أحيانا يشعر الإنسان أنه محاصر وتشتد الأزمات ويقترب من اليأس، عندها ترى بريق أمل يلوح من الأفق ليجعله يستمر ويحاول من جديد
في قصة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند عودته من الطائف حزينا منكسرا بعد أن جحده الناس واذوه وادموه وكان الأذى النفسي أشد واقسى من جروح جسده حيث شعر أن الدنيا ضاقت عليه حيث دعا قائلا : "اللّهُمّ إلَيْك أَشْكُو ضَعْفَ قُوّتِي ، وَقِلّةَ حِيلَتِي ، وَهَوَانِي عَلَى النّاسِ، يَا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ ! أَنْتَ رَبّ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبّي ، إلَى مَنْ تَكِلُنِي ؟ إلَى بَعِيدٍ يَتَجَهّمُنِي ؟ أَمْ إلَى عَدُوّ مَلّكْتَهُ أَمْرِي ؟ إنْ لَمْ يَكُنْ بِك عَلَيّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِي ، وَلَكِنّ عَافِيَتَك هِيَ أَوْسَعُ لِي ، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِك الّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظّلُمَاتُ وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْ أَنْ تُنْزِلَ بِي غَضَبَك ، أَوْ يَحِلّ عَلَيّ سُخْطُكَ، لَك الْعُتْبَى حَتّى تَرْضَى ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوّةَ إلّا بِك"[ابن هشام 1/ 420] بينما هو سائر في طريقه بعد أن مشى أميالا بقدميه الشريفتين ودماؤه تسيل وقلبه جريح لجأ لبستان فكانت القصة التالية : فلما رآه ابنا ربيعة ، عتبة وشيبة ، وما لقي ، تحركت له رحمهما ، فدعوا غلاما لهما نصرانيا ، يقال له عداس ، فقالا له : خذ قطفا ( من هذا ) العنب ، فضعه في هذا الطبق ، ثم اذهب به إلى ذلك الرجل ، فقل له يأكل منه . ففعل عداس ، ثم أقبل به حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال له : كل ، فلما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه يده ، قال : باسم الله ، ثم أكل ، فنظر عداس في وجهه ، ثم قال : والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ومن أهل أي البلاد أنت يا عداس ، وما دينك ؟ قال : نصراني ، وأنا رجل من أهل نينوى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قرية الرجل الصالح يونس بن متى ، فقال له عداس : وما يدريك ما يونس بن متى ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك أخي ، كان نبيا وأنا نبي ، فأكب عداس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل رأسه ويديه وقدميه قال : يقول ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه : أما غلامك فقد أفسده عليك . فلما جاءهما عداس ، قالا له : ويلك يا عداس مالك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه ؟ قال : يا سيدي ما في الأرض شيء خير من هذا ، لقد أخبرني بأمر ما يعلمه إلا نبي ، قالا له : ويحك يا عداس ، لا ، يصرفنك عن دينك ، فإن دينك خير من دينه
كم هي لطيفة هذه الحادثه كيف سرى الله عن قلب رسوله ورد له ثقته بنفسه أن بعث له هذا الرجل ليقبل يديه وقدميه بعد أن رفضه الناس، كثيرا ما يثقل الناس على الواحد منا ويغلو بمهاجمته والحط من قيمته واحيانا لا يفعلوا ذلك لضرورة إلا للتسلية، فاعلم أن الله لن يتركه وسيرسل له من يكلئ جرحه ويرفع من معنوياته، وكم هم جميلون هؤلاء الأشخاص الذين يأتون في الأزمات ليرفعوا معنوياتنا هم كنسائم الربيع ولا يقتصر تاثيرهم على رفع المعنويات فقط بل هم يدفعوا بالإنسان لينطلق ويعود ليسيرعلى دربه ويمضي لتحقيق غايته، لذلك قال رسول الله صلى الله الكلمة الطيبة صدقة وتبسمك في وجهه أخيك صدقة، ريما لأن ما تعطيه لاخيك عند رفع معنوياته أثمن وأهم من أموال الدنيا، فعندما ترتفع المعنويات وتتحسن المشاعر ينطلق الإنسان لتحقيق أهدافه ويجذب بهذه المشاعر الايجابية السعادة والمال والنجاح.
فالنحاول أن نقتنص كل فرصة لنكون من هؤلاء الاشخاص الطيبين الذين يدواون الجراح ويرسلون طاقة الفرح والمعنويات العالية في الآخرين