تمّر الأحداث بسرعة أمامي وتتسارع الخواطر، وأشعر تارّة بالحماس وتارّة بالإحباط، ومع كل رشفةٍ من كوب القهوة تبدو المجريات واضحة وقد لا يختلف آثنان فيما يتوجّب على بطل الفيلم أن يقوم به، عندما نشاهد فيلماً أو نستمع لقصّة شخصٍ آخر يتكوّن لدينا رأي واضح كيف يتوجّب على ذلك الشخص إدارة حياته وما يجب عليه فعله، لكن لماذا لا تكون الصورة واضحة لنا بنفس الطريقة التي تتضّح عندما ننظر لحياة الآخرين، وهل هنالك طريق لفّك أسرار تلك البوصلة السِّحرية التي من خلالها يمكننا معرفة كلّ خطوة نخطوها بوضوح ودون تردّد؟
إذا حاولنا حصر الأسباب والعوامل التي تؤدّي إلى الحيرة والتردّد في حياتنا قد لا نستطيع حصرها في مقالٍ واحد، وقد نجد الكثير من الحلول للحصول على الأهداف وتخطيط المستقبل وطرق متابعة الخطّة إلخ من أساليب بناء حياة “سعيدة”، لكي نجد الجواب علينا أن ندرك ما هو السؤال أوّلاً، عمّا نبحث وماذا نريد، ثمّ قد نصل إلى السؤال الذي يليه كيف نصل إلى ما نريد الوصول إليه، عند بدء الإنسان في البحث يتوه طويلاً فيما يريد وقد يقوده هذا السؤال إلى ما هو أعمق حين يدرك أنّه يجب عليه معرفة نفسه أوّلاً، ومن هنالك يبحث عمّا يحّب عمله وما يريد الوصول إليه، ثم يبحث عن كيفيّة الوصول إلى ما يريد ويجد طريقه، ولكن أليس ذلك عملاً شاقّاً وطريقاً طويلاً، ألا يوجد طريق أسهل من ذلك؟
ما يزيد تكاليف الحياة ويجعلها أكثر مشقّة هو تراكم الأحمال الهائلة على كاهل أي منّا، بدءاً من تراث الأجداد إلى أحلام الوالدين التي تنتقل دون وعي للأبناء، والقائمة تطول من العوامل التي تشوّه رغباتنا وتحمّلنا ما لا طاقة لنا به من أعباء وأهداف نسعى للحصول عليها بالرّغم أنّها ليست أهدافاً حقيقيّة، إنّما هي إنجازات رسمها لنا محيطنا وحمّلنا أوزار تحقيقها، فنجد أنفسنا نُدفع كرهاً ونشعر بلزوم تحقيقها، فقد تكون الوظيفة التي لم يستطع ذلك الوالد الحصول عليها فأصبحت من أهداف الإبن المسكين، ويسعى ذلك الإبن ويفني عمره في تحقيق رغبة شخص قد لا يدرك أيّهما ما قد يعنيه تحقيق هذا الهدف، كل هذه الإضافات الدّخيلة من المحيط والتي تدفع بنا دون شعور، وتثقل كاهلنا ما يزيد من الضغط ويحرمنا السعادة، ولا يغيّر شيء سواء حقّقناها أم لا، والسؤال المهم هنا، إذا كانت أهدافنا في الغالب مكتسبة غير نابعة من ذاتنا فكيف لنا أن نعرف ذلك؟
لمعرفة أهدافنا الحقيقيّة والتي تنبع من ذاتنا ونميّزها عن الأهداف المكتسبة من المحيط، هنالك إختبار بسيط، في كل مرّة تشعر أنّك تقوم بعمل أو تحقّق نتيجة لأنه يتوجّب عليك ذلك ولا تشعر في أعماقك أنّه العمل الصّائب، يكون هذا الهدف مصطنعاً، تخيّل أنّك تعيش في بلد لا يعرفك فيه أحد ولا يصل إليك أقاربك وبقيّة مجتمعك، ولن يكون في ذلك العمل إسعاد لأحد والديك، هل لا زلت متأكّد أنّك تريد تحقيق الهدف، ما هو مقدار تقديرك لنفسك وأنت تقوم بالأعمال التي تؤدي إلى ذلك الهدف، هل تشعر بتقدير نفسك أثناء قيامك بذلك العمل؟ ولنفرض أنّنا تخلّصنا من جميع الأعباء والأحمال التي ألقاها على كاهلنا المجتمع، فكيف لنا أن نعرف ما هو الطّريق نحو تحقيق الهدف؟
الجواب على كل هذه التساؤلات بسيط جدا في الحقيقة ولا يحتاج إلى تعمّق في الذات أو وضع الخطط طويلة الأمد، فإن كلّاً منّا يحمل في داخله بوصلة سحرية، ترشده الطريق إلى تحقيق طموحاته وأحلامه، وهذه البوصلة متاحة دائماً وتشير إلى الطريق بوضوح، لكن للأسف بسبب تأثيرات كثيرة تحجب هذه البوصلة ولا نكاد نعيرها إهتماماً، بكل بساطة عش حياتك في لحظتك وراقب شعورك قم بما يشعرك بالسعادة والمتعة وآترك كل ما هو خلاف ذلك، قد يقول أحدهم إن فعلنا ذلك فإننا لن ننجز شيء قط، أقول، بالعكس الكسالى ليسوا سعداء، إنما سعادة الإنسان هي بمقدار قربة من المسار الذي يؤدّي إلى تلبية طموحاته ورغباته، فعندما تنشأ في نفسك حاجة لتحقيق شيء ما، ترتسم الطريق تلقائيا لتحقيق ما تريده، فإن شغلت نفسك بآراء الأخرين وما يتوجّب عليك فعله لإرضاء محيطك، فإنّك تنحرف عن مسار تحقيق رغباتك، وإن رضي النّاس جميعاً عنك لن تشعر بالسعادة، إنّما السّعيد من يسير بآتّجاه تحقيق رغباته الحقيقيّة، تلك هي البوصلة السّحرية التي طالما آتّبعتها عشت سعيداً وحقّقت طموحاتك وآمالك.