هذا السؤال يتردد كثيرا. ماذا بعد الوعي والتطور الروحي؟ الآن أنا أنتهيت من كل عمليات التطهر الروحي التي قيل بأنها ستأخذني لمستوى أعلى من الوعي، لكن لا أعرف ما الذي أستطيع القيام به الان؟ في الحقيقة لست الوحيد الذي يشعر بهذا. إنها صفة عامة يشترك فيها الكثير من الناس في جميع تخصصات الحياة وهي ليست حكرا على الواعين وعلى أصحاب الوعي. أصحاب الوعي يكونون أكثر تحسسا للمرحلة الجديدة التي دخلوها خصوصا بعد أن أنفقوا وقتا طويلا في إصلاح ذواتهم وإقتربوا من حقيقتهم أكثر من غيرهم. من الطبيعي جدا أنهم أكثر حساسية من الوضع الجديد وأشد تأثرا من غيرهم.
يجب أن نعرف أن الواعي شخص متفوق على سواه لناحية إستشعار الخلل وهذا إن لم يتم ترجمته بشكل صحيح سيؤدي إلى فقدان الواعي لإيمانه بكل ما قام به وآمن به يوما. هذا لاحظته في كثير من الواعين الذين فجأة إنهاروا وتراجعوا عن كل شيء، ليس واحد أو إثنان بل مجاميع فجأة تقرر ترك الوعي ونبذ الحياة الجديدة التي حررتهم من قيود ما كانوا ليتحرروا منها إلا بالوعي. ليس هذا وحسب وإنما بعضهم بلغ به الحنق إلى حد مهاجمة الوعي والكفر بكل ما تعلمه والذهاب إلى النقيض تماما. لقد إنتقل بعضهم للحياة التي هرب منها. كل ما حاربه لسنوات طويلة عاد إليه بقوة أكبر وبتشدد أكثر وعداء صريح للوعي وأصحابه. هؤلاء أشفق عليهم فعلا لأنهم لا يدركون حجم التراجع الذي وصلوا إليه. حالهم أسوأ بكثير من قبل رحلة الوعي، إذ أن معلومات الوعي تتميز بأنها تكشف الخلل وتوضح الصورة، فلا يرتاح الإنسان بعد أن تنكشف له الحقيقة حتى لو أغمض عينه. إنها آفة الوعي، فليساعدهم الله.
دخول الإنسان في الوعي ليس المشكلة ولكن المشكلة تكمن بعد الحصول على الدرجة وبلوغ الهدف والتحرر من القيود وبدء حياة جديدة. يعتقد البعض أن الهدف هو الوعي لذاته وهنا حيث يفقد الإتجاه. الوعي لا يأتي لذاته وإنما لهدف أسمى وأكبر مما بدأ الإنسان به. عندما إختارك الكون لتصبح واعيا هو إصطفاك لتصبح شخصية مؤثرة وأدخلك في إختبارات عديدة إجتزتها بنجاح وربما تفوقت فيها وبذلك بدأت رحلتك الجديدة نحو الإنجاز. ماذا تظن؟ هل كنت تعتقد أن الدعم الذي حصلت عليه بلا مقابل؟ فتحت لك الأبواب وتطهرت من عقدك النفسية وإستقام تفكيرك وعاد جسدك للتناغم مع الحياة. هل هذا لتستمتع بإستنشاق الزهور وتنشد مع العصافير؟ لقد إستثمر فيك الكون الكثير من الطاقة وهو الآن يطالبك برد الجميل فإن أنت أنكرت وتراجعت سيسوء حالك.
ماذا تقصد بالضبط؟
ما أقصده أنك الآن نلت درجة قائد. وعليك أن تتصرف كقائد وتتحرك كقائد وتفكر كقائد وأيضا تتحمل المسئولية كقائد. هذا ما يزعجك ويجعلك لا تعرف ماذا تفعل. كنت تعتقد أن كل هذا من أجل تطوير الذات وأن الأمر شخصي جدا ولا يعني الآخرين حولك. لا يا صديقي. إن كل ما مررت به كان لتحويلك إلى قائد في مجموعتك من الناس، لكنك لم تدرك المطلوب. تقول أنا لا أريد أن أقود أحدا، أنا مستمتع بحياتي كما هي وبما وصلت إليه من وعي وتنوير. قم أيها القائد وإبدأ بتسلم مهام وظيفتك الجديدة. تعلم فنون القيادة والتأثير وتعلم كل ما من شأنه أن يحول شخصيتك من شخصية مكتفية بذاتها إلى شخصية تقود الجميع وتحدد لهم ما يجب عليهم القيام به وما لا يجب عليهم الإقتراب منه. تأمر وتنهي وتحذر وتنصح وتشفق وتتعاطف وتزجر وتبعد وتقرب وترسم الخطط وتدافع عن الضعيف وتعاقب المسيء وتكافىء المحسن وتبتكر الحلول وتصبر على الأذى وتتحمل الناس وتحاورهم وتناور طريقك ببراعة. أنت القائد ولا تملك رفاهية العزلة والتخلي عن الناس أو عن دورك في الحياة.
دعني أجلب إنتباهك لظاهرة ستشرح لك الأمر بوضوح أكثر. هل لاحظت على مواقع التواصل الإجتماعي من يسطع نجمه ويظهر ويتفوق وبعد برهة يخبو بريقه وينساه الناس؟ هذا كان يدافع عن قضية شخصية تخصه. كان قويا فيها ومتمكنا إلى أن إنتصر وبعدها إنتهى كل ما عنده. ليس لديه ما يقوله للناس. قوته كانت مركزة في مصلحته الشخصية، دافع بقوة وإبتكر الحلول ونمق الكلام وحاور بقوة ليصل إلى هدفه وعندما تحقق إنتهت حاجته لكل تلك الأعمال التي كان يبهر بها مريديه ومتابعيه. هذة هي الفقاعة. ليس قائدا ولا يستطيع تحريك الناس إلا في إتجاه ما يخدم مصالحه. لا نستطيع لومه على شيء. هو لم يتم إصطفاءه للوعي وتغيير العالم وإنما هو إنسان بسيط دافع عن قضيته ويكفيه شرفا أنه فعل، لكن لا نتوقع منه المزيد.
الواعي عكس كل ذلك. إنه إصطفاء من أجل القيام بدور أكبر ولقيادة الناس نحو النور.