الأزمات تأتي وتذهب من وقت إلى آخر وتبقى أنت تكابد من أزمة إلى الأخرى وترجو الله أن تكون هذة الأخيرة، لكن سرعان ما تقع في أزمة جديدة بعد فترة ليست بالطويلة. تتسائل ما الذي يحدث لي؟ ما الذي فعلته في حياتي حتى تهزني تلك الأزمات هزا وكأنه لا يوجد أحد في العالم سواي؟ لماذا أنا دائما؟ لماذا لا يساندني الله وأنا أتقيه ولا أكاد أرتكب حتى صغائر الذنوب؟ هل يعقل هذا، لا تأتي أزمة إلا وأنا فيها؟ الأسئلة لن تتوقف لأن الأمر فعلا يفوق حد التصور. أنت إنسان محترم تعيش بما يرضي الله ولكن تكاد الأزمات تقصم ظهرك. أزمات لا ينفع معها أي شيء ولا حتى المال أو العمل أو الإستعداد. ما الذي يحدث يا الله؟
حسنا، الأزمات هنا لتبقى ولن تنتهي أبدا إن أنت واصلت التصرف بنفس ردة الفعل المعتادة. عندما تقع في أزمة من الأزمات سواء في العلاقات أو في المال أو في الصحة أو في الظروف العامة في البلد الذي تعيش فيه أو عندما تنقلب الأمور وتتعقد السبل فهناك نمط سلوكي ونمط شعوري ونمط ذهني أنت تمارسه. ماذا تفعل بالضبط؟ حاول أن تكتشف هذا في الأزمة التالية. كيف تشعر؟ وكيف تتصرف؟ وفي ماذا تفكر وكيف؟ هذة الأنماط الثلاثة تحدد نوعية القرارات التي ستتخذها في الأزمة وبالتالي هي تحدد نوع المشكلة التي ستقع فيها لاحقا بعد إنتهاء الأزمة. أي وكأنك تخرج من الأزمة بأزمة أخرى
نعيب زماننا والعيب فينا *** وما لزماننا عيبٌ سوانا
من أنت في الأزمات؟ إعرف من تكون أثناء الحدث وستتضح لك نوعية القرارات التي ستتخذها والنتائج التي ستترتب عليها. لا تتوقع شيء مختلف عما تكون عليه أثناء الأزمة ولو تكررت فستتخذ نفس القرارات التي قد لا تخدمك. أنت يا صديقي تتصرف بعفوية أو بتلقائية في الأزمات وهذا جيد وغير جيد في نفس الوقت وما يحدد في أي إتجاه ستذهب بك الأزمة هو سلوكك أثنائها ومدى تماسكك أثنائها من عدمه. قراراتك التي تتخذها أثناء الأزمة ذات علاقة وطيدة بنمو وتطور الوعي لديك. فالأزمة التي تتعرض لها إن كانت متكررة فهذا يعني أنك لا تنمو ولا تتطور أبدا. أنت باقٍ في مكانك ولذلك أنت تعيد الإختبار في كل مرة والنتيجة معروفة مقدما، أنت راسب ويجب الإعادة في وقت لاحق. أما إن كانت الأزمة جديدة فهذا يعني أنك تتطور وما تطلبه من الدنيا لم تصل إلى درجة كفاءة عالية فيه تكفي لتجليه في عالمك وتحتاج بعض الدروس ليتأكد الكون أنك على قدر المسئولية التي قررت تحملها. قد تقول ولكنني لم أطلب الكثير؟ كل ما أردته هو الستر والعافية والسلامة من السوء. وهل تعتقد أن هذا شيء هين؟ أنت تقول أنك تريد السلام في عالم مليء بالوحشية والستر في وقت كل شيء فيه مفضوح والعافية في زمن الطعام المصنع والمغشوش والدواء الذي يجلب المرض أكثر من الصحة.
تلك الأمور البسيطة في زمن متقلب، زمن المصالح المتضاربة وخبراء التشويش والإحتيال والتدليس والمصالح الشخصية الضيقة يحتاج منك بعض الدروس التي يجب أن تتعلمها وتتقنها لتتمكن من العيش بسلام في هذا العالم المحموم. حسنا، ماذا لو كان ما تطلبه شيء أكبر كالثروة أو الجاه أو منصب مرموق أو أن تتحول إلى إنسان مؤثر وفاعل في المجتمع؟ هنا ستمر بأزمات أكبر وأكثر حدة. هل تريد أن تقول لي أن كل الناجحين والمؤثرين مروا بهذة الأزمات؟ لا، فليس الكل يحتاج للأزمات وليس الكل يعيش نفس التجربة ولكن لهم متاعبهم التي قد تختلف رغم أنهم بارعون في التعامل مع الأزمات. بعضهم مر بالأزمات وبعضهم لا يحتاجها لأنهم أساسا متمكنون من أنفسهم أثناء الأزمات. ما نحاول الوصول إليه الآن هو أنت. كيف تعرف أن قرارك في لحظة الأمة هو القرار المناسب؟
إليك الطريقة
إتبع الخطوات البسيطة التالية أثناء الأزمات لتكتشف الأنماط التي تتبعها وبالتالي تعرف كيف تتخلص منها. لنفرض أنك الآن تمر بأزمة، كيف تتصرف؟
١- بعد أن تهدأ حدة التوتر لديك. إجلس في مكان هادىء وتنفس بعمق بضعة مرات. تخيل أنك تدخل هواء نظيف وتخرج هواء ملوث حتى تصل للشعور بأن التلوث إنتهى
٢- حاول أن تتذكر أو تكتب. كيف شعرت عندما علمت بالأزمة؟ ماذا قلت؟ كيف تحركت؟ من إتهمت؟ ماذا تمنيت في حينه؟ ما هي أول فكرة خطرت على بالك؟
٣- بعد تذكر أو كتابة كل شيء. عد إلى الملاحظات التي كتبتها وإسأل نفسك. لو كان للزمن أن يعود كيف كنت سأجعل هذا السلوك أفضل؟ ما هي الأشياء التي من الممكن أن أقوم بها لتحسين الوضع؟ هل هذا الشعور يخدمني أن يعمل ضدي؟
٤- بعد أن تنتهي من كتابة ملاحظاتك، إسأل هذا السؤال. هل أنا فعلا جاد في تحسين الموقف أم فقط أريد أن أنتقم أو الوم الآخرين؟ خذ وقتك وكن صادقا مع نفسك. لا تنتقل إلى النقطة التي تليها ما لم تصل يقينا إلى أنك فعلا تريد أن تحسن الموقف.
٥- الآن وهذا هو قرارك الأكيد. ستبدأ بتحسين الموقف فعلا. أولا أوعد نفسك أنك لو حدث أمر مشابه أنك لن تتصرف كما تصرفت هذة المرة ولكنك ستتصرف بالطريقة المحسنة. هذا ضروري أن تعاهد نفسك عليه لأنه سيبقى في ذاكرتك ليخدمك لاحقا.
٦- قم بكل الأعمال التصحيحية التي توصلت إليها من الجلسة. مثلا أتحدث إلى إبني بهدوء. أو أسمح لصديقي أن يرحل بسلام، أو أن أرفع قضية غدا صباحا، أو أن أعتذر لفلان من الناس أو أن أستدعي السباك في الحال وهكذا حتى نهاية كل القرارات المعدلة.
أنت الآن إتخذت كل القرارات السليمة التي يجب عليك أن تأخذها في مثل هذة المواقف الصعبة. أنت الآن أقوى مما سبق وهنا إحتمالين. إما أن الأزمة ستتكرر في المستقبل ولكنك مستعد لها ولن تتضرر منها بل ستمضي بسهولة، أو أنها لن تتكرر وتكون قد إنتقلت لمرحلة وعي أكبر ولا تحتاج لتكرارها في حياتك.
هكذا أنت تتعامل مع أزمة أو أزمتين وبعدها لن تحتاج للجلوس والكتابة والمرور بكل تلك الخطوات لأنها ستبات طبعا فيك. بمجرد أن تلاحظ بوادر أزمة ستتوازن وتتماسك وتبدأ في التفكير فيها كأحجية جديدة وتحل طلاسمها في لمح البصر. لن يستغرق منك الأمر كثيرا من التفكير. أنت تعرف أن عليك أن تهدأ وتوازن مشاعرك وتحد من توترك وتبدأ بالتفكير بطريقة مختلفة تماما عما سبق. دعني أخبرك، الناس ستذهل من توازنك وقدرتك على مناورة المواقف الصعبة بهدوء وسلاسة. ستبدو كالمايسترو الذي يقود الأوركسترا بإشارة من عصاه.
إذا السؤال ليس كيف أتأكد بأني قد إتخذت القرار الصحيح، ولكن من أنا في الأزمات؟ والآن إقرأ المقال مرة أخرى وأنت مطمئن. هذا سيساعدك كثيرا.