وفي ذلك اليوم حين عزمت على تنفيذ تلك الخاطرة التي بإلحاحها أجبرتني على إحالتها إلى قرار، حدث ما لم يكن في الحسبان .. ووجدتُني على غير تصميم أتأمل بما هو كائن وما هو قد كان ..
ورأيتُني أنتقي بطريقة معينة كنت أحسبها (منطقية) أحد الدفاتر المتاحة التي أملكها والتي لم تكن بالقليلة، فالاختيار الذي وقع لم يكن أبداً نتيجة الندرة ..
أردت أن أباشر الكتابة على ذاك الدفتر دون غيره .. كنت أحسب أنني اخترته بمحض إرادتي ولكنني .. فهمت عندما فتحت صفحاته ورحت أقلب بينها!
وعلى علمي وتفكيري المسبق بموضوع (الدوائر) خاصة في الأيام السابقة إلا أنني تفاجأت حقاً ..
حين فتحت الصفحة الأولى وقرأت ما كنت قد نسيت أني كتبته منذ سنتين بالضبط عندما قررت حينها نفس قراري الحالي وهو تدوين نشاطاتي ونظامي الغذائي اليومي كنوع من المراقبة بهدف الوعي بما أقوم به وآكله!
نفس التاريخ تماماً قررت ذات القرار وقمت بنفس الفعل!
ليس ذلك فحسب، فتلك (الصدفة) الغريبة أبت أن تنهي استفزازها الفكري لي هنا ..
بل أنها قامت بشحذ ذاكرتي مجدداً أثناء تصفحي وقراءتي لمحتوى إحدى الصفحات التي تم تدوين فيها قيامي ببعض تحاليل الدم، وعادت الدهشة تجول في خاطري .. حيث أني لم أكن أتوقع وأنا أنتظرموعد التحليل أن أقوم بنفس الفعل أيضاً بعد سنتين ولنفس الغرض أيضاً!
قصة قصيرة ولكنها لم تنتهي بعد .. فقد كان ذلك الدفتر صديقاً رسولاً حمل لي الإشارة ولكننا لا نحظى دائماً بإشارات مدوّنة، ولا أدري ما فهمته من الأسطر السابقة ولكن صدقني ربما يكون القصد أعمق مما تخيل..
ولكن قبل إثارة التساؤلات .. أود أن أشرح ما قصدته بكلمة (دوائر) ..
بدأ الموضوع منذ سنوات طويلة حين بدأت بمراقبة المحيط حولي، وقد طغى حينها الاستغراب الغير مدعوم بالفهم الدقيق على ملاحظاتي نظراً ربما لصغر سني .. كنت لا أفهم حقاً لما من هم حولي يعاودون التصرف بطريقة معينة تجاه حدث معين ويحصلون على نتائج يعاودن الحصول عليها لتكرارهم التصرفات ذاتها!
كنت حقاً أعاني في فهم عقلية المرأة مثلاً التي تغضب من زوجها لمعاودة تكرار تصرفه الذي يعاود إزعاجها به، فتكرر ردة فعلها ذاتها وفي كل مرة تتوقع نتائج مختلفة!
كنت أمقت أصحاب المعتقدات المعلبة وأقف أمام حدودهم الفكرية محاولة استدعاء فهم لما يدور في عالمهم، إلى أن أتاني الفهم على هيئة تشبيه .. فما أشبههم لي بالدائرة!
إذا ما رسمنا دائرة فنحن لا بد وأن نعود إلى النقطة الأولى التي بدأنا بها وبذلك نغلق تلك الدائرة إلى الأبد وكذلك هي عقولهم وما تحتويه ..
أما الآن .. وكأني أعيد ملاحظات الأمس ولكن هذه المرة ما أراقبه ليس عقولهم ولكنه عقلي ..
و إسقاط العقل على شكل الدائرة لم يعد دقيقاً كما كان .. فالعقل أعظم من ذلك وعظمته لا تتجلى من قدرته ودوره فحسب، بل في ندرته أيضاً .. حيث أنني أعلم الآن أن ما كل مانطلق عليه عقلاً هو بالعقل، كما الروح والنفس من تلك المعاني العظيمة التي على ما يبدو أننا نجهلها حقاً لجهلنا بأنفسنا ..
ولكن ما زال هناك ما يفرض وجوده على فهمي ويأتيني في تأمله على شكل دائرة .. أهو نظام مثلاً؟
وهنا لا بد أن يتبع السؤال السؤال وفي حضرتهم أنوي أن أنهي هذا المقال ..
فإذا ما بدأت بالملاحظة أدعوك إلى الالتفات لهذي التساؤلات:
هل نحن محكومون بالدوائر؟
هل نحن عبيد لقوة ما تتحكم بنا؟
هل هو القدر؟
هل هو النصيب؟
هل هو الله؟
ما هذا الذي يسيرنا خاضعين له بلا حول ولا قوة منا؟
وهل خضوعنا ذاك وجبروته صحيح في المقام الأول؟
أما بيت القصيد .. فهل من مخرج وانفلات؟
كيف إذن نخرج من تلك السطوة والهيمنة؟!
ربما لم يحن الوقت للجواب بعد، ولكن السؤال لا بد وأن يفتح باب الاختيار ..
دوائر مغلقة نريدها؟ .. أم دوائر حلزونية تتصاعد نحو الأعلى ..
وفي التصاعد امتداد واتساع .. وانفراج بعد انغلاق ..
والآن بالنسبة لي قد لاح الخيار وبان .. أما وإن كنت ما زلت من المترددين ..
فنصيحةٌ مني خذها: "اخرج إني لك من الناصحين"