر على المستبد، لأنك حينما تفعل ستنتصر في الحياة بدرجة تفوق كل توقعاتك. أنت في المكان الصحيح والظروف الصحيحة رغم شناعتها لخلق واقع أنت فيه أقوى.

الوعي ليس رفاهية وإنما ضرورة وإتقان فنونه تخلصك من الكثير من المشاكل التي كنت تعتقد أنها بلا حل.

إنظم إلى عائلة أبرك للسلام. توجد أشياء كثيرة غير المقالات - أنقر هنا للتسجيل ستكون تجربة رائعة • أو سجل دخول للتعليق والمشاركة
الوسوم

ما رأيك في الموضوع؟

التعليق والحوار

@peepso_user_5513(امنه مسعود ورد سامي)
واذا كان المستبد هو الزوج ...سحوتي هو من اجل اطفالي ...استطيع تركه لكن لا اريد التشتت لاطفالي ....خوفي منه نابع كما قلت من ظلم ابي ...فجذبت ظالما اخر
@peepso_user_1306(هاجر الحبابي)
@peepso_user_5513(امنه مسعود) لن نستطيع تغيير الآخر لكن أنت بيدك خياتك و نفسك و أولادك هم أيظا يعانون و سيكبرون في بيئة قاسية و عندما يكبرون سيقولون لك يا ليتك ما تزوجت أبينا أو ليتكي تخدتي قرار ابتعاد عنه و نعيش في سلام ...لأنكم ستتدمرون من معاناته التي تهلك النفس و الحياة و أنت المسؤولة عن ذالك
@peepso_user_374(سماح عثمان)
@peepso_user_5513(امنه مسعود) من غير العدل أن يعيش أطفالك تحت سقف رجل مستبد
أقول لكي ذلك و أنا ابنة رجل مستبد
أولا قوي نفسك و قفي على قدميك و إذا لم تمتلكي المال ابحثي عن سبل الاستقلال المادي و أحمي نفسك و أطفالك منه
لا حاجة لطفل لاب مؤذ ، و إلا ستضطرين لقضاء سنين في علاج أطفالك من سبب الأذى و الضرر من عيشهم مع أبيهم
@peepso_user_3612(Lean Leen)
لماذا اشعر بالشفقة علي المستبد( الزوج)؟ و كأن مصلحته فوق مصلحتي؟ مع رغبتي في الخروج من الوضع لكن لا اريده ان يتألم ( ليس حب) ارتاح عندما يرضي ، في نفس الوقت اريده ان يبتعد .
@peepso_user_3612(Lean Leen)
@peepso_user_1(عارف الدوسري) انا فاهمة ان شعوري خطأ و وهم ، انا فقط اريد الوصول للوضوح بعيد عن الخداع، عندها يحدث التغيير الصحيح
  • Weight loss product
  • مقالاتي المفضلة

    • لم يعثر على أي تفضيلات
  • تعلّم الإنجليزية بسرعة

    تعلّم الإنجليزية بسرعة

  • شبكة أبرك للسلام - جميع الحقوق محفوظة
    Developed by WiderSite

    الضحية والمستبد

    مدة القراءة: 4 دقائق

    يجد كثير من الناس العاديين أنفسهم في ظروف سيئة للغاية مرتبطة بعلاقتهم بأحد أفراد العائلة وعادة يكون أحد الوالدين أو الأخ الأكبر أو الأخت الكبرى، وفي حالات أخرى من الأوصياء عليهم. حيث يتعرضون منذ نعومة أظفارهم إلى ضغط نفسي وإضطهاد ولغة جارحة أو تهميش وفي بعض الحالات تصل إلى الإعتداء الجسدي.

    الإنسان الذي يتربى في مثل هذة الظروف عادة ما يتحول إلى وضعية الضحية. تفقد الضحية ثقتها في نفسها وفي العالم وتصاب بخوف يصل حد الرعب من المستبد والذي أحيانا لا يستخدم العنف وإنما يلجأ إلى أسلوب الترهيب وخلق هالة مرعبة حول نفسه وبطولاته ومغامراته ولا يتورع عن التهديد والاستهزاء بضحيته وتهميشها وتحقيرها وتحقير منجزاتها إلى أبعد الحدود.
    أمثال هذا المستبد يمارسون بوعي كامل دورهم كجلادين قساة، يتفننون في تعذيب ضحيتهم بكل الطرق الممكنة والتلاعب بها وبأعصابها حتى تفقد تماما أي رغبة في الدفاع عن نفسها.

    عندما تصل الضحية إلى هذة المرحلة فإنها تلجأ للحيلة الوحيدة التي يمكن أن تنقذها من العذاب وهي تبني وجهة نظر المستبد ومن ثم خلق حالة وهمية من السلام تعيشها مع نفسها. في هذة الحالة تبدأ الضحية في إتهام نفسها بالتقصير وعدم الفهم لتبرر لنفسها الظروف التي تمر بها. تفقد تركيزها طوعيا وتمارس الغباء مما يجعل المستبد يزيد من إستبداده. هنا تقتنع الضحية أنها سبب المشكلة وتبدأ بالتقرب إلى المستبد وإذلال نفسها من أجل كسب رضاه. هي تشعر أن هذا هو الشيء الصحيح بما أنها مقصرة في القيام بواجبها والذي لا يعلم أحد ما هو ذلك الواجب.

    تفقد الضحية شخصيتها بالكامل وتشل حركتها وقدرتها على إتخاذ القرارات حتى البسيطة منها فتجد من المنطقي أن تستأذن من المستبد في كل صغيرة أو كبيرة في حياتها ويصبح الإستقلال عن المستبد جريمة بالنسبة لها. تبدأ هي بقمع نفسها بنفسها وإخضاعها للمستبد وتكتفي ببعض سويعات يرضى فيها عنها.

    حتى المقاومة التي تبديها قد تكون من باب ذر الرماد في العيون، كأن تقاوم وتعبر عن مطالبها والتي تعلم في أعماقها أنها مخطئة ومهزومة ولا سبيل للخلاص. تصبح المقاومة فقط لتأكيد الوضع القائم.

    ما لا تعلمه الضحية هو أن المستبد في أغلب الحالات إن لم يكن كلها هو إنسان ضعيف الشخصية بائس لا قيمة له بين الناس. عادة المستبدين هم ضحية إستبداد وقع لهم في طفولتهم ولذلك لا يملكون شخصيات سوية وإن وزناهم في ميزان الرجال يخسرون خسرانا مبينا. كل هذا لا يعني شيئا للضحية المقتنعة أن المستبد شخص قوي وجبار ومتمكن. هي تراه شيء كبير جدا لا يمكن مقاومته.

    يجب أن ننتبه عند تعاملنا مع الضحية لأنها فعلا لا تستطيع مساعدة نفسها أو الخروج من الدوامة بوقودها الذاتي. فهي بحاجة للكثير من التفهم والتشجيع الخفيف المتدرج على فترة قد تمتد إلى بضعة سنوات. ما يصلح مع الشخص الخامل قد لا يصلح مع من تحطمت نفسيته فلا يمكننا التعامل معها بقسوة أو الإستمرار في إنتقادها أو محاولة دفعها بالقوة للتحرك والدفاع عن نفسها.

    يكمن علاج مثل هذة الحالات في إعادة الثقة لنفسها شيئا فشيئا عن طريق دعمها نفسيا وإخراجها بطريقة سلسلة من مشاعر الذنب وتأنيب الضمير. يفضل أن يستغل المعالج فترات القوة التي تشعر بها الضحية لتشجيعها على ذكر مشاعرها الحقيقية نحو المستبد وتوجيهها بلطف نحو الإستهزاء به وبأساليبه المضحكة. يجب دعم الضحية للوصول إلى حالة ولو مؤقتة من القوة والقدرة على مواجهة المعتدي في مخيلتها فقط.

    ثم بعد ذلك إذا أمكن تهشيم صورة المستبد بين فترة والأخرى عن طريق ذكر نقاط ضعفه وكشف أسرار الخلل في شخصيته خصوصا خارج المنزل وهذا يحتاج إلى معرفة بطبيعة حياة المستبد. بعد تقوية الضحية قليلا وبعد إبداء الكثير من التفهم والتعاطف، يمكن تزويدها ببعض التوكيدات التي تقويها وبعض آيات القرآن التي تفيد المعنى مع إعطاء تمارين متدرجة للتحكم في المستبد وتوجيهه دون علمه. يجب أن تدرك الضحية أنها قادرة على التحكم في المستبد عن بعد ودون أن يدرك هو الأمر. مثل هذة التمارين كثيرة ومتعددة في مجال الوعي ولا مجال لذكرها في هذة العجالة لكن من الجدير بالذكر تقنية الهوبونوبونو البسيطة.

    على الضحية أن تعرف أن هناك أمل كبير في التخلص من الوضع وتحسين الظروف كثيرا قد تصل إلى حد أن الضحية تبدأ بالتحكم والتلاعب بالمستبد بل ودفعه نحو تدمير نفسه بنفسه دون حاجة للمواجهة المباشرة. كل هذا رهن رغبة صادقة من الضحية في التخلص من الوضع. أكثر الناس يمكن مساعدتهم على الخروج من عنق الزجاجة لكن قد يكمن الخلل في الشخص الذي يقدم المساعدة لقلة خبرته في مثل هذة الحالات.

    في جميع الأحوال على الضحية أن تعرف أن وجود المستبد ضروري لتطوير شخصيتها وكل ما عليها هو قلب السحر على الساحر. كل قوة في شخصية المستبد تراها الضحية هي تماما ما تحتاجه روحها للنمو والتقدم إن هي أدركت أن ما تمر به القصد منه توفير جو ملائم لتقوية الأجزاء الضعيفة والمهشمة من شخصيتها.

    من حقك أن تدافع عن نفسك وأن تعيش حياة كريمة. ما تمر به ليس النهاية وإنما هي فرصة ذهبية لصنع أسطورتك عندما تنتصر على المستبد، لأنك حينما تفعل ستنتصر في الحياة بدرجة تفوق كل توقعاتك. أنت في المكان الصحيح والظروف الصحيحة رغم شناعتها لخلق واقع أنت فيه أقوى.

    الوعي ليس رفاهية وإنما ضرورة وإتقان فنونه تخلصك من الكثير من المشاكل التي كنت تعتقد أنها بلا حل.

    إنظم إلى عائلة أبرك للسلام. توجد أشياء كثيرة غير المقالات - أنقر هنا للتسجيل ستكون تجربة رائعة • أو سجل دخول للتعليق والمشاركة
    رأيك مهم، شارك بفكرة تثري تجربة الآخرين