الخداع هو إظهار القوّة للآخرين ، لترهيبهم وكسب الموقف ، مع العلم أنّ المخادع لا يملك تلك القوة، ما نراه اليوم أنّ المجتمع أصبح قائم برمّته على الخديعة، حيث يحاول الفرد أن يكتسب مكانة أعلى وأجدر مما يستحق، أو يروّع من هم حوله لينصاعوا إلى قوته الوهمية ، ومنزلته التي لا يستحقّها، طبعا الأمر لا يقف عند مهارة الخداع ، فالمجتمع يطوّر مهارته بكشف الخداع ، ويزداد في مهارة التمييز بين التهديد الحقيقي والمخادع، رهان بات من جدول أعمالنا اليومية في أحوالنا العادية .
وفي خضّم هذه الآفة التي نالت من المجتمع، أصبح الإنسان المستقيم الذي لا يخدع الآخرين ولا يميّز خداعهم، إنسان ساذج تنطلي عليه خدع المخادعين ، فيخسر مواقف لم يكن عليه خسرانها، ويُظهر حقيقته فيخسر ما كان غيره ليكسبه بالخداع.
المخادع هو المتضرّر الأوّل، فعندما يخدع الإنسان أقرانه، فإنّه يخدع نفسه أوّلاً، فهو يُظهر للنّاس ما يتمنّى الوصول إليه في الحقيقة، وهو يعرف في قرارة نفسه أن هذه المكانة ليست له، هو بذلك يبرمج نفسه أنه لا يستحق ما يتمنّاه ، فيفرض على نفسه البقاء في هذه الخدعة، طالما يلجأ إلى هذا الخداع، فهو يحرم نفسه من الفرصة للتقدم الحقيقي، فلو أنّ هذا المخادع وقف مع نفسه ، وقرّر أنّه يستحق الاحترام فعلاً، ويستحق المرتبة أو الفرصة التي يستحقّها فعلاً، لكان أدركها مع الوقت، وعمل للوصول لها فعلاً، وأصبحت من واقعه، لكنّه يريد أن يختصر قانون الكون، وذلك مستحيل فلا يكاد يتلمّس تلك الغاية التي يطمح لها ، حتّى تفلت من يديه كسراب خداعه الذي أوهم الناس به، ليس هذا فحسب، بل إّنه بسبب تركيبته وواقعه الوهمي، فإنّه دائما يُنشئ علاقات قصيرة الأمد، ويضطر لتغيير محيطه بين الحين والآخر، خاصّةً عندما يصبح خداعة مكشوف لأغلب من هم حوله، فهو بذلك يحرم نفسه من السعادة التي تحصل للإنسان من وجود الأصدقاء الحقيقيّين في حياته.
النيّة الصادقة، والعمل الجاد، هما الوسيلتان الوحيدتان لتحقيق الأهداف والمحافظة عليها، فكل شيء في الحياة يسري حسب قانون الكون، فمثلاً إذا أراد شخص تنزيل وزنه ، فمهما آشترى من برامج وآستخدم من إختراعات ، سيبقى الحل الوحيد الحقيقي ، هو تقليل كميّة الطعام وزيادة النّشاط، وكذلك هو حال الأهداف الأخرى ،كحال إذا أردت الحصول على ترقية والجلوس على كرسي المدير، فيجب أن تعمل على زيادة معلوماتك، وآكتساب الأصدقاء وتعلّم التأثير بمن حولك، المثابرة والجديّة في العمل، أمّا عودةً لصلب موضوعنا، فقد يحصل الإنسان على ترقية عن طريق الخداع ، و دون بذل الجهد الحقيقي ولكنّه مثل خسارة الوزن بشكل غير صحيح، سيعمل قانون الكون ، ويعيده إلى مكانه ، فيعود ليكسب الوزن الزائد ويُنتزع منه ذلك المنصب، ويجد نفسه قد خسر تلك الوظيفة ، وتلك الإنجازات الوهميّة تذهب هباءً مع الرياح.
كيف يحمي الإنسان الصّادق نفسه من المخادعين؟ المخادع يعتمد على الترغيب والترهيب، فهو تارة يعمل على أطماع المقابل له ، فيزيّن له صفقة تبادل المصالح التي تؤدّي بالنهاية لحصول المخادع لما يربو له ، وطبعاً خسارة الشخص الاخر، أمّا الطريقة الأخرى فهي بترهيب الطرف الآخر، ودفعه للخوف من خسارة ما هو عزيز على المخدوع، فيقوم المخادِع برسم الحبكة ، بحيث يرى الشخص المخدوع ، أنّ الوسيلة الوحيدة للحفاظ على ما هو مهم له ، هو إعطاء المخادع ما يريد! . السؤال الذي يتبادر للذهن الآن هو كيف يحمي الإنسان نفسه إذاً؟ الحل بسيط لكن تطبيقه ليس سهلاً (كالعادة) ! يجب أن يعمل الإنسان على ثلاثة جوانب في نفسه، ليشكّل حصناً منيعاً ضدّ الخداع، الأوّل هو بناء منظومة قيم ومثل عليا ، بحيث يلتزم بها الإنسان ، مهما كانت الأطماع والمخاطر، بحيث تكون شخصيّته واضحة للجميع، بأنّه دائماً يطبّق هذه القيم والمثل، الأمر الثاني هو أن يعمل على تكوين صورة إيجابيّة لنفسه ، فهو لا يقبل لنفسه أن تكون أقل قيمة ممّا تمثّله تلك القيم والمثل العليا، ثم أخيرا يجب أن يعمل على المحافظة على الشعور بالرضى عن نفسه، بذلك يصبح هذا الشخص غير مفضّل عند المخادعين ويتجنبوه، لأنّ الإنسان صاحب المثل والقيم لا يُخدع ولا يسهُل عليه، أن يقع فريسة الطمع والخوف، وكذلك هو لا يرضى لنفسه أن يسلك مسلك غير شريف ، مهما كان السبب لأنه يربأ بنفسه عن الزلل ، بجانب أنّه راضٍ عن نفسه كما هو ولا يقبل مساومة المخادعين.
خلاصة القول هي أنّ الأهداف الحقيقيّة ،لا تثمر وتزدهر إلاّ بالعمل الجاد، والمخادعون مصيرهم إلى الزوال مهما كثروا وآنتشروا