لا تتنازل عن حقك
يمر الإنسان في مواقف قد تفرض عليه تنازلات وهذة يمكننا إدراجها تحت باب المرونة، كأن يتنازل الإنسان عن حقه في الإختيار أولا أو أن يتأخر في العمل قليلا أو أن يفسح المجال لشخص آخر في الإستفادة من شيء هو لا يحتاجه فعلا وما شابه. هذة الأمور عادية وهي ضمن التضحيات المعقولة التي يقدمها الإنسان إما تفضلا على الآخرين أو إحسانا إليهم أو لدرء خلاف أكبر. المشكلة ليست هنا وإنما المشكلة تكمن في التنازل عن الحقوق الثابتة والمكتسبة عرفا أو قانونا للآخرين فقط لأنه لا يريد المواجهة.
عندما يتنازل الإنسان عن حقوقه شيئا فشيئا يبدأ في التنازل عن أشياء أكبر. حينها تنكسر النفس وتتعود على التنازل حتى ينطوي الإنسان على نفسه ويبتعد عن الناس ويبتعد عن مضمار المنافسة فيتلاشى دوره في الحياة. النجاح لا يمكن أن يحالف من يتنازل عن حقه لأن هذا غير صحيح من وجهة نظر القوانين الكونية فالذي يحدث أنه يتعرض لمواقف تجربه على تقديم المزيد من التنازلات لعله يدرك الخلل ويتوقف عنه. ستستمر تلك المواقف في التكرار حتى يفهم الإنسان الرسالة أو ينهار وتغيب شمسه. أكثر البشر يعاني من هذا الأمر. هم يتنازلون عن حقوقهم بسهولة، للأسف.
النجاح في الحياة له آليات واضحة تراها في كل مكان. خذ على سبيل المثال:- شركات كبرى تملك مئات الملايين لا تتنازل عن حقها في فاتورة تافهة لا تتعدى عشرات الدولارات، تقتلعها من قلب الزبون دون رحمة، مهما كان محتاجا أو فقيرا أو حتى معدما. وعلى الجانب الآخر هي تقدم مساعدات للمحتاجين والفقراء بعشرات الملايين. ما هذا؟ ما الذي يحدث؟ إنه قانون السوق ومن لا يحترمه لا ينجح. لا تستطيع تلك الشركات التنازل عن حقوقها فقط لأن أحدهم محتاج لأنها لا تساوم على إيراداتها، فهذا موقع شدة وصرامة ولكن بعد حساب الأرباح فهنا موقع رحمة وإحسان.
هذا المنطق قد لا يفهمه المبتدىء أو المستهلك ولذلك يصاب بالحيرة والذهول. إنه النجاح ومن أراده فعليه أن يعرف أدواته. أما على المستوى الشخصي فالأمر لا يختلف. أنت مسؤل عن نفسك وعن نجاحها في الحياة ولا يمكنك التلاعب بها وبحقوقها، إذ لا فرق بين التفريط في حقوق نفسك والتفريط في حقوق الآخرين. فمن يفرط في حقوق نفسه بكل سهولة يفرط في حقوق الآخرين حتى بات هذا أحد الأعذار المتداولة. تسأل صديقك مثلا « لماذا لم تسقي حديقتي عندما كنت مسافرا كما إتفقنا؟ » وقد تسمع هذا الرد « يا أخي أنا حتى حديقتي لم أجد وقت لأسقيها » هل لاحظت كيف؟ هو فرط في حق حديقته فلماذا لا يفرط في حق حديقتك؟ تخيل الآن أنك أوكلت إليه مهمة أتمام أعمال ضرورية في إحدى الدوائر الحكومية أو شيء مشابه.
هكذا هو من يفرط في حق نفسه، لا يتوانى عن التفريط في حقوق الآخرين.
الكثيرين ييأسون بسرعة فيتركون المطالبة بحقوقهم أو يتنازلون عنها ويتجهون لله يشتكون في أنصاف الليالي يطلبون عونه ولكن هيهات. أتطلب من الله ما أعطاك إياه وضيعته؟ دائما إسعى لإسترداد حقك إن كان مع الآخرين أو لا تتنازل عن حقك لهم وتعلن إنسحابك من أرض المعركة فقط لأنك لا تطيق القتال أو لا تريد مشاكل لأنك لم تقع في هذة المشكلة إلا لتتعلم هذة القيمة وهي عدم التنازل عن حقك. لا تجعل الأمر يختلط عليك لأن الحق هذة الأيام ليس سلعة ملموسة. وقتك وجهدك وأفكارك هي حقك أيضا فلا تفرط فيها أو تتنازل عنها. لا تسمح لأحد أن يضيع وقتك بلا مقابل، لا تسمح لأحد أن يأخذ جهودك دون أن يدفع الثمن. قم بحماية ممتلكاتك ومن يتعامل معك عليه أن يعرف أننا في زمن إختلاف نوع السلعة. لا تمنح وقتك للآخرين ولمن لا يستحقه لأن الوقت يعني المال. لا تقدم خدمة لمن يعتقد بما أنها غير ملموسة فهي لا قيمة لها. خذ حقك منه ثم إسمح له أن يدعو الله عليك ولا تقلق لأن الله لا يستجيب للأغبياء ومن لا يقدّرون سلعة هذا الزمان.
ماذا تفعل بأرباحك أو بوقتك الإضافي أو طاقتك الفائضة فهذا هو وقت الزكاة ووقت الرحمة. لكن أبدا أبدا في عملك أو في حقوقك لا تتنازل. فقط الفائض هو ما يمكنك التصرف به. قدّر ذاتك ووقتك وجهدك وخدماتك حتى يحترم الآخرون شروط التعامل معك وإلا فإنك ستخسر كثيرا. الآن إجلس وفكر في عدد المرات التي تنازلت فيها عن حقك وإحسبها صح وستعرف ما أعنيه.