ماء السّماء

»  ماء السّماء
شكرا لزيارتك! المحتوى متوفر بعد تسجيل الدخول
تسجيل جديد
مدة القراءة: 4 دقائق

اختبرت صراعات مريرة في الأيام الماضية ..

والآن وقد لاح طيف التشافي .. ظهر صوت الروح على استحياء وأشار لي بما قد أودى بتدهور حالي الذي إن سؤلت عن وصفه لما وجدت أقرب من تشبيهي بمحارب قد عاد من ساحة المعركة مضرّجاً  بدمائه ..

Weight loss product

ذاك المحارب يعاني الكسور من غير عظام والجروح من غير دماء .. وفي كل نقطة من جسده الخفي موضع ألم ما إن اقترب من لمسه حتى تعالت الصرخات والأنّات وانهمرت الدموع بالبكاء ..

اقتربتُ إلى المرآة لألقي نظرة على ذاك الجريح .. فما وجدت سوى عينين ذابلتين قد حجب بريقيهما سحابة داكنة توشك أن تمطر عَبَرات حزينة .. أما باقي الجسد فقد كان سليماً ولا أثر لتلك الجروح والكدمات النازفة ..

تجاهلت المشهد المادي وغصت في الأعماق، ورأيت ذاك الجريح مستلقياً في أرض المعركة التي اكفهرت لسوء حاله ونالت ألماً من آلامه ..

تلك الأرض التي شهدت الحرب كانت نفسي .. وذاك المحارب كان ابناً باراً لها .. والعدو لم يكن غريباً هذه المرة ..

هذا المتمرّد أبى إلا أن يتمسك بآلامه القديمة وقد رفض دعوات التخلي .. وقبل أن يشنّ الحرب على طريقته، قاده مكره إلى حجب صوت الروح ونفيها إلى مكان قصيٍّ في بروج مشيّدة .. وما إن اطمئن على غيابها حتى شرع بتنفيذ خططه، وقد اتخذ المكر وسيلة للإيقاع بإخوته وجرّهم إلى تلك الحرب التي دفعت النفس ثمنها غالياً اضطراباً وحزناً ..

منذ أيام قليلة .. سمعت هاتفاً بداخلي ينادي بأوان شفاء جروح عميقة قديمة، وفي سهوة مني أثناء تلبيتي للنداء كان (الايجو) قد سرق مني القيادة على غفلة .. وفي قيادته حقد ومكر وفي أسلحته غضب ونار ..

اتخذ من البراكين الخامدة بداخلي جيشاً وعوناً .. فقام بإثارتها لإحيائها فانفجرت وامتدت .. والنار الحالكة انتشرت .. وفي ذلك خطر  قائم .. فالنار عنصر حي، وإذا ما كان وقوده الغضب والانتقام فالدمار وشيك والهلاك بيّن في نهاية الطريق .. فكان لابد من إيقافها قبل أن تنجب الكارثة كوارث وقبل أن يبدأ هبوط الوعي على غير وعي ..

محارب النور بداخلي قد استيقظ وقد حمل على عاتقه مهمة التأديب، وفي طبعه حزم وفي تأديبه صرامة .. فهو لحكمته أدرك أن القوة هي أداته لقمع تلك الثورة الجاهلة المقادة ب (أنا) متكبرة قبل أن يأتيها المدد الخارجي على غباء منها  وتستجلب الاحتلال ..

وبفضل من الله وثواب على عمل استمر لسنوات في التطهير، كانت حصون المناعة عندي قوية وبذلك انحصرت المعركة في الداخل .. وعلى الرغم من محليّتها إلا أنها كانت حامية الوطيس فقد تمكنَتْ من إضعافي و تنحيتي جانباً .. فما استطعتُ التدخل لمساندة محارب النور واكتفيت بالمراقبة وأنا أتوجع لأوجاعه وأنزف لجروحه وأحترق لحروقه ..

وكيف لا أتألم وأنا اختبرُني أتحارب معي!

وكيف لا أحزن وأنا أتابع صراع أجزائي وتمزّق أشلائي!..

كان التعب قد نال مني وأضحى السرير ملجأً لهمي، والمعدة قد أضربت ورفضت الغذاء واكتفت بطلب الماء ..

نعم .. الماء .. كيف غفلتُ عن هذا .؟!

الآن فهمتُ الدواء ..

الماء يخمد النار .. فليكن وسيلتي لرفع البلاء ..

استكثرت من شرب الماء ومن داخلي استجمعت طاقتي أخيراً على وهنٍ لطلب النداء، فسألت ذاتي العليا أن تبني لي في كائني مكاناً للجوء والشفاء ..

دخلت نقطة اللجوء قبل النوم، وقد كان مكاناً رطباً بارداً في مساحة خضراء ..

وقبل أن أغطّ في النوم دعمت الماء بالماء، وقدم لي عالم المادة عوناً على هيئة أنغام الخرير .. كم كانت مهدّئة للأعصاب وعلى صوتها غلبني النعاس لأعاود الكرّة في اليوم المقبل ..

مازال التعب هو المسيطر والحزن هو السائد على حالي، أما عن  وقع المعركة في داخلي فما أصعب وصفه في مقالي ..

كان من الممكن في غير أحوال أن ألجأ لأساليب أكثر جدوى ولكن الآن كيف ذلك وقد انقطع الاتصال؟!

إلى أن حل المساء وفي محاولة أخرى للسكون طرق بابي السؤال ... لماذا المقاومة؟

نعم .. صحيح فقد كنت أرفض ما يحصل لي وأتساءل عن أسبابه، بل وأزداد تمسكاً بالأذى الذي تعرضت له في الماضي وكل ذلك رفض ومقاومة .. فأعلنت التقبل والقبول ورفعت راية الاستسلام والتسليم ..

ليلة أخرى قضيتها في مكان اللجوء مع أنغام الماء وإذ بي في الصباح أستشعر بعضاً من سكينة .. إنه صوت الروح ينساب إلى مسمعي على استحياء ..

الآن أدركت ما كنت أفتقده في الأيام الماضية والآن علمت عن قصة المتحاربين التي لم أكن أدرك منها سوى مشاعر الضيق المدعومة بآلام قديمة ..

لم تكتفِ الروح بشرح القصة وإنما تكرّمت علي بالسر والعبرة :

"هل تعتقدين يا صغيرتي أن الايجو يقوى على تنحية الروح وحجب صوتها؟!

بالتأكيد لا .. ولكنكِ أنت قررتي في لحظات من الغفلة  أن تنحازي للإيجو و توحدتِ معه وقد احترمتْ الروح تلك الرغبة وانسحبتْ .. ولانغماسك بما يحدث، تراكمت طبقات من السلبية أدت إلى قطع الاتصال ...

هناك تقنيات نفسية للتعامل مع جروح الماضي تباع هنا وهناك ولكنها ليست بالحق في كل الحالات .. حيث أن علم النفس وما يشابهه بمعظمه يدرس الإيجو وخصائصه، وبالتالي تقنياته تدعم الإيجو وتغذيه وذاك ليس بنافع لمن استطاع أخيراً الاتصال بالروح ففي تلك التقنيات وهم بل وخبث و دجل في بعض الأحيان إذا ما حملت النفس مهمة الشفاء لوحدها غير مدعومة بالروح .."

وهنا أدركت خطئي وتساءلت عن النصيحة التي كنت لحصلت عليها لو أنني طلبتها في أيام الصراع .. فأتتني الحكمة على لسان الروح..

" شفاء الجروح يتم بلحظة تخلي .. وفي التخلي التجلي ..

لحظة تسامي عن الألم لا تكبر ولا عناد فيها كفيلة بردعه قبل أن تتضاعف طاقته ويعاود ترسخه من جديد .."

 

والآن أردد وللروح امتناني .. الحمدلله على ما اعتراني ..

فأرضي التي تزلزلت الآن قد أدركت و لحكمة الرّوح سجدت .. والريادة لها سلّمت ..

وبابتسامة رضا يعلوها الهناء .. أنهي قصتي ومقالي .. مطمئنة على حالي ..

بعدما أتاني المدد ماءً ..  ماءَ السماء ..

  • أفضل منصة تداول
  • مقالاتي المفضلة

    • لم يعثر على أي تفضيلات
  • تعلّم الإنجليزية بسرعة

    تعلّم الإنجليزية بسرعة

  • شبكة أبرك للسلام - جميع الحقوق محفوظة
    Developed by WiderSite

    ماء السّماء

    مدة القراءة: 4 دقائق

    اختبرت صراعات مريرة في الأيام الماضية ..

    والآن وقد لاح طيف التشافي .. ظهر صوت الروح على استحياء وأشار لي بما قد أودى بتدهور حالي الذي إن سؤلت عن وصفه لما وجدت أقرب من تشبيهي بمحارب قد عاد من ساحة المعركة مضرّجاً  بدمائه ..

    ذاك المحارب يعاني الكسور من غير عظام والجروح من غير دماء .. وفي كل نقطة من جسده الخفي موضع ألم ما إن اقترب من لمسه حتى تعالت الصرخات والأنّات وانهمرت الدموع بالبكاء ..

    اقتربتُ إلى المرآة لألقي نظرة على ذاك الجريح .. فما وجدت سوى عينين ذابلتين قد حجب بريقيهما سحابة داكنة توشك أن تمطر عَبَرات حزينة .. أما باقي الجسد فقد كان سليماً ولا أثر لتلك الجروح والكدمات النازفة ..

    تجاهلت المشهد المادي وغصت في الأعماق، ورأيت ذاك الجريح مستلقياً في أرض المعركة التي اكفهرت لسوء حاله ونالت ألماً من آلامه ..

    تلك الأرض التي شهدت الحرب كانت نفسي .. وذاك المحارب كان ابناً باراً لها .. والعدو لم يكن غريباً هذه المرة ..

    هذا المتمرّد أبى إلا أن يتمسك بآلامه القديمة وقد رفض دعوات التخلي .. وقبل أن يشنّ الحرب على طريقته، قاده مكره إلى حجب صوت الروح ونفيها إلى مكان قصيٍّ في بروج مشيّدة .. وما إن اطمئن على غيابها حتى شرع بتنفيذ خططه، وقد اتخذ المكر وسيلة للإيقاع بإخوته وجرّهم إلى تلك الحرب التي دفعت النفس ثمنها غالياً اضطراباً وحزناً ..

    منذ أيام قليلة .. سمعت هاتفاً بداخلي ينادي بأوان شفاء جروح عميقة قديمة، وفي سهوة مني أثناء تلبيتي للنداء كان (الايجو) قد سرق مني القيادة على غفلة .. وفي قيادته حقد ومكر وفي أسلحته غضب ونار ..

    اتخذ من البراكين الخامدة بداخلي جيشاً وعوناً .. فقام بإثارتها لإحيائها فانفجرت وامتدت .. والنار الحالكة انتشرت .. وفي ذلك خطر  قائم .. فالنار عنصر حي، وإذا ما كان وقوده الغضب والانتقام فالدمار وشيك والهلاك بيّن في نهاية الطريق .. فكان لابد من إيقافها قبل أن تنجب الكارثة كوارث وقبل أن يبدأ هبوط الوعي على غير وعي ..

    محارب النور بداخلي قد استيقظ وقد حمل على عاتقه مهمة التأديب، وفي طبعه حزم وفي تأديبه صرامة .. فهو لحكمته أدرك أن القوة هي أداته لقمع تلك الثورة الجاهلة المقادة ب (أنا) متكبرة قبل أن يأتيها المدد الخارجي على غباء منها  وتستجلب الاحتلال ..

    وبفضل من الله وثواب على عمل استمر لسنوات في التطهير، كانت حصون المناعة عندي قوية وبذلك انحصرت المعركة في الداخل .. وعلى الرغم من محليّتها إلا أنها كانت حامية الوطيس فقد تمكنَتْ من إضعافي و تنحيتي جانباً .. فما استطعتُ التدخل لمساندة محارب النور واكتفيت بالمراقبة وأنا أتوجع لأوجاعه وأنزف لجروحه وأحترق لحروقه ..

    وكيف لا أتألم وأنا اختبرُني أتحارب معي!

    وكيف لا أحزن وأنا أتابع صراع أجزائي وتمزّق أشلائي!..

    كان التعب قد نال مني وأضحى السرير ملجأً لهمي، والمعدة قد أضربت ورفضت الغذاء واكتفت بطلب الماء ..

    نعم .. الماء .. كيف غفلتُ عن هذا .؟!

    الآن فهمتُ الدواء ..

    الماء يخمد النار .. فليكن وسيلتي لرفع البلاء ..

    استكثرت من شرب الماء ومن داخلي استجمعت طاقتي أخيراً على وهنٍ لطلب النداء، فسألت ذاتي العليا أن تبني لي في كائني مكاناً للجوء والشفاء ..

    دخلت نقطة اللجوء قبل النوم، وقد كان مكاناً رطباً بارداً في مساحة خضراء ..

    وقبل أن أغطّ في النوم دعمت الماء بالماء، وقدم لي عالم المادة عوناً على هيئة أنغام الخرير .. كم كانت مهدّئة للأعصاب وعلى صوتها غلبني النعاس لأعاود الكرّة في اليوم المقبل ..

    مازال التعب هو المسيطر والحزن هو السائد على حالي، أما عن  وقع المعركة في داخلي فما أصعب وصفه في مقالي ..

    كان من الممكن في غير أحوال أن ألجأ لأساليب أكثر جدوى ولكن الآن كيف ذلك وقد انقطع الاتصال؟!

    إلى أن حل المساء وفي محاولة أخرى للسكون طرق بابي السؤال ... لماذا المقاومة؟

    نعم .. صحيح فقد كنت أرفض ما يحصل لي وأتساءل عن أسبابه، بل وأزداد تمسكاً بالأذى الذي تعرضت له في الماضي وكل ذلك رفض ومقاومة .. فأعلنت التقبل والقبول ورفعت راية الاستسلام والتسليم ..

    ليلة أخرى قضيتها في مكان اللجوء مع أنغام الماء وإذ بي في الصباح أستشعر بعضاً من سكينة .. إنه صوت الروح ينساب إلى مسمعي على استحياء ..

    الآن أدركت ما كنت أفتقده في الأيام الماضية والآن علمت عن قصة المتحاربين التي لم أكن أدرك منها سوى مشاعر الضيق المدعومة بآلام قديمة ..

    لم تكتفِ الروح بشرح القصة وإنما تكرّمت علي بالسر والعبرة :

    "هل تعتقدين يا صغيرتي أن الايجو يقوى على تنحية الروح وحجب صوتها؟!

    بالتأكيد لا .. ولكنكِ أنت قررتي في لحظات من الغفلة  أن تنحازي للإيجو و توحدتِ معه وقد احترمتْ الروح تلك الرغبة وانسحبتْ .. ولانغماسك بما يحدث، تراكمت طبقات من السلبية أدت إلى قطع الاتصال ...

    هناك تقنيات نفسية للتعامل مع جروح الماضي تباع هنا وهناك ولكنها ليست بالحق في كل الحالات .. حيث أن علم النفس وما يشابهه بمعظمه يدرس الإيجو وخصائصه، وبالتالي تقنياته تدعم الإيجو وتغذيه وذاك ليس بنافع لمن استطاع أخيراً الاتصال بالروح ففي تلك التقنيات وهم بل وخبث و دجل في بعض الأحيان إذا ما حملت النفس مهمة الشفاء لوحدها غير مدعومة بالروح .."

    وهنا أدركت خطئي وتساءلت عن النصيحة التي كنت لحصلت عليها لو أنني طلبتها في أيام الصراع .. فأتتني الحكمة على لسان الروح..

    " شفاء الجروح يتم بلحظة تخلي .. وفي التخلي التجلي ..

    لحظة تسامي عن الألم لا تكبر ولا عناد فيها كفيلة بردعه قبل أن تتضاعف طاقته ويعاود ترسخه من جديد .."

     

    والآن أردد وللروح امتناني .. الحمدلله على ما اعتراني ..

    فأرضي التي تزلزلت الآن قد أدركت و لحكمة الرّوح سجدت .. والريادة لها سلّمت ..

    وبابتسامة رضا يعلوها الهناء .. أنهي قصتي ومقالي .. مطمئنة على حالي ..

    بعدما أتاني المدد ماءً ..  ماءَ السماء ..

    رأيك مهم، شارك بفكرة تثري تجربة الآخرين