كيف تبنى ثقافة الشعوب؟ كلها تبدأ بقصة بسيطة تتطور عبر الزمن حتى يعتقد الناس أنها حقيقة، ثم بعدها تبدأ ثقافة تبرير اللا معقول.
إعتمدت ثقافة الشعوب على القصة المتناقلة شفهيا. هكذا تبدأ كل الثقافات. شخصية من القرية تظهر القوة أو الشجاعة أو الكرم أو الصلاح فيعجب بها الناس كثيرا ويتخذونها مثلا. إلى هنا كل شيئ طبيعي فمن منا لا يتمنى أن يكون صاحب الفضل والمكانة والمنقذ لقريته؟
الناس التي عاصرت الشخصية تراها كما هي، مجرد إنسان نزيه، نبيل، قوي، محترم، منصف، عادل، إلخ ،،، وهذا الطبيعي والمتوقع.
ثم يأتي من بعدهم جيل لم يعاصر الشخصية لكن سمع بها من أهله. سمع الطيب والجميل والرائع والمتفوق، فيعتقد أنها شخصية مثالية لا عيب فيها. ولشدة إعجابه بتلك الشخصية المثالية التي قدمت أروع صورة للإنسان النقي الصالح الذي قام بأعمال عظيمة من أجل الأجيال اللاحقة، يبدأ بإضافة فكرة بسيطة. ٩٠٪ حقيقة و ١٠٪ مبالغات أو أمنيات أو حكمة قد تستفيد منها الأجيال اللاحقة.
بعدهم يأتي جيل، يأخذ كل شيئ ويضيف عشرة بالمئة من عنده وهكذا تستمر القصة وتأخذ زخمها وتكبر وتكبر بمرور الزمن إلى أن تصبح قصة خيالية ليس فيها صحيح إلا إسم صاحبها. الآن وصل الناس إلى قصة بطولية ملحيمة خالدة لم تحدث إلا في خيالهم مع حقيقة واحدة وهي الإسم فقط.
ثم يأتي شخص مفكر يرفض القصة ومبالغاتها، فتنهض له مجموعة من المدافعين عن القصة وصاحبها ولتأكيد صدقها يبدأون بإضافة صفات خارقة للبطل. له كرامات، يعرف الغيب، يسمع دبيب النملة، دعوته مجابة، نظرته تحرق الأعداء، يشفي المريض بلمسة وهكذا بلا توقف.
لكن القصة تستمر والكل يصدقها لأن الكل يتمنى لو يملك عشر تلك القدرات. هنا حيث تتحول القصة إلى شخصية مقدسة يمنع منعا باتا التشكيك فيها ولتأكيدها تبدأ سلسلة متلاحقة من التعديلات والإضافات مع إختراع قصص مساندة ومواقف مساعدة وروايات تاريخية مزورة لإثبات القصة التي لم تحدث.
تنشأ حول ذلك ثقافة كاملة حول تلك القصة وتداعياتها والدروس المستفادة منها وهناك من يدافع وهناك من يفسر وهناك من يبرر منطقيا ويستشهد بكل ما يمكنه الإستشهاد به من الحياة ومن الطبيعة وحياة الحيوان والحشرات. لقد أصحت نسيجا عظيما لا تعرف بدايته من نهايته فيه قصص ومرويات وتفاسير ودروس كلها تدعم تماسكه.
ثم تصبح القصة دينا وحينها تبدأ مرحلة جديدة من ثقافة الشعب حيث البشر ليسوا بشر وإنما خوارق للعادة.