تحرر الإنسان من القيود لا يعني أن يصبح بلا ضابط، إنما المقصود أن يتحرر من المخاوف والمشاعر السلبية التي تلزمه هذه القيود، فيصبح اختياره حر فالتزامه بالدين وحب وطنه وإخلاصه في مساعدة الأخرين، يكون عنصرا بناء لأنه حر ويعطي من دافع الحب لا بسبب الخوف.
الخطورة في تلك الأفكار التي تقيد الإنسان وتجعله يفعل ما يخالف به فطرته، تلك البوصلة التي وضعها الله داخلنا لنعرف بها طريقنا، فتأتي الأفكار الدخيلة بصورة المثل والفضائل لتشوش على بوصلتنا وتحرفنا عن مسارنا الذي وجدنا من أجله.
الفضيلة ليست التزام مثاليات لا نشعر بها أو ندركها بفطرتنا، إنما هي قرارات نقوم بها بوعي ونختارها ولا نفرضها على أنفسنا دون الإيمان بها، فمثلا عندما يسيء شخص لك تدعوك فطرتك للدفاع عن نفسك، ثم تقفز الأفكار المثالية التي وجدت لتقيدنا، وتفرض عليك عدم الرد من باب حسن الخلق أو الرقي أو غيرها من المثل المفرغة من الواقع، لا يكون تحكمنا في ردات أفعالنا فضيلة إلا إن كان نابع من وعينا وليس من اتباع أعمى لقواعد ومثل لا نفهمها، ففي مثل هذه الحالة يجب أن تدرك حق نفسك وتعرف ما هي الدوافع ولماذا ستختار ردة فعلك، فلكل مقام مقال كما يقال، يعني نكون فاهمين مش حافظين.
الجانب الأخر للتحرر هو التحرر من المشاعر السلبية التي غالبا ما نغلفها بلباس الفضيلة، أو نبررها لأنفسنا بالصاقها بأحد المثل المزيفة، وذلك لنسمح لأنفسنا بأن نطلق هذه المشاعر السلبية ونتركها لتتحكم في أفعالنا وردات أفعالنا، إذا عدنا لنفس المثال عند تعرضنا للإساءة فتدفعنا مشاعرنا السلبية للانتقام والتنكيل بالشخص المسيء ونبرر ذلك لأنفسنا بأننا يجب أن نأخذ حق نفسنا من المسيء، بينما حق نفسك بعد انتهاء الموقف هو التركيز على وضع الحدود التي تحميك وتترك الأخر يمضي في سبيله ولا يعنيك ما يصنع في نفسه، فلا تجر نفسك في دوامته وتنحرف عن مسارك.
عند مراقبتي لنفسي أجد أني أقع في هذه الأخطاء أحيانا، فأكون بين اتباع مثل لا تتوافق مع فطرتي وانجرافي وراء مشاعر سلبية بغض النظر عن مببراتها، وهذه أمثلة على هذه المواقف.
- المصداقية والوضوح لا تعني أن تحرج نفسك وتجرح الأخرين: عندما ينتظر منك الأخرون جوابا على حاجتهم أو طلبهم منك وأنت تعلم أن ما ستقول لهم سيسبب لهم خيبة الأمل وممكن أن يجرحهم، فلا تسارع باعطائهم الجواب، الأفضل أن تتجنب الرد، وتتركهم ليفهموا أنه لا جواب لديك أو أن الجواب خلاف ما يريدون، بذلك تتجنب جرح مشاعرهم واحراج نفسك، فهم سيفهمون دون أن تترك لديهم أثر في ذاكرتهم أنك ناقل الأخبار السيئة أو اسوء من ذلك أنك تتعمد وتتلذذ بجرح مشاعرهم.
- المثابره لا تبرر احراج الاخرين: عندما تقوم بأعمالك تحتاج مساعدة الأخرين وتطلب منهم انجاز بعض الأعمال أو اعطاءك بعض المعلومات، فليس من المثابرة والانجاز أن تلاحقهم دون وعي، فغالبا ليس لديهم ما يقولوه أو أنهم ينتظرون تغير وضع معين لكي يعودوا لك بالنتيجة التي تريدها، فعندما تصر وتلاحقهم، أنت بذلك تحرجهم وتدفعهم لكي يهربوا منك أو يخبروك بما سيزعك ويزعجهم وبذلك تولد لديهم الشعور بالاستياء، دعهم ليأخذوا وقتهم واسمح لهم بالحفاظ على صورتهم أمامك وأمام أنفسهم
- الانتصار لنفسك لا يبرر التنكيل والحقد: عندما تكون في خلاف مع شخص ما وينتهي الخلاف وتعود العلاقة إلى طبيعتها، يجب عليك تجنب التنكيل وهو تذكير الأخر بأخطائه وتكرار ما قاله وتعذيبه بين الحين والأخر واحراجه بالقول "قلت لك"، تنتصر لنفسك عندما تستطيع أن تعيد علاقاتك مع الأخرين وقد وضعت الحدود بشكل واضح للاخرين بحيث تبين لهم ما تريد منهم وما لا تسمح لهم بتجاوزه، عندها يعرف الأخر حدوده ويحاول التزامها تعبيرا عن حبه ورغبته باستمرار العلاقة.
- التعبير عن المحبة لا يكون بالشفقة واعطاء الوعود : نتعاطف مع من نحب عندما يمروا بأزمات أو يسيطر عليهم الخوف فنسارع لاعطائهم الوعود بغير وعي لنخرجهم من أزماتهم ونحميهم من مخاوفهم، نحن بذلك نمنعهم من خوض تجاربهم والاستفادة منها، عندما يمر أحدهم بتجربة فالهدف منها أن يصحح مساره، فعندما نشفق عليهم ونندفع لاخراجهم من هذه التجارب ونعطيهم الوعود، غالبا لن نستطيع تنفيذ هذه الوعود، وحتى لو استطعنا مساعدتهم مرة فانهم سيقعون في نفس التجربة مرة اخرى واخرى إلى أن يصححوا مسارهم.
- الالتزام والانضباط لا يبرر الخوف: غالبا كل ما تعلمناه من قواعد أو قيود على حريتنا مرتبط بالخوف، الدين هو الخوف من عذاب الله في الاخرة والحرمان في الدنيا، القانون هو الخوف من الحكومة، بر الوالدين الخوف من عقاب الله، الود بين الازواج هو الخوف من الفشل الاجتماعي وفقدان العائلة، وغيرها كثير، تقييد نفسك بسبب الخوف لا يأتي بالخير مطلقا، وهو على أقل تقدير يحرفك عن مسارك وأسوء من ذلك فإن الخوف يجذب لك ما تخافه، فاذا كانت نفسك تطوق لشيء ما وأنت تجبرها على غيره خوفا من عواقب مخالفة "القواعد والقوانين" فاعلم أنك لا تحقق ذاتك، بينما إذا تحررنا من الخوف تماما وجعلنا دافعنا هو الحب، انقلبت النتيجة تماما، فحب نفسك وحب الله يجعلك تلتزم الاخلاق وانت تشعر بفائدتها لك وليس خوفا من عقاب، وكذلك حب الوطن يجعلك تلتزم القوانين وانت مدرك أنها لمصلحتك ولحماية نفسك وأهلك، وغيرها كذلك..
- دفاعك عن أفكارك لا يبرر الجدل واحتقار الاخرين: كثيرا ما ستجد نفسك في مواجهة من يختلفون معك في فكرك ومعتقدك، دفاعك عن أفكارك لا يبرر بأي شكل من الأشكال الدخول في النقاش والجدل مع مخالفيك، تجنب ذلك ما استطعت، وإن وجدت نفسك في موقف النقاش، أعرض أفكارك بوضوع دون الاساءة لافكار الأخرين أو التقليل من شأنها، استمع لما يقولوه باهتمام ثم انسحب بهدوء، لا فائدة ترجى من نقاش الأفكار مع المخالفين لأنها ترتبط بمشاعرهم فاكثر ما يمكنك إنجازه إذا أقمت عليهم الحجة هو أنك تسبب لهم الضيق، ومن الأفضل أن تحيط نفسك بمن يشتركوا معك بأفكارك، وأن تركز دوما على التحرك في الدائرة المشتركة بينك وبين المحيطين لك.
- نجاحك يخصك أنت وحدك، لا تيأس، لا تؤجل، لا تقارن ولا تنتقد: عندما تضع لنفسك هدف اسعى له بكل ما اوتيت من قوة وعزيمة، كل فشل هو مقدمة للنجاح لانك بعد كل فشل تصحح مسارك، المثابره هي الوسيلة الوحيدة لتحقيق الهدف، لا تقارن نفسك بالأخرين كل انسان له طريقة بالوصول والتقليد يجعل منك نسخة مشوهة من الأخرين، جد طريقك بنفسك، الطرق المثالية المتبعة هي لمن يريد أن يعيش نسخة مكرره وليس لمن يريد أن يعيش رسالته بنفسه، لا تشغل نفسك بتقييم الأخرين لكل أنسان طريقة ليس عليك توجيهم أو نصيحتهم لأنك لا تدرك مسارهم، فلا تنتقدهم، وأعتز بنفسك وبطريقك ولا تدع انتقاد الاخرين يؤثر عليك، وهنا لا أتحدث عمن ينتقد سلوكك وينصحك، أنما المقصود بمن ينتقد أهدافك وقيمك فلا تعرهم أهمية وتابع مسيرتك وأكتشف طريقك بنفسك
- انت تستحق الحب والاهتمام من الاخرين، لا تتنازل، لا تثقل، لا تتجسس: من حقك أن تعيش حياتك كما تريد وأن تحصل على الحب والتقدير من الأخرين، أعرف حق نفسك جيدا ولا تتنازل عنه، وكن واضح فيما تريده من الأخرين وضع لهم حدود واضحة، لا تظن أن الحب والتقدير يكتسب بالتنازل عن حق نفسك، تنازلك يضرك ويضر من يحبك ويولد الاستياء عند الطرفين واحيانا الانفجار والغضب، أعرف مكانك عند الأخرين جيدا وما يتوقعونه منك ولا تتجاوزه بالنقصان فتصيبهم بخيبة الأمل ولا بالزيادة فتثقل عليهم وتفرض عليهم تغير خططهم وشكل علاقتهم معك، عش حياتك كما تريد ودع الأخرين وشأنهم لا تتجسس واترك الفضول واشغل نفسك بنفسك، ودع الاخرين يعشون بسلام.
ختاما أقول، إن الحياة بسلام وسعادة وتحقيق النجاح والأهداف يتطلب التوازن الداخلي واستحضار الوعي وتقيم أفكارنا ومواقفنا وأفعالنا وردود أفعالنا، لا ينجح الإنسان ويصل إلي السعادة مادام يستخدم القيم المعلبة الجاهزة التي تلقاها من برمجة المجتمع له، يجب عليه أن يختبر شعوره وداوفعه ورغباته ومخاوفه، فيتخلص من المخاوف والمشاعر السلبية التي تحرفه عن مساره ويتبنى القيم الايجابية ويعيش حياته حرا بنفسه وقراراته.