العنف النفسي هو المصطلح الشائع لممارسة التعنيف والإنتقادات وكل السلوكيات التي تسبب الم لدى الطرف الآخر بدون إستخدام القوة الجسدية. الغرض منه هو إرغام الطرف الآخر أيا كان على الإنصياع لرغبات الطرف المعتدي، ونحن هنا لا نتحدث عن الطرف المعتدي المختل نفسيا ولكن عن المعتدي الذي لا يجيد التصرف فقط إذ قد يلجأ الإنسان للتعنيف النفسي ظنا منه أنه يقوم سلوك الضحية.
اليوم سأخبركم عن نوع من العنف لم نسمع به من قبل وأحب أن أطلق عليه مسمى "العنف العاطفي" وهو إغراق الضحية بالعواطف الجياشة والتي قد تكون نابعة من صدق ومحبة فعلا لكنها تفسد على الطرف الآخر قراره في الدخول في علاقة أو تركها. هذا النوع من الإعتداء والذي غالبا هو غير مقصود بل ويعد من أفضل المشاعر الإنسانية إلا أنه يسبب أضرار لكلا من الضحية والمعتدي على حد سواء.
يحدث العنف العاطفي عندما يكون هناك طرف يغرق الطرف الآخر في مشاعر الحب العظيم ويوجه كل مشاعره نحو الطرف الآخر بقوة وتركيز مع الحرص على المتابعة المستمرة وتقصي المشاعر مع التفكير الدائم والمركز في الطرف الآخر بحيث تتم محاصرته طاقيا بكل تلك المشاعر المتدفقة والإنتباه الذي لا يفتر وحينها تجد الضحية نفسها شبه منومة مغناطيسيا من الكم الهائل من المشاعر الدافئة فلا تستطيع إتخاذ قرار آخر سوى الدخول في العلاقة تحت تأثير النشوى والدفئ الذي تشعر به في حينها.
المشكلة ليست في القبول بالعلاقة ولكن في الإستمرار فيها لأن الروح قد تشعر بأنها ليست العلاقة التي تخدمها في المستقبل لكن تبقى النفس متأثرة وكثيرا من الأحيان مستمتعة بالإهتمام والتدفق العاطفي الجميل. الذي يحدث عند الضحية أنها تبقى تراوح جيئة وذهابا بين الإستمرار في العلاقة التي تبدو جميلة ورائعة وبين ما تستشعره الروح وتتمناه فعلا. هذا الوضع يفسد على الضحية رأيها ويجعلها تتخبط في قرارها وخصوصا إن كان مع العلاقة مكاسب إضافية مادية أو إجتماعية. ولو أضفنا إلى هذة الخلطة حاجة الضحية للعلاقة بسبب ظروفها الصعبة والعقبات التي تواجهها في حياتها وتجاربها المخيبة للآمال فنحن أمام كارثة عاطفية حقيقية تشعر بها الضحية ولا تستطيع وصفها بالكلمات.
على الجانب الآخر المعتدي عاطفيا يشعر بالظلم والغبن، فهو يعتقد أنه كان يحسن صنعا وأنه قدم أفضل ما لديه. لقد قدم قلبه بكل حب ونقاء وصدق عميق وفي النهاية كان جزاؤه النكران والجحود. نعم فهذا الوضع مؤذي للطرفين وكل واحد فيهما يلوم الآخر. الضحية تشعر بأن حياتها قد سلبت منها لأنها مطالبة بإظهار مشاعر الحب وعواطف لا تشعر بها بينما الطرف المعطي يشعر بطعنة في القلب وخيبة أمل وغضب على ما إستثمره في العلاقة بكل الأشكال. نحن أمام معضلة حقيقية إذ كيف تشرح للطرف المعتدي أنه بالغ في الحب وإظهار المشاعر؟ كيف ستقنعه أنه أخطأ والكل يعلم أن تدفق مشاعر الحب الصادق هو أمل كل المحبين؟
للأسف فإن ممارسات العنف العاطفي منتشرة بين الناس ومعظم ما يمارسه البشر من حب يقع ضمن العنف العاطفي الذي لا يقل ضراوة عن العنف النفسي وإن بدى في حلة أنيقة، ففي النهاية النتيجة لا تختلف كثيرا فلامعتدي ودون قصد قد أرغم ضحيته على إتخاذ قرار هي لا ترغب في إتخاذه.
على الإنسان أن يوازن مشاعره ولا ينساق خلفها بقوة كي يفسح مجالا للعلاقة أن تنضج حسب ظروفها فلا يتحول إلى وحش طاقي يكتسح من يقف أمامه. وعليه أن يوازن إختياراته فلا تنبع من ظروف أو صعوبات وحاجة حتى لا يتخذ قرارات يوهم الطرف الآخر أنها تمثل حقيقته. أي لا تهاجم الضحية طاقيا بالعنف العاطفي وأيضا لا تجعل ظروفك الشخصية سببا لخداع الآخرين وإدخالهم في متاهات هم في غنى عنها. لا نستطيع أن نقع باللوم على طرف دون الآخر. فالمعنِّف العاطفي يشترك مع المعنَف في المسؤلية وعلى كل منهما أن يعترف بدوره في العلاقة وبناء عليه تهدأ الأنفس وتعود إلى طبيعتها وبعدها يمكنها إتخاذ القرار الحاسم الذي يناسب الظروف المستجدة إما مع الإستمرار أو إنهاء العلاقة بسلام.
لو نظرنا للعنف العاطفي عن قرب سنجد أنه نتيجة طبيعية لتضخم الإيغو والذي بدوره يدفع الإنسان للإستئثار بالضحية لنفسه فلا يترك لها مجالا للهروب إلى أي قلب آخر وأما بالنسبة للضحية فالإيغو يتمحور حول الخوف من فقدان المكاسب القادمة مع العلاقة وفي كلا الوضعين القضية قضية مخاوف غير مبررة وكأن كل طرف يقول لن أجد أفضل من هذا. هذا الإنسان هو الوحيد الذي يسعدني أو هو الوحيد الذي سينقذني. إنه حب بنكهة الإيغو رغم أنه شيئ جميل حسب ما يراه معظم البشر.
ممارسات العنف العاطفي متبادلة بين الرجل والمرأة وكل منهما له نصيب الأسد فيها. الرجل قد يرغب بإمرأة بشدة فيفسد عليها رأيها وكذلك المرأة قد ترغب برجل بشدة فتفسد عليه شعوره. في كلا الحالين يحدث عنف عاطفي وإن كان غير مقصود مع نوايا طيبة لكن النوايا وحدها لا تكفي. يجب أن نتعلم كيف نرتقي بمشاعرنا وأحاسيسنا وأفكارنا.
الحب يجب أن يبدأ خفيفا ثم ينمو بمرور الوقت ولأننا شعوب لا تؤمن بالحب ولا تمنحه وقتا كافيا لينمو فإننا نلجأ لإتخاذ القرار الحاسم بالزواج ثم نجبر أنفسنا على إستخراج الحب بالقوة ولذلك نفشل في الحب ونفشل في الزواج ونفشل في كل علاقاتنا العاطفية لأن عاداتنا وتقاليدنا لا تعرف معنى النمو والتدرج، فهي إما أبيض أو أسود.