معرفة ردود أفعال الآخرين على تصرفاتك وقراراتك يجب أن يكون المعرفة الأولى التي تكتسبها في بداية حياتك لأن هذا سيجنبك الكثير من الألم الناتج عن الإعتراضات التي ستواجهها من الناس المحيطين بك كالأهل والأصدقاء وحتى الناس البعيدين عنك كالقراء والمتابعين والمهتمين بأي شأن أنت تتحدث فيه حتى ولو بشكل شخصي أن تعبر عن فكرة أو رأي تعتقده بين وبين نفسك. إفهم كيف يتصرف العربي في المواقف المختلفة وستدرك سبب هجومه الغير مبرر عليك شخصيا وعلى فكرتك وعلى وجودك في الحياة. يتمنى العربي أن يسحقك أو يهبط على رأسك نيزك عندما يتعلق الأمر بمعتقداته وأفكاره مهما كانت تافهة أو لا عقلانية. المحرك لكل تلك المشاعر هو الخوف ولا شيء سواه.
ربما تعتقد أن العقل هو ما يدعو العربي للإعتراض عليك سواء كان من المقربين أو البعيدين. ستكون مخطئا بنسبة ١١٠٪ إن إعتقدت أن الذي يحرك المعترض هو العقل أو المصلحة العامة أو قضية الأمة الكبرى أو أي من القيم العليا أو حتى الغباء. تخيل حتى الغباء مستبعد من المسألة لأن العربي يحركه الخوف فقط. كل قراراته نابعة من الخوف المتجذر في نفسه. حتى أنت أدعوك للنظر بعين الإنصاف إلى قراراتك وإعتراضات على الآخرين وفي الغالب ستجد بأنها تعبر عن مخاوف فقط. تل المخاوف الدفينة التي تحاول أن تخفيها بالتظاهر بالعقل والمنطق ومصلحة البلاد ومصلحة الأمة. يهمني جدا أن تفهم هذا لأنك تقرأ هذا المقال وهذا يعني أنك تريد أن تغير وضع وتبدأ برؤية الأمور على حقيقتها.
الآن لنرى كيف ستتعامل مع المواقف المختلفة بناء على تحليل واقعي للحدث؟ سأعرض عليك بعض المواقف وأحللها ومنها ستفهم لماذا يتصرفون كما يفعلون وما هو الطبيعي في نفس الموقف. ضع في حسبانك أن خوفهم منك أكبر وأنت تحلل الموقف. ستستغرب وربما تقول ولكنه أمر شخصي يمثلني ولم أفرضه عليهم أو أجبر أحدا للأخذ برأيي. نعم هو كذلك ولكن خوفهم منك ومن تداعيات أفكارك أكبر مما تعتقد.
١- شخص يعترض على ظهورك إعلاميا ونجاحك جماهيريا: ستراه يعتدي عليك بألفاظ وعبارات لا يقولها إلا الأعداء لبعضهم بعضا رغم أنه لا يوجد عداء شخصي بينكما. ما الذي يحركه يا ترى؟ في الغالب هو الخوف من الظهور كشخص غير ناجح أو غير منجز. هل هي الغيرة؟ ربما ولكن هناك شيء أبعد. هو لا يستطيع القيام بنفس العمل أو الظهور إعلاميا لأنه لا يستطيع مواجهة الجمهور. خوفه من الناس وردود أفعالهم وربما خوفه من مواجهة أهله برغبته في الظهور قد تؤدي إلى نبذه وإحتقاره وتعنيفه في عائلته. هو يريد ما تقوم به لكن يظهر عكس ما تقول له روحه لأنه خائف من المواجهة ليس معك ولكن مع نفسه ومع أهله أو مجتمعه. ستبدو مرعبا بالنسبة له ولذلك سيهاجمك بقوة بلا سبب واضح. مجرد وجودك يذكره بمخاوفه. ردة الفعل الطبيعية من أي إنسان متوازن نحوك يجب أن تكون إما إعجاب أو عدم إكتراث. أي أنه إما معجب ومتابع لبرامجك أو أنه غير مكترث لأن مجالك لا يعني له شيئا وإن كان هناك إعتراض فالإعتراض عقلي ولا تدخل فيه أي مشاعر عدائية. مثلا قد يعتقد أن ما تقوم به سخيف نوعا ما، أو مضيعة للوقت.
٢- شخص يهاجم حرية المرأة: الهجوم على حرية المرأة منبعه خوف من إنتشار الأمر ووصوله إلى أهل بيته. هذا هو الخوف الأول أما الخوف الثاني فهو خوفه من فقدان السيطرة عليهم. لن يتوقف الأمر عند هذا الحد لأن هناك خوف ثالث هو أن يفقد قيمته في بيته. سيخاف على مكاسبه الشخصية وسيحاول إختلاق أعذار إجتماعية ودينية وأدبية كثيرة. عادة هذا عداءه يتخذ شكل عنيف لأن خسارته أكبر. الرجل الذي إكتسب كل الميزات والسلطة المطلقة على النساء لا يستطيع التفريط فيها بسهولة، فهو يرى حرية المرأة كإعتداء شخصي مباشر عليه وعلى أسلوب حياته وهذا ما يجعله أشد قسوة بطريقة غير مفهومة وغير مبررة وكأنه يريد إيقاف زحف الصحراء. هذا مفهوم بالنسبة للرجل لأنه سيخسر جزء من مكانته، ولكن ماذا عن النساء الذين يحاربون تحرر المرأة؟ المرأة هنا تفضل أن تعيش نصف حياة في مقابل عدم ظهور أخريات يتسببون في إنجذاب زوجها لهم. تدافع عن الحجاب والتغطية بأنواعها وتزين جلوس المرأة في بيتها حتى لا يشاهد زوجها غيرها ولا بأس من التستر خلف عباءة التدين مادام هذا سيخفي خوفها الحقيقي وهو الخوف على زوجها وكأنه أسطورة بين النساء. مثل هذة ستهاجم بشدة وبشراسة لأن حربها تعتبر حرب وجود. ردة الفعل الطبيعية هي عدم التدخل في خصوصيات الناس مادام القانون قد كفل لهم تلك الحقوق. عندما تطالب بحرية المرأة أو تطالب المرأة نفسها بحريتها فإن هذا يقلب عالم الخائفين رأسا على عقب ولا قيمة للقانون لديهم ولا حتى للشرع الذي يسمح بالحرية الدينية. حساباتهم تدور حول الخوف من فقد المكاسب أو من كلام الناس أكبر من العقل والمنطق.
٣- شخص يتهمك بالكفر أو الإنحراف الديني: أكبر مخاوف هذا النوع من البشر هو التفكير. عقله لا يستطيع إستيعاب أن الحياة أكبر بكثير مما تراه عينه أو يخبره به من يتبعهم. لن تستطيع إقناع شخص يؤمن بالمرجعية أن يفكر ويكون لديه رأي خاص مختلف لأنه مربوط لديه بالكفر ودخول النار. هو يراك سببا واضحا لدخوله النار والعذاب فيها. هذا هو خوفه الأول أما خوفه الثاني فهو الخوف من فقدان المكانة إذ بعد أن تمكن من بعض المعلومات التي تجعله يبدو في وضع أفضل، كيف تخرج أنت عن الطريق وتبتدع فهما مغايرا لما يتبعه هو فيصبح كلامه بلا قيمة. أي مجرد مصلحة شخصية ضيقة هي سبب مخاوفه بينما يحاول أن يوهمك أن أسبابه دينية بحتة. أما خوفه الثالث فهو متعلق بالمجموعة الدينية خصوصا إن كانت لها توجهات سياسية. في هذة الحالة يصبح العداء نابعا من أصل المصلحة الخاصة وفي الغالب يتخذ طابع العدائية الشديدة لأن الخسارة تعني خسارة أهداف مجموعة كبيرة من الأشخاص الذين سيفقدون مكانتهم وتفشل أهدافهم ومخططاتهم للسيطرة السياسية. ردة الفعل الطبيعية المتوقعة هي دحض الفكر بالفكر ولكن هذا لا يتوفر لمن لا يؤمن بالعقل ولم يتدرب على إستخدامه ولذلك نرى كثير من الجماعات الدينية تلجأ للكذب والبهتان وتلفيق الإتهامات الكاذبة وتعتبر تشويه سمعة الطرف المقابل نوعا من الذكاء.
إنه الخوف الذي يسيطر على الناس ويجعلهم يتصرفون بطريقة عدائية تجاه كل من لا يستطيعون مجاراته أو التفوق عليه أو إخضاعه لرغباتهم ونزواتهم. إفهم هذا جيدا وستجد بأنك تستطيع تحييد أي معارضة عن طريق طمئنة مخاوف أي شخص يعترض عليك. كل شيء في العالم العربي يدور حول الخوف وتخويف الناس حتى على مستوى القرارات الوطنية. ستلاحظ أن الوسيلة المفضلة لبعض الحكومات هي تخويف الناس لأنها تخاف من الناس. تخاف من الحريات وتخاف من إنفلات الأمور عن السيطرة، هذا عوضا عن إستخدام التثقيف ونشر الوعي وإستخدام أدوات أكثر حكمة لأن خوفها من ضياع الوقت وفقدان السيطرة أكبر من إهتمامها ببناء الإنسان بالطريقة الصعبة المطولة.
مادمت تفكر فخوفهم منك أكبر