عادةً عندما يتحدث الناس ويناقشون أموراً مختلفة فإنهم يقومون بذلك بكل سلاسة وهدوء. يتحدثون عن أشياء عظيمة في العلوم والفكر والثقافة والدين والفلسفة والسياسة والإقتصاد وغيرها من مواضيع حساسة أو خطيرة لكن هذا يتم في جو يمكننا أن نصفه بالإحترافية، إذ يبدي كل متحدث وجهة نظره للطرف الآخر الذي قد يسانده أو يعترض عليه وفي الختام يطلقون الجملة الكلاسيكية المملة «الخلاف لا يفسد للود قضية» ثم يمضي كل منهم في سبيله وهو يشعر بالنشوى المتولدة من الحوار الساخن والذي قد يصفه بالثري إن كان مزاجه معتدل حينها.
نفس هذا الشخص الجنتلمان أو الليدي، لو غيرنا مسار الحديث إلى شيء آخر، قريب منه. شيء مثل «معاني الأفكار» التي يعتنقها. حينها ستتغير النظرة تماما. لقد كان هادءً لأن الكلام لا يعنيه مباشرة وإنما كان عن أشياء بعيدة. السياسة، الإقتصاد، الفقراء في كمبوديا، حالة المخاض الفكري في الوطن العربي، توقعات نمو أو تراجع الإقتصاد العام القادم. الجريمة في البلاد، الشذوذ، العنوسة، إنحدار مستوى التعليم، سقوط طائرة في المحيط، هذة كلها أشياء بعيدة. ما يعنيه حقا هو نفسه ومعتقداته وهذا ما يثيره ويستنفر مشاعره.
من أكثر الأشياء التي وجدتها تزعج الناس هو «معاني أفكارهم» أو ما تعنيه تصرفاتهم ومعتقداتهم. هذا يزعجهم بشكل كبير ويجعلهم يثورون بشدة أحيانا وأحيانا يفضلون الهروب في صمت لأنهم لا يحبون الإعتراف بأخطائهم. لا يحبون من يذكرهم بأنهم يخدعون أنفسهم. هم يريدون الوهم ويعجبهم الشعور الناتج عنه. يشعرهم بالراحة.
الزوج المتسلط مثلا؛ لا يريد أن تخبره أنه متسلط، لأنه يوهم نفسه أنه يمارس حقه في تأديب زوجته وأولاده وفرض إحترامه عليهم. يتفاخر أن زوجته لا تخطو خطوة من مكانها إلا بإذنه وأن أولاده يرتعبون من صرخته، وعندما تخبره أن هذا معناه «تسلط أو إستبداد» فإنه لن يعترف وسيبدأ بخلق الأعذار لنفسه.
مثال آخر، شخص يختلق الأعذار. هذا إنسان غير جاد في حياته، لكن عندما تخبره بذلك فإنه ينزعج. لا يريدك أن تخبره بما يحاول إخفاءه خلف الأعذار الذي يختلقها خلقا، بل ويتعمد وضع نفسه في مواقف صعبة حتى يكون لديه عذر يشفع له، فقط كي لا يتحمل مسؤلية حياته ويصبح أكثر جدية.
الأمثلة كثيرة لا حصر لها والنتيجة واحدة. الناس تكره أن تعرف المعنى الحقيقي لتصرفاتها وأفكارها وتفضل العيش في الوهم.