الزواج يأتي على سلم أولويات البشر، فلم نسمع عن حضارة أو مجتمع إدعى أن الزواج غير مهم أو أنه أمر إختياري. في كل المجتمعات الزواج أمر حتمي الحدوث لذلك نرى حياة البشر وثقافاتهم وعاداتهم وتقاليدهم تدور حول الزواج ومظاهر الزواج والإحتفال به والقوانين المتعلقة به. الزواج هو الحدث الأكبر في حياة الشعوب. رغم ذلك الصورة غير واضحة عند أكثر الناس.
في الغالب يتعامل البشر مع الزواج أنه أمر حتمي نتيجة للمشاعر أو الغريزة أو أنه أمر مفروغ منه. عندما يبلغ الإنسان عمرا معينا فعليه أن يتزوج وعادةً يكون ذلك في عمر بداية الشباب. يتهيأ الشباب لمرحلة الزواج بالإهتمام بالمظهر وإكتساب بعض المعارف حول الجنس الآخر. تتحرك الأحاسيس ويندفع الأدرينالين ويتم إتخاذ القرار بالإرتباط وهذا يسبب فرحة كبيرة للأهل. يشعرون أنهم قدموا أعظم إنجاز لهم في الحياة.
بعد أن يتم الزواج ويهدأ غبار الإحتفال وينتهي شهر العسل يبدأ الزوجان بالعودة للوضع الطبيعي، أي لا شيئ. فقط شخصان يعيشان معا في بيت واحد. من المفروض أن الزوجة تعرف واجباتها وحقوقها ومن المفروض أن الزوج يعرف واجباته وحقوقه وكل شيئ واضح فلا داعي لذكر البديهيات. بعد فترة ستحمل المرأة وبعد تسعة أشهر ستلد وتقوم بالسلامة لتتابع أطفالها وسيستمر الأب في النفقة على الأسرة.
هذا هو الوضع المثالي أو الذي يتخيله أكثر الناس وعادة أكبر أحداث حياتهم ستدور حول تعديل سلوكيات الطرف الآخر لتناسبه. زيدي الملح في الطعام، لا تتأخر ليلا، لا تخبري إختك عن مشاكلنا، يجب أن تحترم مشاعري، وهكذا هي الحياة اليومية مجرد تعديلات وإستدراكات وتبدأ العائلة في الغرق شيئا فشيئا في الديون والمشاكل والإهمال والكثير من الغضب المتبادل وقد تنتهي بالطلاق أو قد تستمر مع المزيد من الآلام للجميع بمن فيهم الأطفال.
هذا يأخذنا لأمر أساسي في الزواج يغيب عن أذهان أكثر الناس وهو أن الزواج الغرض منه التقدم في الحياة. لتتقدم في حياتك عليك أن تتزوج بمن يشاطرك نفس الفكر ونفس الغرض. أي أن كلا من الزوج والزوجة قررا الزواج من أجل تقدمهما معا وهذا بدوره يعيد ترتيب كل شيئ ويعيد ترتيب الأولويات. في هذة الحالة عندما يكون الطرفان مقتنعان أنهما معا من أجل تقدمهما ستسقط معظم الإعتبارات السائدة المتعلقة بالمجتمع وعائلتيهما ونوع الأصدقاء والأنشطة المرتبطة بكل ذلك.
التخطيط للتقدم مختلف عن التخطيط لحياة رتيبة مستنسخة من حياة السابقين. على الزوج والزوجة التفاهم على الأولويات. عندما تريد أن تتقدم فأنت ستتخذ قرارات مختلفة وترتب أولوياتك بحيث تنجز أكثر بمساعدة شريك حياتك. هو موجود لمساعدتك على صناعة النجاح المشترك لكليكما ونفس الأمر ينطبق عليك.
بعد جلسة صفاء وهدوء مع شريك حياتك ستضع خطة لرفع المستوى المعيشي للعائلة ولن تترك الأمر للظروف. كل مبلغ يدخل تعرف كيف تحتفظ به في حساب مشترك. أنت تعرف تماما كم فيه وكذلك الطرف الآخر. من الآن وصاعدا نفقات الأسرة ستكون مدروسة لحماية هذا الحساب. الفستان الجديد لن يكون أولوية وكذلك السيارة التي أعجبتك كثيرا. لن يكون هناك شيئ إسمه هيا نأكل في ذلك المطعم الفاخر مادام هذا سيهز الحساب. لو حدث أمر طارئ وإحتجت لجزء من المال فهنا أنت تعرف أن عليك التنازل عن بعض ملذات الحياة من أجل إعادة الحساب إلى وضعه السابق وهذا لن يكون مزعجا للطرف الآخر لأنه يعلم مسبقا أن هذا هو الإتفاق.
هل لاحظت؟ بمجرد أن هناك خطة للتطوير المادي إنتهت أكثر المشاكل بينك وبين شريك حياتك المتعلقة بالمال. هو يعرف لماذا أنت لا تنفق أو لماذا تنفق ببذخ. لماذا لا تريد اذهاب للسينما ولماذا تريد السفر لماليزيا. إنه الوضوح الذي يزيل أي شك.
لكن لماذا التخطيط الإقتصادي لأسرة؟ هذا لأنه البداية لخطة أكبر، فالعبرة ليست في المال وإنما فيما سينتج عنه لاحقا. فمن الآن وصاعدا سيرى كل طرف في العلاقة أن دوره دعم الطرف الآخر وتوفير وسائل الراحة له ليرفع دخل الأسرة وسيرى الحكمة من بعض تصرفاته الغير مفهومة للغير وهذا طبيعيا سيؤدي لنمو العلاقة وتطور المشاعر وزيادة الحب بين الطرفين.
الآن لنرى بوضوح، أسرة مستقرة ماديا ومنسجمة شعوريا ماذا تريد أكثر؟ نعم، المزيد من النجاح. هذة الأسرة الآن جاهزة للتخطيط لعمل المزيد من المال الذي سيولد المزيد من الرفاهية. هذة هي الخطة منذ البداية. حساب للنفقات يوفر المال الذي تستطيع إستخدامه في مشاريع إستثمارية تعود بالربح والرفاهية على العائلة. المزيد من الرفاهية تجعل العائلة أسعد.
لكن ماذا لو خسر المشروع أو الإستثمار؟ لا مشكلة لأنه من ضمن الخطة. الزوجة لن ترى زوجها فاشل وهو لن يراها متربصة. لقد كان إستثمار مشترك بمبلغ مقطوع من الحساب المشترك بموافقة الطرفين. ولنفرض أن الحساب المشترك فقد نصف قيمته في ذلك المشروع الفاشل. هذا لا بأس به فيمكن إستعادة المبلغ خلال فترة معروفة مسبقا فكلا الطرفين يعرف ما يجب عليه القيام به من ترشيد الإنفاق والإهتمام بالطرف الآخر ودعمه معنويا للعودة لملئ الحساب.
هذا ليس تخطيط مالي وإنما تخطيط عائلي. هذة خطة عائلية لشخصين يريدان العيش معا في سعادة. الأمر يطال كل شيئ في حياتيهما بمجرد إتفاقهما على شيئ واحد وهو التطور والنجاح المشترك. النجاح المشترك والتخطيط المستقبلي يعني الإتفاق على تربية الأطفال، كيف نربيهم وكيف نساعدهم على الحياة؟ هل نسمح لجدتهم بالتدخل في تربيتهم؟ هل نشتري لهم حاسوب جديد؟ هل فعلا يحتاجون هذا الشيئ أو ذاك؟
ماذا عن الخلافات العائلية، هل تم وضعها ضمن خطة؟ ماذا عن أختك التي تحاول أذية مشاعرى؟ ماذا عن أبوك الذي يحاول توريطي في قرض بنكي؟ لماذا لا تشترون سيارة جديدة؟ لماذا تسكنون في هذة المنطقة؟ لماذا زوجك لا يزورنا؟ لماذا زوجتك لم ترسل هدية؟
كل هذة الأمور ستختفي من حياتك لأنك خططت لها مسبقا وتفاهمت عليها مع شريك حياتك قبل حدوثها ولذلك عندما تحدث لا تهز عرش الأسرة لأن كلا منكما يعرف كيف يتصرف ولن ينزعج الطرف الآخر.
السعادة خطة مسبقة.