كل مجتمع في أي مكان في العالم يتم تصنيفه كمجتمع متطور أو متخلف بناء على عدة عوامل منها مستويات الحرية والتعبير عن الرأي والحريات المكفولة للأفراد ثم يأتي الجانب الإقتصادي من كسب وأنظمة تحمي أعمال الناس ووظائفهم وحقوقهم الوظيفية ثم مستوى التعليم وكفائته في إخراج دفعات متلاحقة من الشباب القادرين على سد حاجات العمل في كل القطاعات ثم الصناعة ثم التجارة وأخيرا النظام الإجتماعي ومقدار تماسكه وقدرته على إنتاج مواطنين متوازنين وسعداء يدينون بالولاء لوطنهم.
هذا هو المفروض والمتوقع، لكن هذة المعادلة شبه مفقودة في معظم الدول العربية إلى درجة يصعب وضعها ضمن تصنيف واضح فلا هي متخلفة بالمعنى الحرفي للتخلف ولا هي متقدمة ولا حتى متوسطة بين هذا وذاك. يعود هذا بالدرجة الأولى لغباء الحكومات العربية بصفة عامة وقلة إدراكها إلى حقيقة أن المواطن هو الثروة الحقيقية وهي ما يجب الإنتباه له ومنحه كل الفرص للنجاح والتقدم من خلال القوانين التي تحميه من إعتداءآت المحيطين به. لذلك تفوقت حكوماتنا في إنتاج نوعية مواطنين رديئة جدا تعاني من تشكيلة واسعة من الأمراض النفسية والتي بدورها تنتج المزيد من الأجيال المختلة نفسيا وسلوكيا ولا تستطيع مجاراة الأمم المنافسة فكريا. يعود هذا إلى حقيقة أن الحكومات نفسها مكونة من أشخاص يمكننا بكل ثقة أن نصفهم بالمرضى النفسيين.
لا يوجد أي سبب مقنع يجعل أي حكومة تتقاعس عن إصدار القوانين الرادعة نحو المنحرفين في البلد إلا إذا كان ذلك الإنحراف لا يمكن رؤيته في عيون المسؤلين. حقوق المرأة وحقوق الطفل وحقوق الموظفين وحقوق الوافدين والمقيمين وحقوق الإنسان وحقوق الحيوان وكل حق لأي شيئ بعد ذلك ليس لها أولوية من أي نوع من وجهة نظر الدولة مادام الناس تتعامل معها مهما كان ذلك التعامل. المهم أن الكل ساكت. وصلنا إلى درحة أن المواطن العربي يعتبر الإنحراف هو الأصل والحرية هي البدعة أو الهدف الذي يجب أن يقاتل من أجله. نحن لا نحارب عدوا خارجيا متربصا بنا بل نحارب أشخاص من المفروض أنهم معنا وفي فريقنا. نحن نحارب أشباحنا التي تشبهنا وتحمل نفس جنسية البلد التي نحملها وتعيش معنا في نفس البيت.
يعيش المريض النفسي أو المصاب بأي مرض في الشخصية ليعيث فسادا في أهله ولا يستطيعون حتى التوجه إلى مركز الشرطة القريب من البيت طلبا للحماية. إعتداءآت نفسية وتعنيف وإعتداء على سلامة جسد الضحية ولا يوجد من يستجيب. أن يقدم أب على تدمير نفسيات أبناءه وبناته فهذا طبيعي جدا ولا يوجد نص قانوني واحد يحفظ لهم كرامتهم. أن يصاب الزوج بداء الشك في زوجته ونساء بيته فهذا طبيعي جدا لأنه يخاف عليهم. أن يمنعهم من ممارسة الحياة ويتدخل في خصوصياتهم وماذا يدرسون ومن يتزوجون فهذا أمر محبب ويعبر عن التمسك بالعادات والتقاليد العربية الأصيلة. ما هذة العادات والتقاليد التي لا تنتج إلا الأمراض النفسية؟
إنها بلاد العرب، بلاد الأمراض النفسية المتعددة التي يحميها القانون. لا يمكن إحترام معظم المسؤلين العرب لأنهم لا يستحقون الإحترام. لا يستحقون أن يطلق عليهم لفظ مسؤلين لأنهم لم يتصفوا بمسؤلية تجاه مواطنيهم. إن كنا نريد أن نتقدم فعلا ونتخلص من أصحاب الأمراض النفسية فعلى الجهات المهتمة والناشطين الوطنيين والمثقفين وجموع المواطنين المطالبة بقوانين تحميهم من أصحاب الأمراض النفسية الموجودين معهم في البيت. قوانين صارمة تفرض أخذهم إلى المصحات النفسية للعلاج وتعطيل سلطتهم على ضحاياهم. على المثقفين مناقشة هذة الأمور عوضا عن التفلسف بروايات توليستوي وكافكا وشيكسبير. عيشوا حياة البشر وبعدها تسلوا بتراث الآخرين.