جمع الأب أبنائه الخمس وأخبرهم أنه سيتزوج بإمراءة أخرى بعد الإنفصال عن والدتهم..كانت أكبرهم فتاة تبلغ الخامسة عشر واصغرهم صبي في الخامسة..بدأت الفتيات فى البكاء والنحيب وقالت الوسطى والدموع تنهال من عينيها..هل سنرحل من مديتنا لنعيش في قرية جدي ونترك بيتنا ومدرستنا؟ هل ستتخلى عنا ياأبي؟
نظر إليها الأب صامتا ولم يجد اي إجابة..كلماتها أصابت قلبه الطيب..هو فكر بالزواج من امرأة وجد معها الحب والسعادة بعد ان اكتشف انه لا يرى في زوجته الا مربية للأطفال ولكنه لم ينظر للعواقب في حينها..انجرف وراء مشاعره..
لم يستطع الأب النوم لعدة ليال وهو يفكر في مصير أبنائه..فهم سيرحلون مع والدتهم ليعيشوا في بيت جدهم واخوالهم الذين يقطنون في قرية بعيدة عن المدينة وهو يعلم كم سيعانون هناك ولن يكون لهم اي مستقبل واعد..
تراجع عن قراره واعتذر من حبيبته وسافر لمدة أسبوع حتى يستعيد توازنه ولكن بقت حسرة في القلب.. بعد سنوات قليلة توفي أثر نوبة قلبية وهو لم يتجاوز العقد الخامس.
هذه القصة حدثت وتحدث كثيرا..لقد إعتدنا سماع القصص عن تضحية الأم من أجل أبنائها ولكننا قليلا ما نسمع عن تضحية الاب وتحمله للمسؤلية..ربما لأن طبيعة المرأة التعبير عن مشاعرها وما يدور بداخلها اما الرجل فطبيعته الكتمان وإخفاء مشاعره.
الأب مسؤولا عن الزوجة والأبناء ..انه يتنازل عن حقه في كثير من الأحيان.. حقه في المتعة او السفر او الرفاهية اوالحب ..انه لا يفكر بالعاطفة بل يرجح العقل ..هو كالقبطان هدفه الوصول لبر الامان بالسفينة وركابها..يواجه العواصف والامواج في مقصورته دون أن يعلم الاخرون ما يفعل من أجلهم.. فقط عندما تصل إلى اليابسة يقدرون له ذلك..
بينما الام كالسفينة التي تقضي فيها وقتك وتحتويك خلال الرحلة ..تتشبت بها فتحتضنك عندما تهزك الأمواج والرياح ..تعطيك كل الأمان والدفء لدرجة أن تنشغل عن الأب فلا يحصل منها على نصيبه الكافي من الرعاية والإهتمام..يحاول بعض الآباء المطالبة بحقهم أما البعض ينطوي على نفسه ولا يعلن عن رغبته والبعض الآخر يبحث عن ذلك في الخارج..
لا يمكن أن ننكر تضحيات الكثير من الآباء حتى وإن ظهر قسوة بعض منهم مما لا يمكن أن نؤكد أن كل الامهات هن مثال للتضحية ..اما القسوة والأنانية هي صفة ترافق الشخصية سواء كان أب او ام ..ربما غريزة الأمومة تجعل بعض الأمهات يدافعن عن او يحمين أبنائهن وتحد من قسوتهن وكذلك غريزة الأبوة تجعل بعض من الاباء يغلبن الجانب العقلي الذي يعتقدون انهم يحمون به كيان الأسرة ويحافظون على توازن ومشاعر أبنائهم على حساب سعادتهم وعواطفهم...لا يسعنا إلا نحترم ونقدر فيهم ذلك حتى وإن كان ما يفعلونه هو إجحاف في حقهم وإستحقاقهم للسعادة.