لا يختلف اثنان على أن أغلب الكتابات التي نتصفحها في جرائدنا اليومية هي كتابات تتسم بالصرامة والجدية،إذا لم نقل عنها أنها ثقيلة الدم، حيثُ أضحى الاهتمام المتزايد والبحث المستمر عن المعلومة الجاهزة السريعة البسيطة المتداولة أكثر طلبا عن تلك التي تتسم بالسخرية اللاذعة والتي يسميها اهل الاختصاص بالكتابة الساخرة
هذا الفن الذي يتلاشى يوما بعد يوم إلا ما ندر في الاعمدة الصحفية الأسبوعية وحتى اليومية ،مع انه فن ليس وليد اليوم ، فالكتابة الساخرة ولدت من بطون التاريخ العربي منذ القدم وليست وليدة العصر الحديث ،كالمقامات التي كتبها الحريري وبديع الزمان الحمداني ، كتاب البخلاء للجاحظ وقد قال العرب قديماً شر البلية ما يضحك
السؤال الذي نطرحه ما مساحة السخرية وما مدى تقبل القارئ لهذا النوع من فنون الكتابة ؟
تعرف الكتابة الساخرة باختصار شديد أنها.. «تعكس صورة الواقع بجماله وقبحه.. ولكن بأسلوب مختلف عن الكتابة العادية في حين يرى علماء النفس أنها سلاح ذاتي يستخدمه الفرد للدفاع عن جبهته الداخلية ضد الخواء والجنون المطبق تشير بعض الدراسات إلى أهم أسباب تلاشي هذا النوع من فنون الكتابة هو ما أحدثته وسائل الاتصال،حيث شهدت خلال السنوات الأخيرة، طفرة كبيرة في الوصول إلى القارئ، إضافة إلى سرعة تداول المعلومة جعل المتلقي يبحث عن مزيد من المعلومات، التي تضاف إلى رصيده المعرفي،.، مما اثر ذلك سلبا في الاتجاه الذي يقرأ عنه وعلى نوعية الكتابة المرغوبة من قبله.
اما الميل الذي كان سائداً في متابعة الكتابات الساخرة، فقد نتج عن مسالتين :
الأولى : اختفاء رغبة المتلقي بالعثور على انتقادات حادة في الكتابات الصحفية، وإذا جاءت تلك الانتقادات بطريقة ساخرة، فإنها تكون أكثر قرباً إلى نفسية المتلقي، ، ومع اتساع مساحة الاهتمام بالمعلومة والتحليل، بدأ ينحسر الاتجاه الساخر بالكتابة.
الثانية : سيطرة الحياة الجادة على معظم شؤون الحياة، وزاد من تلك الجدية اجواء الحياة التي فرضت في ظل العشرية السوداء وما بعدها إضافة إلى انخفاض مستوى المعيشة والدخل الفردي، ، والذي أفضى إلى حياة يومية جادة، ووسط تلك الجدية، ظل الناس يبحثون عن أي شيء يحمل بين طياته، ما يرسم الابتسامة على وجوههم، وبأي طريقة كانت. بالرغم من وجود برامج فاكهية تبثها شبكات التلفاز في مختلف القنوات، فان الكتابة الساخرة قد شهدت انحساراً واضحاً على الأقل في الجزائر، وفرضت الكتابة الجادة حضوراً واسعاً .حفيظة