تغير شكل التجارة في العصر الحديث تغيرا جذريا من السلع والمنتجات الملموسة والخدمات الواضحة وصار خدمات معرفية غير ملموسة ولا يمكن وضعها على رف وبيعها من خلال الأسواق التقليدية. هذا بدوره خلق فرصا كبيرة للكثيرين الذين إنخرطوا في التجارة الإلكترونية بأنواعها وحققوا إنجازا عظيمة في هذا الجانب خصوصا بالنسبة لمطوري التطبيقات وتكنولوجيا المواقع وغيرها من الخدمات الإلكترونية الأساسية التي تشكل عماد التجارة في هذا العصر.
على الجانب الآخر هناك تجارة الخدمات وهي التي يعاني أصحابها في الترويج لها بشكل فعال أو حتى التفكير في توفيرها كخدمات قابلة للبيع خصوصا في العالم العربي الذي يعاني من ثقافة مرتبطة بالملموس والمحسوس بينما الخدمات الإلكترونية في الحقيقة لا يمكن لمسها فعليا وهذا يخلق مشكلة كبيرة لمقدمي تلك الخدمات، إذ أن العقلية العربية لم تتطور بعد لدرك أن العبرة ليست في الجمادات وإنما في المنافع المتحصلة منها وبذلك يغيب عن مخيلتها أن المنفعة من الأشياء الغير محسوسة مازالت منفعة يمكن الإستفادة منها فعلا. هذا عائق كبير ولكنه بدأ بالإضمحلال مع مرور الوقت ومع قليلا من الصبر والتثقيف من قبل المنتجين ستتضح الصورة لأكبر عدد من الناس بحيث تصبح العملية أكثر مردودا.
تبقى المشكلة الأكبر التي يواجهها أكثر العاملين في المجال متعلقة ببيع المعرفة والترويج للخبرات وهذا يرجع إلى نظرة مقدم تلك المعرفة إلى ما يقدمه من خدمات. هناك من لا يستطيع طلب مقابل لقاء خدماته للجمهور إعتقادا منه أنها غير قابلة للبيع أو أنهم لن يدفعوا مقابل المعرفة كالدورات أو الإستشارات أو الإمسيات الثفاقية وما شابهها كالتعليم عن بعد مثلا. كثيرين ممن يملكون المعرفة والخبرة المفيدة للناس يمتنعون عن تقديمها للجمهور ظنا منهم أنها إما بلا قيمة أو لا يجوز بيعها أو أن الناس لن تدفع مقابلها شيئ لأنها مجرد معلومات لا يمكن إمساكها أو تغليفها أو تعبئتها في علب وهنا حيث يخطئ هؤلاء.
أي معلومة مهما كانت بسيطة تأخذ قيمتها من الطرف الذي يوفرها. هل هو يراها ذات قيمة أم لا؟ هل يأخذ عمله على محمل الجد أم لا؟ هل يستطيع إقناع المشتري بفوائد المعرفة التي سيقدمها أم لا؟ ثم يأتي دور الثمن أو المقابل المادي للمعرفة كالإستشارات سواء الشخصية أو القانونية أو الطبية أو الإحترافية أو أي نوع من المعرفة التي يكتسبها إنسان ويمكنه أن يبيعها إلى إنسان آخر لتؤدي غرضا معينا أو تحل مشكلة أو تجلب مصلحة.
إن كنت في مثل هذا الوضع فعليك إعادة صياغة مفاهيمك حول التجارة في العصر الحديث وإليك بعض النقاط الأساسية التي ستساعدك على تقديم خدماتك والإستفادة منها ماديا
- المعلومات سلعة مفيدة لا تختلف عن أي سلعة أخرى ملموسة
- أنت تقدم حلول لمشاكل توفر على الطرف الآخر المال
- أحصر خدماتك التي تريد بيعها وضع سعرا مناسبا لها
- لا تقدم تلك الخدمات المعرفية إلا بمقابل مادي مجزي
- كلامك مع الأصدقاء والمعارف يجب أن لا يشمل تقديم حلول لها علاقة بسلعتك المعرفية
- الترويج لخدماتك المعرفية يكمن في إظهار معرفتك وتفوقك دون إعطاء حلول كاملة
- تقديم معرفة ناقصة يشبه تقديم عينة من سلعة ملموسة. يجب أن تكون ناقصة
- من البداية وضح لمن يسألك أن هذة خدمة مدفوعة
- لا تقدم أي حل ولا تهدر وقتك مع من لا يريد أن يدفع أو لا يستطيع
- حدد شكلا لبضاعتك. هل ستحاسب بالساعة أم بالنتيجة النهائية
- الخدمات المعرفية غير قابلة للإستبدال والإسترجاع
- أولا إستلم المال ثم قدم الخدمة، إلا الأشخاص الذين تعاملت معهم وتعرف نزاهتهم
بعد أن حددت الخدمات التي تعتبرها ذات قيمة مادية وإلتزمت بعدم تقديمها إلا بشرط الدفع المسبق يمكنك التعامل الطبيعي مع الناس فهذا يعتبر أحد أشكال التسويق. تحدث في كل شيئ وقدم المساعدة في كل شيئ إلا في تلك المعرفة التي قمت بتصنيفها ضمن الخدمات المدفوعة. لا تخجل أبدا من عرض خدماتك والترويج لها بين الأصدقاء والمعارف وفي كل مكان فهذة هي سلعة هذا العصر، ولا تكترث كثيرا لمن يعتقدون أنه عمل غير أخلاقي أو أنه لا يجب عليك أخذ مقابل على تلك الخدمة المعرفية فهذا راجع لتدنى مستواهم الثقافي وعدم إدراكهم لحقيقة أنهم يعيشون عصر المعرفة. دائما ستجد الإنتقاد من أشخاص متواضعي القدرات وهذا لا بأس به فهم واقع لا يمكن إنكاره ولكن لا يمكن التعاطي معه أيضا.
الآن إجلس وفكر ما هي المعرفة التي تجد نفسك متمكن منها وخبير فيها؟ ضع سعرا مناسبا لها وقدمها للجمهور بأي طريقة تراها مناسبة كالإعلان عن نفسك خدماتك على مواقع التواصل الإجتماعي مع تحديد وقت لتقديم تلك الخدمات. يمكنك أيضا صناعة إعلانات إحترافية سواء بالصور أو الفيديو أو المقالات والمنشورات. كن واضحا في نشر إعلاناتك، لا داعي للمداراة. من هم بحاجة لمعلوماتك سيدفعون للحصول على المنفعة التي تعلن عنها. تقدمك في هذا المجال سيعتمد على سمعتك والنتائج التي يحصل عليها الناس من تلك المعرفة وكلما زادت جودتها زاد عدد الجمهور.