ليست كل المعلومات سواء وليست كل المعارف تعمل بنفس الطريقة وتؤثر بنفس الدرجة. هناك معلومات تسبب القلق والتوتر كالأخبار والتنبؤآت السلبية، كما أن هناك معلومات نجدها سهلة وسلسة وفعلا تهدىء النفس. مهما كانت المعلومة فهي في النهاية ستضعك تحت تأثير طاقتها فإن كانت المعلومة سهلة وسلسة وضمن ما تحبه ويعجبك فأنت على الأرجح ستتجاوب معها بالنشوى والإنشراح وربما ترتفع لديك معدلات الأدرينالين فتصاب بالإثارة فتنطلق بقوة نحو عمل معين. وكذلك على العكس المعلومات السلبية قد تسبب لك القلق والتوتر وتثير فيك الأحزان والذكريات المؤلمة وقد تشلك في مكانك بحيث تقضي أياما في السرير أو تعزف عن مقابلة الناس وممارسة أي نشاط إجتماعي.
كل هذة أمور مؤقتة في الغالب تزول بزوال التأثير أو تحقق النتيجة المرجوة وهذة المعلومات والأخبار في الغالب يزول تأثيرها بزوال أسبابها ويمكنك حينها من التفكير فيها بعقلك لإستخراج الحكمة والعبر والدروس المختلفة وقد تطور حياتك بسببها مهما كانت سلبية أو إيجابية لأننا كبشر قادرين على التعلم من كل تجاربنا بغض النظر عن كونها تعجبنا وتدعمنا أم لا تعجبنا وتثبطنا. لكن هذا ليس ما أريدك أن تعرفه لأنك على الأرجح تعرفه مسبقا أو على الأقل مررت به وتستطيع الربط بين المعنى وأحداث حياتك. ما أريدك أن تعرفه أعمق من ذلك بكثير لأنه يشكل الفرق بين القوة والضعف والنجاح والفشل.
هناك نوع من المعلومات والمعارف ثقيل على النفس، يسبب النفور ويدخل الإنسان في صراع داخلي رهيب يكره بسببه الإنسان الحياة أو تسود الدنيا في عينه أو تحوله إلى شخص عنيد ومكابر ميال للهجوم والعنف وكراهية الآخر أو كراهية الذات. تتفاوت الأعراض من شخص إلى آخر حسب مدى الخلل الذي تلامسه تلك المعلومات. في مجال الوعي خصوصا تنقسم المعلومات إلى قسمين رئيسيين. معلومات وخطوات تنفيذية وتقنيات والقسم الثاني تفتيت معتقدات، والفرق بينهما شاسع كالفرق بين الأرض والسماء ولا يمكننا بأي حال من الأموال المقارنة بينهما رغم أن كلا النوعين تابع لمجموعة الوعي ذاتها.
القسم الأول: هذا يشمل تقنيات تطوير الذات وتمارين التحرر والتخلص من الذكرايات والآلام النفسية المختلفة. رغم أن هذا النوع مرهق قليلا لكن مردوده على المدى القريب والمتوسط جيد إذ يلاحظ الإنسان تغييرات إيجابية في المزاج ومشاعر بالخفة والحركة وربما بعض النتائج الإيجابية المؤقتة التي سرعان ما تزول فيعود الإنسان بعدها لأخذ المزيد من الجرعات حتى يصبح مدمنا على تلك التقنيات وإلا لن يستقيم حاله. هذا ما يمارسه أكثر الناس ويقبلون عليه معتقدين أنه الوعي الحقيقي وعادة ما يشعرون بالإحباط بعد فترة لأنهم كلما إقتربوا من تحقيق أهدافهم إكتشفوا المزيد من العقبات التي تؤخرهم فيعودون للتقنيات وهكذا بلا توقف إلى نهاية الزمان أو حتى يتخذوا القرار بأن الوعي كذبة وكلام فارغ.
القسم الثاني: معلومات تفتيت القناعات. هذة معلومات صعبة على النفس لأنها ليست معلومات وإنما تفتيت معتقدات راسخة رسوخ الجبال في الأرض. من قال أن تفتيت الجبال شيء سهل؟ كذلك تفتيت المعتقدات بنفس الصعوبة. هذا هو الجزء الأصعب من الوعي وهو الجزء المؤثر الذي يتجنبه أكثر الناس وهو الجزء الذي يتمنى الإنسان أن لا يضطر للقيام به. ستكره المعلومة وقائلها والوضع النفسي المزري الذي أوصلتك إليه، فهذة معلومات تحارب معتقداتك وثوابتك وتتحدى صبرك وقدرتك على التحمل. ليس هذا حسب وإنما تعيد بناء جسدك من الداخل وتعيد تسليك الروابط العصبية في دماغك فتحولك إلى إنسان مختلف تماما عما كنت عليه. تخيل أن أسنانك بدأت تنمو من جديد وأنت بالغ. لقد كانت عملية صعبة عندما كنت طفلا صغيرا ونسيتها بكل آلامها ولكنك الآن وأنت كبير تبدأ الأسنان بالنمو مرة أخرى فتزحزح اللحم وتبني عظاما جديدة لكن هذة المرة في دماغك وليس فمك.
الفرق بين المعلومات ومفتتات المعتقدات فرق كبير رغم أن وسيلة التغذية واحدة وهي الكلمات. مجرد كلمات ولا شيء أكثر. كلمات مكتوبة أو مقرؤة أو من خلال فيديو أو تسجيل صوتي ولكنها تعمل على عمق الذات لتهدم القديم وتبني مكانه شيء جديد. ستحتاج للصبر وقوة التحمل على الم الهدم ثم المزيد من الصبر والمثابرة لعملية البناء. هذا ما يصنع الإنسان الواعي الحقيقي وهو الذي يعجز عنه أكثر الناس. النجاح المادي أو الظاهر هو ما يسعون له وليس الوعي الحقيقي الذي يغني الحياة ويجعل الإنسان جبلا شامخا بين الأرواح ونورا يهتدي به الناس. في المرة القادمة تستثقل معلومة وتجدها صعبة على نفسك إعلم أنها على الأرجح هي ما تحتاجه ولن ينفعك الهروب منه. لن ينفعك أن تستبدله بالمعلومات والتقنيات لأنها بكل بساطة ستقوم بتخديرك.
هل تريد المخدر أم تريد أن تتنفس بعمق؟