يحكى ان شابا كان كسولا جدا ومن شدة كسله كان يحتفظ بملعقة شاي بالقرب من ابريق الشاي كي يحرك بها السكر عندما يعد كوبه المفضل الذي يكرر تناوله عدة مرات في اليوم.
كان فخورا بنفسه وبقدرته على ادارة الكسل بحيث لا يقوم بأي حركة اضافية لا داعي لها تهدر طاقته الثمينة حسب اعتقاده. كان يتفنن في اختلاق الاعذار للكسل بكل الطرق.
١- لن يضطر الى مد يده وفتح الدرج للبحث عن الملعقة فهذا يهدر ثوان ثمينة
٢- لن يحتاج لغسل الملعقة ليعيدها الى الدرج فهذا يهدر الماء والصابون والوقت في ملعقة تكاد تكون نظيفة الا من قطرتين او ثلاث من محلول الشاي.
٣- يعرف مكانها جيدا فلا يحتاج لاهدار طاقته العقلية على شيئ غير مهم.
٤- وجود الملعقة بالقرب من الابريق يجعله يشعر بأنه منظم
٥- احيانا يمكنه تناول الزبادي بنفس الملعقة دون ان يحتاج الى ملعقة اخرى.
٦- بستطيع اعداد الشاي والقهوة عشرات المرات طوال الاسبوع بغسلة واحدة.
كأنها ملعقة سحرية متعددة المهام والاستعمالات ولا تحتاج للغسيل. ثابتة في مكانها وراسخة رسوخ الجبال. انها افضل فكرة خطرت على قلبه طوال العشر سنوات الماضية.
تزوج الشاب اليافع بفتاة جميلة ملأت قلبه حبا وشغفا. كانت تعد له الشاي والقهوة وكل المشروبات بنظرة من عينه. كانت ذكية لماحة تعرف ما يريده بنظرة خاطفة. تعرف متى يشرب الشاي الاحمر ومتى يشرب الشاي بالحليب ومتى يريد النسكافيه. مضى الحال على ذلك النحو لشهر او اكثر قليلا.
تسائل الزوج السعيد، يا الهي هل هذة الجنة؟ هل انا احلم؟ حتى الملعقة التي كنت اظن انني احسنت استخدامها بأقل جهد ووضعتها في اكثر مكان استراتيجي لتجنب العمل لا احتاجها.
فعلا الزواج نعمة. الزوجة الذكية تلاحظ تلك التفاصيل الصغيرة وتهتم بها وكأنها عاشت معي طوال عمري. يا الله لك الحمد والشكر. وجب تقديم سجدتي شكر للنعمة. نعمة الزوجة ونعمة الكسل ونعمة الملعقة.
مرضت الزوجة ذات يوم. لم يكن وضعها شديدا لكن اخبرها انه سيهتم بها (من باب رد الجميل وشكر النعم واظهار الحب وله ايضا في ذلك مآرب أخرى ان فهمت قصدي عزيزي القارئ)
بينما هو منهمك في تدليك ساق عروسه الرقيقة لترتاح قليلا ومع انه لسبب غير مفهوم كان يطيل الدعك والتدليك عندما يقترب من ردفيها لكن هذا لا بأس به فهو في النهاية عريس جديد. قرر ان يعد لنفسه كوب شاي يستمتع به وهو يمارس هوايته المفضلة بالزيوت المعطرة. كان ذكيا لماحا لا يترك شقا او انحناء الا ويغدق عليه بالزيت ويدلكه بشغف، من اجل راحة العروس بكل تأكيد فهي قد خدمته كثيرا وحان وقت رد الجميل بمثله او أكثر. بدى له ان نهديها كانا بحاجة لعناية خاصة لكن هذا حديث يطول هذا ليس وقته.
استأذن ان يذهب للمطبخ لإعداد كوب الشاي وهنا عادت له الذكريات. ذكريات العزوبية وملعقته الجميلة. تخيلها وتخيل مكانها الاستراتيجي كما لو كان بالأمس. سكب الماء الساخن في الكوب والقى فيه كيس الشاي وثلاث او اربع مكعبات من السكر ثم استل بكل خفة ملعقته الامينة وحرك بها الشاي حتى ذاب السكر.
الشاي جاهز لكن راودته الافكار. ماذا لو احتجت للملعقة مرة اخرى؟ لا داعي لغسلها اذا وسأتركها بالقرب من ابريق الماء. اعتقد انها فكرة جيدة ستعجب زوجتي الحبيبة وربما تفخر بي وبذكائي عندما تعرف انني تعمدت ترك الملعقة في ذلك المكان الاستراتيجي. انا على يقين ان هذا سمنحني مكاسب حميمة لا تعد ولا تحصى.
يا اخي ما اجمل الحياة. بملعقة شاي اضعها في مكان محسوب بعناية احصل على ليالي حمراء كثيرة. راح يتخيل دخول عروسه للمطبخ بعد ان تقوم بالسلامة لترى الملعقة بالقرب من الابريق فتنبهر انبهارا شديدا من ذكائه وتخبره بأنه فعلا رجل مميز اذ اختار للملعقة المكان الذي لم يخطر لها على بال.
يا الله كم جميل هو الزواج. فكر في سجدة شكر لكن تذكر ان اصابعه وهو يدلك عروسه قد ولجت في اماكن تبطل الوضوء.
عاد بكوب الشاي وجلس بجانبها يحادثها وهو يتمنى لو يخف المها بسرعة لترى الاعجوبة التي فعلها. تمالك نفسه وسيطر على تنفسه وتذكر انها خلال ساعات قليلة ستستعيد عافيتها لتكتشف بنفسها.
عقله صار يعمل بشدة يكاد يخرج من رأسه الدخان من شدة الترقب. وفعلا بعد المغرب بقليل نهضت العروس الجميلة وبدت في خير حال خصوصا بعد المساج العميق الذي انتهى بعملية اخرى عادة يمارسها البالغون فقط بعيدا عن انظار الناس والاطفال.
عقله مازال يعمل بسرعة ٣٠ جيجاهيرتز، قال لها حبيبتي هل لي بكوب شاي؟ كان يعلم انها ستكتشف سر الملعقة.
بعد ثلاث دقائق، عادت الفتاة مبتسمة تحمل في يدها كوب الشاي كما يحبه. نظر اليها ومال قليلا على الأريكة في انتظار لحظة الانتصار. ابتسم، حرك حواجبه، رفع كوب الشاي ثم وضعه ثم انتظر قليلا فلعلها تلتقط انفاسها لكن لا اثر لأي شيئ. جلست الى جانبه ولفت ذراعها حوله وفي اليد الاخرى جهاز التحكم في التلفزيون. استمرت في مشاهدة المسلسل وبين حين والاخر تبتسم له.
نام المسكين على الأريكة وهو ينتظر ردة فعلها على ذكائه في اختيار مكان الملعقة. في الصباح توجه للمطبخ لإعداد كوب القهوة المعتاد، لكن الكارثة ان الملعقة اختفت من موضعها الاستراتيجي.
فتح الدرج وعد الملاعق فوجدها ٦ ملاعق شاي صغيرة فذهل من هو الصدمة. ٦ ملاعق اي انها لم تلاحظ الاختيار الذكي وتجاهلته تماما وكأنه لا شيئ. غسلت الملعقة وجففتها ثم اعادتها الى الدرج على بعد متر و ثلاثين سنتيمتر عن ابريق الماء. كيف لم تدرك عبقرية الموضع؟ كيف لم تلاحظ انني وضعتها بزاوية ٩٠ درجة تماما مما يوحي بالترتيب؟
مرت الأيام وصارت العروس اكثر انشغالا بأعمال المنزل والرد على مكالمات المهنئين واحاديثها التي لا تنتهي مع اختها. شغلتها الحياة قليلا فقرر ان يخفف عنها فهي مسكينة تتعب كثيرا في عمل البيت وذلك بالاهتمام بكوب الشاي بنفسه.
كالعادة جهز المكان ووضع الملعقة في مكانها الاستراتيجي بالقرب من الابريق كي لا يضطر عروسه لغسل الملعقة مادام سيعيد استخدامها مرارا وتكرار خلال اليوم. جهز كوب الشاي وعاد الى مكتبه وبعد قضاء بعض المهمات قرر اعداد كوب شاي اخر. دخل المطبخ، ملأ الابريق الكهربائي بالماء لإعداد الشاي. حتى ان كوبه المستعمل لم يغسله فهو للتو من ساعة تقريبا تناول فيه المشروب.
اين الملعقة؟ اختفت. بحث في الدرج فوجد خمس ملاعق فقط. اين اختفت الملعقة؟ لماذا ليست في مكانها؟ نظر الى جانبه فوجدها في مغسلة المطبخ.
اخرج ملعقة جديدة حرك بها السكر واعادها الى مكانها الاستراتيجي بالقرب من الابريق.
بعد ساعتين عاد وكانت الملعقة قد اختفت. لا بأس فعلى الأقل لا احتاج الى غسلها، لكن تبقى مسئلة المتر وثلاثين سنتيمتر الفاصلة بين الابريق ودرج الملاعق، ثم ان هناك هدر للماء وسائل جلي الصحون. لا بأس سأرى ما يمكن فعله.
في اليوم كرر العملية وتكررت النتيجة. آها، ربما لم تفهم انني تعمدت وضع الملعقة لأستخدمها مرة أخرى. هذة المرأة سأضعها على صحن صغير بالقرب من الابريق. اعتقد هكذا ستلاحظ انني وضعتها متعمدا.
بعد ثلاث سنوات مازال هو يضع الملعقة في الصحن الصغير في المكان الاستراتيجي وهي مازالت لم تلاحظ. في ذلك اليوم صرخ صرخة اسد ثائر. زأر من اعماق بطنه. أين الملعقة الملعونة؟
اجابت بكل برود. الملعقة مكانها درج الملاعق. هذا اسمه ترتيب. حاول اقناعها بأسبابه والمنطق العظيم من وضع الملعقة بالقرب من ابريق الماء لكن هيهات.
ثلاثون عاما مرت على زواجهما وهي يضع الملعقة في المكان الاستراتيجي وهي تزيلها من مكانها الى ان جاء يوم فيه مرضت الزوجة البارة مرضا شديدا ظنت انها ستفارق الحياة.
ذهب الرجل بعد ان تقدمت به العمر لزيارة زوجته التي تحتضر رفقة ابنائهم وبناتهم. جلسوا اطمئنوا على حالها وحاولا التخفيف عليها لكنها ظنت ان ساعتها اقتربت ولم يعد الانكار ينفع. يجب ان تقول كلماتها الأخيرة. اعتذرت عن كل الم سببته لهم سواء بقد او بغير قصد واخبرت ابنائها انها لو رحلت من هذة الحياة فإنها سترحل وهي راضية عنهم وليس في قلبها مثقال ذرة من خردل من عدم الرضى. بكوا كثيرا فقد كان الموقف مؤثرا فعلا. يا الله هل هكذا ينتهي الانسان؟ الوقت مر كمر السحاب. ثلاثون عاما من الزواج وها هي الزوجة الجميلة قد تقدمت في العمر ومع انها مازالت تعتبر في عمر جيد لكن هذا قدرها الذي لا تعترض عليه.
اشارت الى ابنتها الوسطى فهي مازالت تسكن معهم في البيت. قالت لها اقتربي سأخبرك شيئ على انفراد. اوصيك بأبوك فهو رجل صالح. لا تتركيه يرهق نفسه كثيرا. واسيه وخففي عنه الم الفراق. كوني له عونا في تخطي حزنه لو مت لا سمح الله.
لا اوصيك يا بنيتي. انا وابوك كانت لنا عادة. اذا رأيتِ الملعقة بالقرب من ابريق الشاي خذيها واغسليها واعيديها للدرج. الله يسامحه اشغلني بملعقته طوال ثلاثين عاما.
