سمعتم كثيرا عن فكرة عيش اللحظة هل سمعتم في يوم من الأيام عن قيمة اللحظة؟
في هذا المقال بإذن الله سنفهم موضوع مهم في حياة الإنسان المؤمن و هو قيمة اللحظة
عندما خلق الله الدنيا بكل لحظاتها الجميلة و القبيحة جعل قيمة هذه اللحظات في ذكره و كفى، لأن اللحظة في حد ذاتها لا تساوي عند الله جناح بعوضة و كلما تمكن الإنسان من استحضار الله في قلبه و التفكير فيه في كل لحظاته الدنيوية كلما زادت قيمة هذه اللحظات في حياته و زادت بصيرته و تمكن من إدراك القوة و العلم و الغنى و العزة و الرحمة و الألفة بطرق بسيطة جدا و غير متعبة
لنفترض هذه اللحظات في حياتك :
+ أصابك مرض في جسمك جعلك عاجز عن الحركة، المرض في حد ذاته لحظة لا قيمة لها، القيمة الحقيقة توجد في قلب الإنسان و ليس في قلب اللحظة نفسها، هل هذه اللحظة أنستك الله أم كنت وسط تلك اللحظة تفكر في الله و تكبره فوق مرضك و فوق أحداث حياتك؟ إن كنت تذكر الله فأنت هنا ستفوز فوزا عظيما و ستزداد فرصتك لإدراك الشفاء و اختفاء كل أنواع الأمراض في حياتك بقدرة كن فيكون
+ تزوجت فتاة تحبك و تحبها، هذه اللحظة في حد ذاتها لا تساوي عند الله جناح بعوضة، و لكن في لحظة زواجك بها هل أنستك لحظتك الله عز و جل أم أن قلبك كان منغمس في التفكير في الله و الإحساس به؟ تفكيرك في الله وسط تلك اللحظة الجميلة في حياتك هو القيمة الحقيقية لتلك اللحظة في حياتك
+ لديك مشاكل و مشاغل في أسرتك و في عملك، مشاكلك و مشاغلك اللحظية في عملك و أسرتك لا تساوي عند الله جناح بعوضة، و لكن استحضارك لله في تلك اللحظات و تكبيره فوق مشاكلك و مشاغلك سيجعلك تعيش سعادة لا مشروطة و أمان لا متناهي، لأن تفكيرك في الله هو أكبر خير يمكن أن تقدمه لنفسك و للعالم
و هكذا إلى ما لا نهاية من اللحظات التي ستعيشها في حياتك الدنيا، ذكر الله أهم فعل يمكن أن يتدرب عليه الإنسان طيلة حياته، عليك أن تصل لمرحلة قلبية تصبح فيها كل لحظات حياتك لا قيمة لها أمام ذكرك لله و استشعارك لعظمته و قوته و قدراته
آيات كثيرة في كتاب الله تحدثت عن ذكر الله و عن أهميته، في الأسطر القادمة سأنير قلبك لأهمية ذكر الله :
ذكر الله هو صفة دائمة ترافق أولي الألباب، حتى تصبح من أولي الألباب الذي يفهمون كل شيء و يدركون عمق كل شيء في حياتهم الشخصية و في حياة الناس أيضا، فلابد أن تتعلم ذكر الله
✔ يقول الله عن أولي الألباب : "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ"
نستخلص من الآية الكريمة أنه واجب على الإنسان أن يذكر الله (أي تفكر في الله و تكبره في قلبك و تنشغل به عن من سواه) في كل حالاته و لحظاته و هو قائم و هو قاعد و هو على جنبه لأن هذه هي الطريقة الوحيدة لفهم الحياة و التقدم في الحياة بشكل يصلحك من الداخل و من الخارج
✔ يقول الله عن الذكر أيضا : "أذكروني أذكركم"
كثير من البشر يعانون من وساوس تبعدهم عن الفكر السليم و الإحساس السليم و السعي السليم، كل يوم من أيامك هو فرصة جديدة لتزيد من نقاء فكرك و إحساسك و سعيك، و لكن هذا لن يتحقق إلا عندما سيذكرك الله، أن يذكرك الله معناها أن يُذَكِّرك الله بما نسيته خلال فترات عيشك في هذه الحياة الدنيا، أن يذكرك الله معناها أن يزيل الألم من فكرك و مشاعرك و سعيك، أن يذكرك الله معناها أن تعود إلى فطرته و ينزل عليك الروح و تستقيم حياتك أكثر فأكثر ... و هذا لن يحصل إلا عندما ستذكر أنت الله
قسوة القلب و سرعة الغضب و كثرة الإستعجال و الرعب كلهم أمراض ناتجة عن فقدان الصلة الخالصة التي تجمع العبد بربه، و في الغالب تظهر هذه القسوة بسبب طغيان الدنيا على القلب و اشتهاء مرضي في الحصول على أمور و تغيير مسائل غير متوفرة في اللحظة الحالية، عندما نتعلم ذكر الله كما يجب تختفي الأمراض القلبية بشكل تلقائي و يعود التوازن في حياة الإنسان
✔ يقول الله عن قسوة القلوب : "أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ"
أهل الكتاب في عصرنا الحالي و خصوصا المسلمين يعانون من قسوة القلوب و هذا لأنهم يعبدون الدنيا و لم تخشع قلوبهم بعد إلى ذكر الله، حتى المتشددين فكريا و دينيا و الذي يتحدثون عن الله دائما وسط الناس و وسط عائلاتهم هم أيضا بعيدين جدا عن التطبيق السليم لذكر الله، و لن تتحسن حياة أهل الكتاب و لن تلين قلوبهم إلا عندما سيمتلأ فكرهم بالله و سيعرفون الله كما يجب و سيؤمنون به إيمانا خالصا و طاهرا و سيقدرونه حق قدره ... المهم في الموضوع هو أن لا تكترث كثيرا لما يفعله الناس و يقوله الناس، بل اسعى جاهدا أن تعيش لحظاتك و أنت منغمس في ذكر الله هكذا ستطيب الحياة في قلبك و سمعك و بصرك و عقلك كثيرا كثيرا كثيرا
هدف الشيطان و الذي جعل من نفسه عدو للبشرية هو أن يضعك في حالات نفسية تعجز فيها عن الإحساس بخالقك و تنفر من هذه علاقة من الأساس
✔ يقول الله عن الشيطان : "اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ"
حتى لا يستوحذ و يسيطر عليك الشيطان و تكون من الخاسرين ركز مع قلبك و اسعى جاهدا أن تجعل الله هو أكبر هم في حياتك على هذه الأرض
⁉️ سؤال : كيف أحقق ذكر الله بشكل قوي بداخل قلبي و لا أسمح للحظات الحياة الدنيا أن تنسيني خالقي و تنسيني مع ذلك نفسي؟
اسعى أن تجعل أوقات فراغك و البعيدة عن أشغال حياتك مخصصة لزيادة الإيمان بربك (صلي، راجع فكرك، راجع عيوبك، راجع الأمور و الأشخاص الذين طغوا فوق إحساسك بربك) ... هكذا سيبدأ الله عز و جل يعينك على إفراغ قلبك من الدنيا أثناء سعيك و حركتك وسط الناس و وسط المشاغل و الواجبات و المشاكل اليومية
أعتقد أنكم فهمتم الموضوع جيدا، اسعوا قدر استطاعتكم على الصدق في تطبيق هذا الكلام، و الله سيسهل لكم ذلك لأن التوفيق و اليسر كله يأتي منه سبحانه و تعالى
و تذكر أن جمالية الحياة ليست في عيش اللحظة و لكن في إدراك قيمة اللحظة عن طريق ذكر الله عز و جل بشكل خالص
رحلة ذكر الله أهم رحلة في حياة الأفراد و المجتمعات و هي رحلة تبدأ من القلب و تنتهي في القلب، فاستثمر من فكرك و مشاعرك و جهدك و أموالك خلال السنوات القادمة لجعل الله هو المصدر الوحيد لسعادتك و أمنك و غناك و عزتك في حياتك الدنيا و الآخرة و هو بالفعل كذلك
سعيا موفقا و أعانكم الله على ذلك