هذا هو السؤال الأزلي الذي سأله معظم العقلاء والمفكرين على مر العصور. من أكون؟ ما هو دوري في هذة الحياة؟ هل ما أقوم به صحيح؟ ماذا لو كنت على خطأ؟
لطالما بحث الإنسان عن كينونته وعن هويته وعن ما يعنيه في هذا العالم بالنسبة لنفسه وبالنسبة للآخرين المحيطين به لكن هيهات. السؤال بسيط ولكن الإجابة عليه قد تستغرق العمر كله وقد يصل الإنسان وقد لا يصل. لكن لماذا يسأل الإنسان هذا السؤال؟ هل هي عدم ثقة في النفس؟ ما الذي يجعل الإنسان يتكبد كل هذا العناء لإكتشاف من يكون؟ اليس من المفروض أنه يعرف من يكون ويمارس حياته في هدوء؟
الأمر ليس بهذة السهولة. أولا نحن نبحث عن إجابة على هذا السؤال حتى نستقر ونهدأ. الأشياء التي نعرفها بكل تأكيد تسبب لنا حالة من الإسقرار والهدوء. ليس هناك شيء أفضل من الأمور المعروفة مسبقا. أن تعرف من تكون وأنت على يقين منه حتى لو كان شيء غير مهم فعلى الأقل أنت مطمئن هذا هو قدرك ودورك في الحياة. إذا فالمطلب الأول هو أن يستقر الإنسان ويصل إلى نقطة التوازن، وهنا يكمن الخلل. لماذا يريد الإنسان أن يحدد خياراته؟ لأنه لا يريد إستكشاف ذاته أو الدخول في مغامرات غير محسوبة المخاطر. يريد أن يحدد شيء ليمشي عليه بقية حياته وكأن الحياة ثابتة. يريد الإنسان أن يثبت ما ليس بثابت ويقر ما ليس بمستقر. هذا بطبعه يجعل الإنسان يفقد صوابه لأنه لن يستطيع تثبيت أي شيء أو إيقاف عجلة التغيير. التغيير هو الصفة الأساسة في الأشياء لأن الله خلق هذا الكون على النمو والنمو المستمر والمتسارع أيضا.
الأمر الآخر والأكثر تأثيرا هو المجتمع أو المجموعة التي تحيط به. نحن نولد في مجتمعات بشرية لديها تاريخ طويل من محاولات تثبيت الأحداث. لا نقبل بالمختلف ولا المميز ولا الشاذ ولا أي شيء إلا ما إتفق عليه أسلافنا منذ آلاف السنين وعدلنا عليه قليلا. قليلا جدا. لذلك يجد الإنسان نفسه يصارع من أجل التغيير وإكتشاف ذاته ولكنه يصطدم منذ نعومة أظفاره بالواقع الذي يخبره أنه يجب أن يتوقف عن محاولاته لأن هذا سيجعله غير محبوب وغير مقبول بين الناس وهذا سيجعله يخسر كثيرا. معظم البشر ينصاعون لرأي الجماعة ويفقدون حماسهم للحياة وتمضي الأيام رتيبة لا تشوبها شائبة إلا ربما إنتصار بسيط هنا أو جائزة هناك. أحيانا حروب ودمار ولكنها تبقى تدور ضمن رتابة الحياة ومعرفتنا المسبقة لأحداثها. إذا فهي نزعة يعاني منها الفرد منفردا أو في جماعة. الكل يريد أن يثبت الأشياء حتى لا يجهد نفسه في العمل والتجربة والإستكشاف لأنه في الحقيقة هكذا أئمن وأقل خطرا.
رغم كل ذلك تبقى الروح تسأل وتسأل وتزعج صاحبها. لا تستطيع الروح أن تهدأ وهي لم تؤدِ دورها في الحياة. هي تعلم أنها هبطت من أجل القيام بشيء لكن ما هو ذلك الشيء وماذا يحتاج لأستطيع إنجازه؟ هنا يتدخل العقل ليخبر الإنسان أن عليه أن يبحث عن حل أو عن إجابة، لكن هذة خدعة. نعم أنت تفكر وتقول أريد أن أعرف من أكون وأن أحدد شخصيتي لكنك لا تفعل. هذا لأن العقل يسايرك قليلا ثم يأخذك في متاهات لا يمكن الخروج منها. يخبرك أن الناس ستنزعج منك ومن تصرفاتك الغريبة وأنهم لن يحبونك ولن يتعاونوا معك. يخبرك أنك إذا أردت أن تسلم فعليك إتباع تراث الأجداد المتوارث منذ آلاف السنين كما يفعل أخوك وأختك وصديقك وجارك والمعلم في المدرسة. يجب أن تتبع القوانين التي فرضتها العادات والتقاليد وعليك الإلتزام بالأدب والإحترام. يجب أن لا تشذ عن القاعدة. هكذا يخدعك عقلك وهكذا أنت تصدق الخدعة فتقوم بخدعة مضادة. تبدأ بالبحث عن إجابة للسؤال وللغرابة حقا أنك لا تصل إلى حل. لا تجد إجابة شافية. لكنك عنيد لا تتوقف وتستمر في السؤال والبحث والبحث المعمق والبحث المطور والبحث الإستثنائي لتصل إلى نتيجة واحدة وهي أنك لا تعرف من تكون. لن تنصت إلى كل الذين قرأت لهم الكتب وتابعت لهم المحاضرات المصورة ولا الذين جالستهم لأن اللعبة أعجبتك. أنا أبحث عن كينونتي وسبب وجودي وأريد أن أعرف نفسي أكثر لكن للأسف لا يوجد شيء مقنع. كل الإجابات خاطئة وتحتاج منك إلى تفكير عميق وإعادة قراءة وفهم وتأكد وإعادة ترتيب وإنتظار الظروف. نعم فأنت شخص ذكي يجب أن تحسب كل الإحتمالات مسبقا حتى لا تقع في الخطأ. هاجس قوي يقول لك يجب أن تعرف وتكتشف دون أن تقع في الخطأ. يا ترى ما هو ذلك الخطأ؟ لا أحد يعلم، ولكن لديك إعتقاد أن هناك شيء أسمه خطأ ويجب أن لا تقع فيه.
حسنا وكيف أعرف من أكون؟
لن تعرف من تكون لأنك ستتغير مع الوقت، ولكن تستطيع أن تعرف شيء أساسي. هل أنت حر أم لا؟ إذا عرفت هذا وأيقنته نفسك من هنا تستطيع أن تتحرك إلى الأمام. الأحرار يقررون، ينفذون، لا يلتفتون ورائهم. يتعلمون ثم يقررون وثم ينفذون ثم يضربون عرض الحائط كل ما يعتقده الناس فيهم. أن تعرف من تكون هو أن تعرف أنك وحيد وفريد من نوعك ولا يوجد من يشبهك إلا شريك روحك. فقط شريكك الروحي يستطيع فهمك وتستطيع البوح له بكل ما تحب وتكره وكل ما يسعدك ويزعجك. من أكون هو أكبر سؤال وفي نفس الوقت أبسط سؤال؟ الجواب هو هل أنت حر؟ هل أنت حر؟ هل أنت حر؟
إفهم هذا ولن تحتاج للسؤال مرة أخرى. الأحرار يحددون حياتهم ويرسمونها بطريقتهم وحسب ما يناسبهم وما يرونه صائبا في حينه ثم ينطلقون في الحياة لا يخشون شيئا ولا يكترثون لقيل وقال. دائما واضحون ودائما يقولون ما يريدون ويعبرون عن أنفسهم وسواء أعجب الناس أم لم يعجبهم وسواء إتفقوا أو إعترضوا. هذا لا يعني أي شيء بالنسبة للحر لأنه يعلم تماما أن العبيد لن يفهموا قوله ولن يرضوا عنه أبدا بينما الأحرار أمثاله سيسعدهم إنضمامه إليهم. أنت تعرف من تكون ولكنك لا تريد القفز للجهة الأخرى. هذة هي الحقيقة ولا تريد دفع الثمن البسيط وهو إبتعاد الناس عنك وإبتعادك عنهم. تريد أن تحافظ عليهم وتعيش في كنفهم وفي نفس الوقت تتصرف كالأحرار وهذا مستحيل. عندما تقرر أن تكون أنت فعليك أن تعرف أنك ستكون وحيدا. أنت تقرر قيمك ومبادئك رتحدد أولوياتك وردود أفعالك وما يصلح لك وما لا يصلح، ثم تعيش على هذا الأساس.
إنها الحياة المتجددة، هكذا تكون. من أكون؟ تعني أنني حر وقادر على قيادة حياتي بنفسي وبأنني قادر على التأقلم مع المستجدات مهما كانت. لي شكل وصفات وأسلوب كلام ورأي وردود أفعال أنا أحددها وهي تعجبني وأنا راضي تماما عن نفسي. الرضى صفة جوهرية في الأحرار الذين يعرفون من يكونون. هم لا يأخذون قيمتهم من الناس ولا من أشكالهم ولا من ملامحهم ولا ألوانهم ولا شهاداتهم ولا ممتلكاتهم ولا أي شيء آخر. قيمتهم تنبع من ذاتهم ويرون أنفسهم كأشخاص إستثنائيين، لا يغريهم ما لدى الآخرين. إن أرادوا شيئا سعوا له بأنفسهم ولا يجدون في أنفسهم حرج من إستخدام الناس والموارد المتوفرة لتحقيق أهدافهم ونوعية الحياة التي يريدونها. إنه حس القيادة الذي يتمتعون به فيسمح لهم بإستغلال كل الموارد لمصلحتهم ولتحقيق طموحاتهم. من تكون هو أن تستطيع إستخدام كل الناس المتفقين والمعارضين لتحقيق طموحاتك ضمن مصفوفة قيمك ومبادئك التي قبلتها لنفسك. تستطيع أن تكون ما تشاء. أن تختار النجاح أو تختار الهدوء أو تختار الفوضى. أنت تحدد ما تريد لأن كل خيار قد إخترته بإرادتك وتعرف تماما تبعاته.