المتتبع لسلوك البشر لا بد له أن يلاحظ الأنماط الإجتماعية السائدة وكيف يتحرك الناس في طقوس تشبه العبادة إلا أن لا صلاة ولا سجود ولا ركوع فيها. طور البشر عبر آلاف السنين آليات موثوقة للقيام بالأعمال، تتوارثها الأجيال بلا تفكير حقيقي فيما يقومون به. الكل يؤدي الدور الذي عليه ليس لأن هذا ما يريده ولكن لأن هذا هو السائد. السائد الذي يتبعه الجميع بحذافيره، ومن يشذ عنه يكون قد شذ عن القاعدة النتعارف عليها، علما بأن أكثر الناس لا يعلمون لماذا هم ينفذون القاعدة المعروفة.
لنأخذ مثال حي من واقع الحياة. نعم الحياة التي تبدو وكأنها فيلم قديم يعاد إنتاجه كل عام بنفس السيناريو لكن بممثلين مختلفين يلبسون ملابس مختلفة ويستخدمون أجهزة مختلفة لكن القصة هي القصة القديمة بلا تغيير أو تحريف. الزواج، هذا الطقس التعبدي السائد يكاد يكون لم يتغير قط. ولنرى الخطوات التي يمر بها لنعرف القصد.
- شخصان يقرران الزواج ( زواج تقليدي أو إختياري ) وهنا تنتهي قصتهما معا.
- يقترض الزوج من البنك
- يبدأ أهل العروس بالإستعداد
- يبدأ أهل العريس بالإستعداد
- الأم ترفض
- الأب يوافق
- تتدخل الصديقات
- يتدخل الأصدقاء
- بعد عناء يتم الإتفاق
- الشبكة، المهر، فستان الزفاف، بدلة العرس
- مكان إقامة الزفاف
- يقام حفل الزفاف
- يسافران شهر العسل ( عادة عشرة أيام فقط )
- يعودان للعمل
- زيارات عائلية متبادلة
- حمل فولادة
- تربية وألم
- يدخل الأولاد المدرسة
- يتخرج الأولاد من المدرسة أو الجامعة
- يتوظفون، ثم يتزوجون، ثم يكررون نفس السيناريو القديم.
نلاحظ النمط. يدخل الناس في سلسلة أحداث متلاحقة دون إدراك منهم، لينتهون إلى نفس النهايات التي إنتهى إليها من جائوا قبلهم وهكذا بلا توقف. هذا هو الإدمان. بتحرك البشر حركة معروفة مسبقا بلا أدنى تفكير فيما يريدونه فعلا وكأنهم مسحورين. لا يستطيع أحد تغيير أي شيء. أم العروس منذ آلاف السنين وهي تتوتر، أم العريس منذ آلاف السنين وهي تركض كالمجنونة في الحفل. تتصارع الإمرأتان على تفاصيل لا تعنيهما، تريدان أن ترقصان، تريدان أن تتفاخران، تتزن الأخوات والصديقات، الهدايا التقليدية المملة، التوقعات البالية، النصائح السمجة، الإبتسامات الحقيرة التي تقول للعروس أنها أخيرا ستمارس الجنس، النصائح التافهة لتقوية الطاقة الجنسية للزوج.
بعد مئات آلاف السنين مازال البشر تحت تأثير الإدمان الجماعي، يتحركون حركة جماعية لا واعية. لا يسأل أحد ماذا يريد الزوجين الجديدين؟ هل فعلا هما يريدان القيام بكل ذلك؟ الزوجان نفسهما لا يتوقفان قليلا ليحسبا حسابهما إن كان فعلا هذا ما يمثلهما ويمثل رؤيتهما للحياة. يتم معالجة كل شيء معالجة جماعية. وعلى هذا لمنوال تسير حياة معظم الناس. هم مسيرون، لا مخيرون. الكل يسير الكل فيما يشبه حالة التدافع الجماعي الذي لا يستطيع أحد إيقافه إلا بعد حدوث وفيات. حينها فقط يتوقف الناس لبرهة، يصلّون على الموتى ويصدرون لهم صك الشهادة ودخول الجنة ثم يعودون إلى نفس الطقوس القديمة.
قيمة الإرادة الحرة والإختيار الحر تغيب عن المجتمعات المبرمجة. قيمة الإنسان الحقيقية هي في الإرادة الحرة والإختيار الحر. بدون هاتين الخاصيتين لا يختلف الإنسان عن الحيوان. يصبح حيوان ذكي، فقط لا غير. العقل يمثل الإرادة الحرة وهذا بدوره يعني الإختلاف عن الآخرين وعدم الإنخراط في أنماط إجتماعية تمنع تلك الإرادة أو تحجبها عن الإختيار. ولأن المجتمعات لا تعترف بالإرادة الحرة فلقد تم تطوير وسائل ضغط وإرهاب وترهيب وترغيب يتم برمجة الأطفال بها منذ الصغر. برع البشر في قمع الإرادة الحرة عن طريق العادات والتقاليد والمروث الثقافي والترهيب الديني والإرهاب السياسي والعزل الإجتماعي والإبتزاز العاطفي، حتى ضاعت الشخصية الفردية وتبددت ملامح الإرادة الحرة للفرد.
إن أردت حقا أن تعيش الحياة فعليك أن تعرف قيمة الإرادة الحرة وتجتهد أن تمارس الإختيار الحر، لأن هذا ما سيضمن أن تقود حياتك بنفسك وإلا فستكون أحد قطع الشطرنج التي يتم تحريكها من قبل مجموعة كبيرة من الناس الذين لا يجيدون ممارسة اللعبة. لن تكون أنت، بل سيكون الوعي الجماعي وهذا سيجعلك تعيش في تعاسة. قيمتك هي في تحديد إختياراتك بكل حرية وممارستها بكل حرية أيضا، إما هذا وإلا فأنت مجرد مدمن عادي حتى وإن كنت تلبس بدلة أنيقة وتتعطر بزجاجة عطر تغني قرية كاملة في أحد الدول الفقيرة.
إجلس وفكر في هاتين العبارتين. الإرادة الحرة و الإختيار الحر